وماذا بعد تخريج المُعلّمين !؟ بقلم : نديم إبريق –أبو سنان
خلال الاحتفال المهيب بتخرج ابني من الكليّة الأكاديميّة العربيّة في حيفا وتأهيله ليكون مُدرّسًا في المدارس الابتدائيّة لاحظتُ بطبيعة الأمر فرحة الأهل وسرورهم بتخرج أولادهم ، فلذات أكبادهم ، من هذه الكليّة العريقة ، التي تُخرّج كل عامٍ أفواجًا من المعلّمين. كانت الفرحة تعُمّ القاعة التي غصّت بالخريجين وبالأهل ، الذين توافدوا بكمٍّ هائلٍ ، وفاح في المكان عطر باقات الورود التي أحضرها الاهل ليهدوها لأولادهم ، تقديرًا لجهدهم وتعبهم وحصولهم على الشهادة ، بعد عناء دام أربع سنوات ...
كانت الأجواء رائعة خلال هذا الاحتفال في القاعة ، وتمّ التقاط العديد- العديد من الصور التذكاريّة ، قبل وخلال وبعد توزيع الشهادات على الخريجين في داخل القاعة وخارجها...
خلال استماعي إلى الكلمات الجميلة والمُعبّرة التي ألقيت خلال الاحتفال ، والتي باركوا من خلالها للخريجين ، شدّ انتباهي عدة أمور ، أودّ أن أشاطركم الـتأمل ببعضها...
الأمر الأول الذي لفت انتباهي هو أن الأغلبية السّاحقة من الذين سيحصلون على شهادات التخرج والـتأهيل للتدريس هنّ خريجات، وإنّ عدد الخريجين قليل جدًا ، حتى أن أحد المحاضرين في الكليّة ،وعندما كان يقوم بعملية توزيع الشهادات قال سهوًا :" أبارك لجميع الخريجات..." وفي اللحظة الأخيرة استدرك الأمر وانتبه لوجود ابني بين الخريجات ، فقال معتذرًا : " أبارك لجميع الخريجات والخريجين...". هذا هو الحال في كليات تأهيل المعلّمين ، وهذا الحال ينعكس بطبيعة الأمر في مدارسنا اليوم ، فقد أصبحت الهيئات التدريسيّة في معظم مدارسنا بجميع مراحلها – الابتدائية، الإعداديّة والثانويّة- مكونة من معلّمات ، بينما يفضل الشباب اليوم الابتعاد عن هذه المهنة المقدّسة، المهنة التي تُعتبر وبصدق من أهم وأقدس المهن على الاطلاق ، فبينما كانت مدارسنا في الماضي تعجّ بالمعلمين الذكور ، أصبح وجود المعلّم في المدارس نادرًا ، بل ومُثيرًا للاستغراب ، وأضحت مهنة التدريس مهنة نسويّة بشكل ملحوظ...
الأمر الآخر الذي أرغب أن أشاطركم الـتأمل به والذي لفت نظري خلال هذا الاحتفال هو الكم الهائل للخريجات ( وللخريجين!) ، الذي تعدّى المئات ، وكلّهم من المنطقة الشماليّة، والسؤال الذي تبادر إلى ذهني عند مشاهدة هذا الكم المشرف والمفرح هو : متى وأين ؟؟؟؟ متى سيتم استيعاب هؤلاء المئات من الخريجين في مدارسنا الابتدائيّة والاعداديّة ؟ أي مدارس بإمكانها استيعاب هذا الكم الهائل من المعلّمين الخريجين ؟ ناهيك عن المئات ، ولربما الألاف من المعلّمين الذين انهوا دراستهم قبل سنوات عديدة وما زالوا ينتظرون الفرصة المناسبة لاستيعابهم من المدارس المختلفة.
نحن نسمع عن العديد من المعلّمين الذين ينتظرون التعيين منذ خمس أو ست سنوات ، ولا أبالغ إن قلتُ أكثر من ذلك ، وحتى الآن لم يحظوا بالتعيين المنشود.
كان المنفذ الوحيد لهؤلاء الخريجين في السابق التعيين في منطقة النقب الحبيب ، بعيدًا عن الأهل والقرية ، ولكن حتى هذا المنفذ أصبح شبه مغلقٍ في الآونة الأخيرة ، فقد انخفض بشكل كبير استيعاب المُعلّمين الذين يقطنون في شمال البلاد في منطقة النقب ، بسبب تزايد عدد المعلّمين المحليين هناك ، الأمر الذي نُباركه بطبيعة الأمر، ولكنه سبّبَ مشكلة عند العديد من الخريجين ، حيث عليهم الانتظار سنوات وسنوات...
والسؤال الذي يطرحه العديد من الخريجين والآباءوالأمهات : وماذا بعد ؟ ماذا عليهم أن يفعلوا ؟ كم من الوقت عليهم الانتظار ؟ هل من المفضل البحث عن مهنة أخرى بعد قضاء أربع سنوات في الكليات من أجل الحصول على الشهادة المطلوبة ؟ ماذا عليهم أن يفعلوا حتى يحصلوا على التعيين ، الذي أصبح قريبًا إلى الخيال والأحلام من الواقع ؟؟؟؟
أسئلة كثيرة وصعبة ومتعدّدة تُراود الآباء والأمهات وتُشغل الأبناء وتُقلقهم ، أسئلة تنتظر من يجيب عليها...