أمام التحديات الجسام التي تعيشها المرأة في ظل الواقع الذي نحياه، وإزاء كثرة المتطلبات منها، وطبيعة الظروف الضاغطة التي تحياها بفعل الحروب والصراعات والظروف الاقتصادية وحالات الاستبداد المعرفي والثقافي، كان لزاماً علينا أن نتحدث عن بشريات نجاح حقيقية حققتها المرأة في حياتها بصورة واضحة وجلية .
اسمحوا لي أن ألقي الضوء على المرأة العراقية ، وإن شئتم سأبدأ بالمرأة الفلسطينية ، أم دعونا نتحدث من باب الشواهد عن المرأة اليمنية ، أم تفضلون الحديث عن المرأة السورية ، أم السودانية ، أم الأم الإفريقية، أم أن المساحة لن تسعفنا لخوض الحديث عن بلادنا العربية دولة دولة ، لنعطي المرأة الصابرة المكافحة المربية الاقتصادية التفاعلية حقها وصفاً واستشهاداً.
ومن شدة تدافع الشواهد والقصص التي سمعتها ورأيتها ووقفت عليها في البحث والسفر والمؤتمرات والرحلات، فإني أَجِد نفسي مقصراً مهما كتبت وقلت ووصفت هذه المرأة التي تعمل بصمت، وتخدم بصمت، وتخفي جراحها بصمت، وتربي أبناءها من لحمها وعظمها ، وتعيش في بيئات الحرب أباً وأماً وصديقاً وخبازاً ونجاراً ومديراً ومسؤول نقل وطاهياً وطبيباً ومرشداً نفسياً ، برغم كونها قد تكون في أمسّ الحاجة لمن يمسح عنها دمعة صغيرة لا تصورها كل عدسات الإعلام السياسي الأعور .
ولكل نسائنا العربيات العزيزات أقول ، لا بد أنكنّ سمعتن عن مارغريت تاتشر التي لقبت بالمرأة الحديدية، أو ما يروجه الإعلام عن النساء الأكثر تأثيراً في العالم ، وأود أن أسألكن سؤالاً بسيطاً : هل تستطيع كل أولئك النسوة الحديديات أن تعشن تحت القصف الإسرائيلي للنساء الفلسطينيات لحظة واحدة ؟!
هل تستطيع نساء السياسة ومن يروج لهن على أنهم صانعات الأمل والمستقبل احتضان طفل واحد والتعامل معه تحت حصار وتجويع ممتد لسنوات كما عاشته النساء السوريات واليمنيات ؟!
هل هُن بنظافة المرأة السودانية ؟ بحركية المرأة المصرية ، بإسهامات المرأة الخليجية ، هل لديهن رصيد من النجاح إذا تمّت مقارنتهنّ بأي منكنّ لا تجد من وسائل المساعدة أي شيء ،وتعيش وتكد وتبتسم وتناضل وتسعد وتفشل وتنجح وتعيش العطاء بكل صورة وأشكاله ؟!
نعم سيدات مجتمعاتنا الحديديات ، عنكنّ أتحدث، عنك أيتها الأم والمعلمة، والطبيبة والموجهة ، والإعلامية والصيدلانية ، عنك وأنت تمثلين المجتمع ، نصفه عدداً، وتمثلين المجتمع كله بدورك وعطائك وبنائك لذاتك ولأسرتك ولزوجك وأبنائك، فأي امرأة حديدية لو وضعناها مكانك ما صمدت في لحظات الأزمة دقائق، فتحيتنا العملاقة لك أمّاً وبنتاً وأختاً وزوجة ، وتحيتنا لك عظيمة صامتة تجدين سعادتك في سعادة الآخرين .