اَلْحُوتُ وَالرَّفْرَافُ
د. منير موسى
(قِصَّةٌ لِلْأَطْفَالِ)
اَلْحِيتَانُ تُحِبُّ الْبِحَارَ؛
فَهِيَ بَيْتُهَا الدَّافِئُ وَالدَّائِمُ.
غِذَاؤُهَا الْأَسْمَاكُ وَالْحَيَوَانَاتُ الْبَحْرِيَّةُ.
لَهَا زَعَانِفُ؛ وَتُشْبِهُ الْأَسْمَاكَ.
أَسْنَانُهَا كَالْمِنْشَارِ.
اِعْتَادَ حُوتٌ أَنْ يَقْتَرِبَ مِنَ الشَّاطِئِ.
رَاقَبَهُ صَيَّادُ سَمَكٍ، اِسْمُهُ صَادِحٌ.
وَرَآهُ، يَوْمًا، يَفْتَرِسُ الطُّيُورَ وَالْعَصَافِيرَ،
عِنْدَمَا لَا يَجِدُ أَسْمَاكًا، كَيْ يَأْكُلَهَا.
وَكَانَ لِلصَّيَّادِ صَادِحٍ صَاحِبٌ مِنَ الْعَصَافِيرِ،
اِسْمُهُ الرَّفْرَافُ.
وَهُوَ عُصْفُورٌ مُتَعَدِّدُ الْأَلْوَانِ،
سَاحِرُهَا. قُوتُهُ الْأَسْمَاكُ، اَلضَّفَادِعُ،
اَلْجَنَادِبُ وَالْجَرَادُ.
وَذَاتَ يَوْمٍ، قَالَ صَادِحٌ لِصَاحِبِهِ الرَّفْرَافِ:
" لَمْ تَمْسِكْ صِنَّارَتِي أَسْمَاكًا مُنْذُ أَيَّامٍ،
مَعْ أَنَّنِي غَنَّيْتُ لَهَا!
فَهَلْ تَصِيدُ لِي؛ وَأَنْتَ الْمَاهِرُ؟"
فَطَارَ الرَّفْرَافُ الْمُلَوَّنُ
نَحْوَ مَوْجَةٍ عَالِيَةٍ مُحَمَّلَةٍ بِالْأَسْمَاكِ.
وَبَدَأَ يَنْتَشِلُهَا بِمِنْقَارِهِ الطَّوِيلِ الْحَادِّ الْقَوِيِّ،
وَيَطِيرُ نَحْوَ الصَّيَّادِ مَالِئًا شِبَاكَهُ بِهَا!
لَكِنَّ صَادِحًا حَذَّرَهُ مِنَ الْحُوتِ!
وَقَالَ لَهُ الرَّفْرَافُ:
" سَأَغُوصُ فِي الْبَحْرِ؛
فَاحْمِ فِرَاخِيَ السَّبْعَةَ،
فَهِيَ بِجَانِبِكَ بَيْنَ صُدُوعِ الصُّخُورِ.
فَهَزَّ صَادِحٌ رَأْسَهُ مُوَافِقًا.
وَاصْطَادَ الرَّفْرَافُ سَمَكَةً كَبِيرَةً،
وَطَارَ بِهَا فِي الْجَوِّ.
لَكِنَّهَا أَفْلَتَتْ مِنْهُ؛
وَسَحَبَتْهُ إِلَى الْأَسْفَلِ؛
فَوَصَلَ الْمِيَاهَ؛
وَوَجَدَ نَفْسَهُ بَيْنَ أَسْنَانِ الْحُوتِ!
فَقَالَ لَهُ الرَّفْرَافُ:
" اِسْمَعْنِي جَيِّدًا. أَنَا لَا أُشْبِعُكَ؛
وَسَأَرْشِدُكَ إِلَى مِيَاهٍ،
فِيهَا أَسْمَاكٌ كَثِيرَةٌ!"
فَهَزَّ الْحُوتُ رَأْسَهُ مُوَافِقًا؛
وَعَبَرَ فِي الْمِيَاهِ،
وَصَعِدَ صَخْرَةً عَالِيَةً.
وَقَالَ لَهُ الرَّفْرَافُ:
" اُنْظُرْ إِلَى تِلْكَ السَّمَكَةِ الْكَبِيرَةِ."
فَقَالَ الْحُوتُ:" شُكْرًا لَكَ!"
وَمَا أَنْ فَتَحَ الْحُوتُ فَمَهُ؛
حَتَّى فَرَّ الْعُصْفُورُ هَارِبًا مُرَفْرِفًا
وَمُغَنِّيًا:
يَا صَاحِبِي الصَّيَّادَا
أَصِيدُ لَكَ أَسْمَاكَا
وَأُحِبُّ الْجَرَادَا
مَا عِشْتُ لَوْلَاكَا
وَضَعَ صَادِحٌ الشِّبَاكَ حَوْلَ الْحُوتِ،
وَقَالَ لَهُ:
" إِذَا وَعَدْتَنِي
بِأَلَّا تَفْتَرِسَ الطُّيُورَ وَالْعَصَافِيرَ،
وَأَلَّا تَقْتَرِبَ إِلَى الشَّاطِئِ؛
أُطْلِقُ سَرَاحَكَ!" ؛
وَافَقَ الْحُوتُ عَلَى كَلَامِ الصَّيَّادِ.
وَغَاصَ فِي عَرْضِ الْبَحْرِ!
اَلْمَغْزَى هُوَ:
عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ،
وَنَتَأَكَدَ بِأَنَّ الْقَوِيَّ لَا يُتْرَكُ،
حَتَّى يَأْكُلَ حَقَّ الضَّعِيفِ؛
وَيَسْتَقْوِيَ عَلَيْهِ!
لِذَلِكَ،
فَلَا تُجَرِّبْ أَنْ تُؤْذِيَ أَحَدًا،
بَلْ، صَادِقْهُ، وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ!