كلمة في رثاء المرحومة المربّية المأسوف على شبابها رنين جورج توما – خوري
بقلم: الدكتور منير توما كفرياسيف
أيُّها المسيح، رَفْعُك على الصليب لم يكن سوى المرحلة الأخيرةِ من دربٍ طويل ارتسمَ فيهِ الصليبُ من بدايتهِ حتى منتهاهُ. وأنتِ أيُّها الراحلةُ "رنين" الى الأخدار السماوية حَمَلْتِ صليبَكِ ومشيتِ في درب الآلام سائرةً نحو الخلاصِ لتنطلقَ روحُكِ الطاهرةُ مرفرفةً نحوَ الفردوسِ مع الأبرار والصديقين في ديارِ الربّ الحيّ يسوع المسيح الذي يعلمُ أننّا نريدُ دروبَنا، اليومَ، مفروشةً بالورود، لا صليبَ فيها سوى ذاكَ الذي نحملُهُ على الصدور، لكنّنا نسألُكَ يا ربّ في هذا الموقف الحزين، والمُصاب الأليم بفقدان "رنين" الغالية، أنْ تعيدَنا الى مزيدٍ من صِدْقٍ لنلتقي وإيّاكَ على دربٍ واحدٍ، من أجلِ محبتكِ للإنسان ورحمتكَ وعنايتِكَ المرجوّة والمنشودة دائمًا لرعايةِ أبناءِ وبناتِ الراحلينَ الذينَ اخترتهم الى جانِبكَ كفقيدتِنا المأسوف على شبابها "رنين"، هذهِ الأُم الرؤوم، والمربية الفاضلة التي رافقت في احترامٍ ومحبةٍ وإجلال لرسالتكَ، فعانَتْ وتحملّتْ وصَبَرتْ وغادرتْ بصمتٍ مُذهِلٍ وهي تتألمُ على صليبها حيثُ صَمَدَتْ تتلقّفُ أنفاسَ حبِّكَ الأخيرة أيّها الربّ الفادي المُخلِّص، وحبِّها لأسرتها المتمثلة في أولادها وزوجها ووالديها وذويها وتلامذتِها من الناشئة في مدرستها، مدرسة "البستان".
لن أقول كما جرتْ العادة أنْ يُقالَ بأنَّ يدَّ المنون قد اختطفتها مُبكّرًا، بل سأقولُها بكلِّ وازعٍ من إيمانٍ أنَّ الربَّ قد قطفَ لفَرْطِ محبتهِ زهرةً يانعةً من بستانِ الحياةِ ليغرسَها في فردوس السماوات وملكوتِ الحياة الأبديّة، وكلُّ ذلكَ يحدثُ بإرادةٍ ربانيّةٍ خلاصيةٍ رغمَ ما في ذلكَ من المعاناةِ الدنيويةِ الأرضيَةِ بفقدانها الذي سيتركُ في نفوسِ الأحبّةِ غصةً في الحلق وحسرةً في القلب لِما إتَسَمَتْ بهِ من أخلاقٍ كريمة وخصالٍ نبيلة وتهذيبٍ رفيع وتربيةٍ صالحة، ولنا عزاء في قول الشاعر:
الموتُ نقّادٌ على كفّهِ جواهرٌ
يختارُ منها الجيادْ
إنَّ الحزنَ والأسى برحيل الغالية "رنين" قبلَ الأوان لهو صليبٌ مرهقٌ الى أبعدِ حدٍّ.. بل لا أتردّدُ من القولِ بأنّهُ لم يكُن مُرْهِقًا لها فحسب، بل إنّهُ مُرْهقٌ الى سائرِ أهلها وأُسْرتها الذينَ تألمّوا غايةَ الألمِ لمعاناتها ولفقدانهم هذه العزيزة على قلوبهم، والوفيّة لهم جميعًا، ولكن من اليقين أنَّ إيمانها بصليبِ الربّ سيحييها في ديارِ الأبديّة، تمامًا كما سيحيينا وإنْ مُتنا بإيماننا في محبةٍ وصدقٍ، أيًّا كانَ الثمن، وقد صدقَ الشاعر حينَ قال:
ما الموتُ إلاّ رِحْلَةٌ غيرَ أنَّها
مِنْ المنزلِ الفاني الى المنزل الباقي
أختمُ قولي هذا بقلبٍ ينفطرُ حزنًا وألمًا، سائلاً الربّ القدير أن يتغمدَ الفقيدة بواسعِ رحمتهِ وأنْ يسكنَها جنّاتِ النعيم، مُقَدِمًا عميقَ التعازي والمواساة الى والديها أبو نايف وأم نايف، والى زوجها المحامي ابراهيم خوري وأولادها وشقيقها وشقيقاتها وعموم أهلها وذويها وأفراد عائِلتها، مبتهلاً الى المولى عزَّ وجل أنْ يلهمكُم الصبرَ والسلوان وحسن العزاء، مُرَدِّداً قول الشاعر:
حُكْمُ المنيّةِ في البَرِيَةِ جارِ
ما هذهِ الدنيا بدارِ قرارِ
ليكن ذكرُها مؤبَداً
لها الرحمة، ولكم مِن بعدها طول البقاء