أقام بنيامين نتنياهو الدنيا ولم يقعدها؛ قدّم شكوى إلى مجلس الأمن الدوليّ، وأخرج التهمة الجاهزة الناجزة: "عبّاس إرهابيّ"، واستلّ فكرة من الباحث الألمانيّ، فيلهم مار، واتّهم عبّاس بمعاداة الساميّة، بعد أن تجرّأ الرئيس الفلسطينيّ، محمود عبّاس وذكر/فسّر/شرح ، لماذا حصلت مذابح اليهود، بناء على رأي بعض المؤرّخين اليهود. لم يكن عبّاس أوّل ولا آخر مَن يحمل هذا الرأي، ولم يخترعه، ولم يدّعه لنفسه.
يعتبر الكثير من المؤرّخين، والمفكّرين، والأكاديميّين، والسياسيّين، و... أنّ اليهود تعرّضوا للكراهية وللمذابح في أوروبا، ليس بسبب دينهم؛ بل نتيجة لوظيفتهم الاجتماعيّة، ومنهم مَن أعفته القيادات الصهيونيّة مِن تهمة اللاساميّة!
في هذا الادّعاء، لم ينكر عبّاس بشاعة المذابح التي تعرّض لها اليهود، ولا غيرهم من الشعوب، ولم ينكر المحرقة/الهولوكوست.
نعم، تعرّض اليهود إلى حملات من التنصير القسريّ، والاضّطهاد والكراهية الدينيّة في أوروبا، ولحملات صليببيّة استهدفت القضاء عليهم. وفي بعض الحالات، جرى تقديمهم كقرابين؛ لأنّهم "كفرة" و"مجرمون" و"قتلة المسيح". لكن، لم تكن الحملات الصليبيّة ضدّ اليهود فقط.
ويؤكّد التاريخ أنّه في البلاد الإسلاميّة، تمتّع اليهود (الذميّون) بحقوق أكثر من أوروبا، لذلك نزح الكثير منهم، من أوروبا إلى البلاد الإسلاميّة.
كذلك، يؤكّد التاريخ أنّ النازيّة، في بادئ الأمر، سعت للوصول إلى عرق آريّ نقيّ ومتفوّق في اوروبا الوسطى، فحاولت استئصال اليهود ومجموعات عرقيّة، وثقافيّة، وإثنيّة أخرى من مجتمعات أوروبا الوسطى. وبعد توحّشها، ارتكبت المجازر والمحرقة.
بعد هبّة بيبي وعصابته، المفتعلة والانفعاليّة، دفاعا عن "الساميّة"، أصدر مكتب عباس بيانا قال فيه: "إنّ المحرقة أبشع جريمة في التاريخ، وإذا شعر الناس بإهانة بسبب كلمتي أمام المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، لا سيّما أتباع الدين اليهوديّ؛ أقدّم اعتذاري لهم. أود أن أؤكّد للجميع أنّني لم أكن أقصد ذلك، وأؤكّد مجدّدا احترامي الكامل للدين اليهوديّ وكل الأديان السماويّة”.
ولم يتّهم بيبي بشيء!
لذلك، فبالنيابة عن عبّاس نتّهم بيبي ليس بالاحتلال، وباغتيال فرص السلام فقط، ولا باضّطهاد الفلسطينيّن، وبترسيخ العنصريّة والتبعيّة فقط، و... لا، ليس بهذا فقط. إنّنا نتّهم بيبي بالتعاون مع معادي الساميّة، وبتعجيل "نهاية الأيّام"!
ألم يتعاون بيبي مع ترامب ونائبه مايك بنس والأمريكيّين الإنجيليّين الذين يؤمنون بأنّ اليهود سيسيطرون على القدس بأكملها، وما نقْل السفارة إلّا بداية، ممّا يتسبّب في نشوء حرب بين الحضارات، ويضطرّ اليهود إلى الاختيار ما بين اعتناق المسيحيّة، أو أن يحلّ عليهم "غضب الله"؟!
فبالنيابة عن عبّاس والشعب الفلسطينيّ، وبالأصالة عن نفسي، أطالب الشعب الإسرائيليّ أن يكره احتلاله الذي يجرّه للتهلكة، وأن يخلّصنا ويخلّص نفسه مِن حكم اليمين الفاشيّ، ومن التعاون مع الذين يعجّلون "نهاية الأيّام"!