"فقط نفّذتُ الأمر": مذا ستردّون حين يسألكم أبناؤكم؟
كيف دمّرتَ قرًى وطردتَ سكّانها، تولول إحدى البنات، ويعلو بكاؤها عندما تسمع الجواب. كيف منعتَ خروج آلاف الطلبة الجامعيين؟ تصرخ البنت الأخرى وتطرق الباب وراءها عندما تسمع نفس الجواب. كيف وافقتَ على حصار مليوني إنسان؟ تهمسُ الثالثة، ولا تصدق ما تسمعه أذناها عندما يجيب أبوها.
عميره هس
هآرتس، 8.4.2018 ترجمة: مين خيرالدين
ربما يأتي اليوم فيسأل الشباب الإسرائيليين - ولن يكونوا واحدا أو اثنين – إنما سيكونون جيلا يسألون والديهم: كيف استطعتم؟ إن سُئلَ هذا السؤال، سيكون وضْعُنا أفضل أكثر مما هو اليوم، لأن هذا السؤال سيدل على مرحلة ما بعد- القطيع في الوجود الإسرائيلي. فقط من غير المعروف متى يحدث هذا. بعد 70 سنة؟ بعد 50؟ لأية مراحل متدنية من القطيع الاختياري، شريرة معجبة بذاتها، علينا اجتيازها، قٌبل أن يرتعب شبابنا مما قام به آباؤهم وأجدادهم وقبل أن يتوقفواعن تقليدهم، تقليدا كاملا..
سنسمح لأنفسنا بلحظة من التفاؤل، وسنسأل هذا السؤال قبل أن يفوت الآوان. مع قليل من التفاؤل، نفترض أنهم سيكونون ابناء أربع سنوات من هذا الزمن، أو ممَن سيولدون بعد عدد من الشهور. مبروك.
سينتج عن السؤال "كيف استطعتم" أسئلة أخرى، مثل: لماذا وافقتم؟ هل حقّا لم تعرفوا؟ إذا قلتم تفاهات، ها هي الحقيقة تظهر في اللحظة الحاسمة، وبكثرة. لم يكن من الجدير أن تنتظروا حتى يُطْلَق سراح أحدهم من معسكر اعتقال في سيبيريا وبعد ذلك بشهور يأتي ويطرق الباب ويتكلّم. لماذا لم تهتمّوا؟ لماذا صمتم؟ كيف استطعتم التنزه أيّام السبت، ومشاهدة أفلام في التلفزيون، والقيام بالمشتريات في المراكز التجاريّة الجديدة، والعمل على تحضير شهادة أل – MA في موضوع تاريخ علم طبقات الأرض أو إدارة المصالح التجارية من البيت، واختيار كونسيرت ومسرحيات في لندن، والذهاب أسبوعيا لمشاهدة لُعبة كرة القدم، وترميم البيت وكأن كلّ شيء طبيعيّ؟
رُبما يُحْرج الآباء فيقولون: " يجب ان تفهمي، جارتنا عيدنا، كانت بروفسور مشهورة في تاريخ اللاساميّة ، تمضي حياتها كالعادة – بين الطيران للخارج، والدردشات في حوانيت البقالة ومقابلات الراديو والتلفزيون. هي أيضا صمتت بالنسبة لهذه المواضيع، وكانت تحب سماع سيمفونيات بيتهوفن وبارتوك". تتدخل الأم لتصحح الأب: "ما هذا؟ لم تكن متخصصة باللاسامية إنما كانت متخصصة بأنواع الفراشات المنقرضة". ويتسع النقاش بينهما ليتناول مواضيع أخرى، وبهذا يهربان من أسئلة ابنتهما.
ربما يعتذر آباء آخرون. "اسمعوا"، يقولون، "خفنا من الإرهاب". فيصعِّب الأولاد أسئلتهم: كيف يمكن أن يكون الكفاح ضد الإرهاب بتدمير أنابيب المياه وآبار مياه الأمطار، وحصحصة مياه الشرب لمجموعات معيّنة من الناس. في الوقت الذي نتمتع فيه بكثير من المياه؟ يُقْسِم الأب ويقول إنه "غير مسؤول عن الحصحصة. بهذا الخصوص اسألوا أبناء مردخاي وأوري، وذاك، ماذا اسمه الذي قالوا عنه وزير البنى التحتيّة" يصرخ الابن، سنغفر له تدخله، إنه في سن المراهقة، ويقول: لكنك قدت الجرّافات التي دمّرت آبار المياه. جدّي قال لي ذلك باعتزاز، قبل أن يموت. يصححه الأب: "حفّار صغير، وليس جرّارا، وأنا كنت من بين الجنود الذين صوّبوا أسلحتهم نحو الزواحف الصغيرة، كي لا يرمون السائقين بالحجارة".
شهادات التقدير المعطاة للضباط الكبار في الإدارة المدنيّة تظلّ مُعلّقة في الصالونات حتى تأتي البنات وتُنْزِلنها من على الحيطان بغضب. كيف دمّرْتَ قُرًى وطردتَ سكانها، تولول بنت أخرى، ويعلو بكاؤها عندما تسمع الجواب: "نفّذتُ الأمر". كيف منعتَ خروج آلاف الطلبة الذين أرادوا أن يتعلموا في جامعات أفضل؟ تصرخ بنت أخرى تطرق الباب وراءها وتخرج من البيت عندما تسمع نفس الجواب: "فقط نفّذتُ الأمر". كيف وافقت على حبس مليوني إنسان؟ تهمس بنت ثالثة، لا تصدّق ما سمعته أذُناها عندما أجاب والدها: "تعوّدْتُ". كيف منعت البناء عندهم، وبنيت أحياءا فاخرة عند آخرين، تسأل بنت اخرى أمها المهندسة المعماريّة، مديرة قسم التنظيم والبناء سابقا. فتجيبها أمّها: يحقّ للطبقة العليا دائما أكثر من غيرها. هذه هي حتميّة التاريخ. ببساطة لا يحتاج الآخرون ما لدينا. وهذا مما أدى لكثيرين منهم ليهاجروا، في نهاية الأمر، لهذا يمكنكِ أن تعيشي في بيت واسع مع حديقة واسعة".
أمّ أخرى سترتبك عندما تعترف أنها ضغطت على زِرٍّ لتطلق صاروخا من طائرة بدون طيّار. "كنت شابّة، عرّفوني بأنّي محاربة. وكانوا مجرد دُمًى على الشاشة". أبٌ آخر يعترف بانه رسم على كعب بندقية القناصة الخاصة به 17 إكْسيم، حتى لم يعُد المكان يكفي. "كنّا فتيانا"، يشرح، تدرّبنا على إطلاق النار، وهم تراقصوا أمامنا خلف الجدار وأردت أن أثبت لنفسي وللمسؤولين أنني أُصوّب جيّدا". أب آخر لم يؤشر إكسيم لأنه لم يُحْصِ كم قتل في القصف ألذي أنفّذه من الطائرة. آب إضافي يقول إن هذا العدد لا يساوي جزءا ضئيلا مما قتلناه منهم في حروب سابقة. "إنها أفضل الطرق المضمونة لتقليل عددهم"، وقال بلهجته العلميّة. "ودفعنا آخرين للرحيل كي تتوفر مساحة كبيرة لجامعتك الفاخرة".
كيف سمحتم لكل هذا، يسأل طالب الحقوق والفلسفة أمَّه رئيسة محكمة متقاعدة. ألان يمكنها أن تتفرّغ لهواية تنمية السحلب. فتجيبه: "لم نسمح بكل شيء". سمحتم بأكثر الأشياء، ويصر على قوله. قررتم بقراراتكم أننا العنصر المتفوّق، فتجيبه، وهي ترشّ النباتات بمياه مُقَطّرة: "لكنها الحقيقة".
9.4.2018
*******
صواريخ سلميّة:
أنا بخير؛ حتّى لو متُّ ، لكن العالم ليس بخير!!!!