الموسيقار الخالد فريد الأطرش في كتاب "اللحن الخالد" بقلم: الدكتور منير توما كفرياسيف
استمتعتُ جداً بقراءة كتاب "اللحن الخالد" الذي وضعه الاستاذان عمار فرو وزياد شاهين عن سيرة ومسيرة الأستاذ الكبير الفنان الموسيقار فريد الأطرش طيّب الله ثراه حيث قدّم المؤلفان في هذا الكتاب استعراضًا اجماليًا عن الخلفيّة الحياتية لهذا الموسيقار الفذ وعن مسيرته الفنيّة المتمثلة بألحانه وأغانيه وافلامه التي نالت الاعجاب والتقدير والمحبة الصادقة من جانب الجماهير العربية العريضة، ولاقت الثناء والاطراء والاندهاش من المعجبين كافة في ارجاء المعمورة نظراً لرقيّ وفرادة الحانه وفنهِ الشامل الذي أسهم في اثراء الفن ليس على صعيد العالم العربي فحسب، بل على المستوى العالمي الذي شهد له وقدّره أساطين الفنانين والنقّاد في الغرب أيضًا، كيف لا، وقد كان فريد الأطرش بين ثلاثة اسماء نالوا جائزة وسام الخلود الفني الفرنسي وهم فريد الأطرش، بيتهوفن وشوبان.
إنّ كتاب "اللحن الخالد" الذي بين ايدينا يفصّل لنا معظم الأحداث المهمة في حياة الفنان الاستثنائي فريد الأطرش، فيخبر القراء بأصولهِ العائلية العريقة بانتمائه الى عائلة الأطرش الأصيلة في جبل الدروز في سوريا والتي تُعرف بألقاب الأمراء، فوالده فهد فرحان الأطرش – شقيق الثائر الشهير سلطان باشا الأطرش، ووالدته علياء حسين المنذر. وهذا ما يذكره الكتاب للتعريف بجذوره. ويتابع الكتاب الحديث عن كيفية وصول والدة فريد مع ولديها فريد وآمال الى مصر، وكيف أنّ والدة فريد كانت امرأة مثقفة تمتاز بصوتٍ رائع توارثهُ عنها ابنها فريد وشقيقته آمال التي عُرفت فنيًّا فيما بعد بإسم اسمهان التي حظيت بالشهرة والمجد مع شقيقها فريد الذي كان يكّن لها المحبة الغامرة ويسهر على تألق فنّها وأغانيها بأجمل الألحان والرعاية الفائقة لها.
ويتطرّق الكتاب الى ما لاقاه فريد الأطرش في بداياته الفنية من استحواذه على مشاعر كبار الفنّانين آنذاك امثال: داود حسني، رياض السنباطي، محمد القصبجي، وزكي سرور وغيرهم، وهذا الأمر يعكس مدى الإعجاب الذي أثارتهُ مهارة وبراعة فريد الأطرش فنيًا من خلال إجادته في التلحين والغناء والعزف على العود بحيث أصبح ملك العود في كلِّ زمانٍ ومكان الى أيامنا هذه دون أية مبالغة في هذه الحقيقة التي يؤكدّها كبار الفنانين ناهيك عن متذوقي العزف الذين يدركون تلك الموهبة الخلاّقة التي كان يجود بها فريد الأطرش بأنامله ليشنّف آذان المستمعين ولتلامس نغماته قلوب الذّواقين.
يتناول الكتاب بصورةٍ جزئية جوانب مهمة من حياة أسمهان شقيقة فريد وزواجها من ابن عمّها حسن الأطرش وسفرها معه الى جبل الدروز في سوريا وليتم بعدها طلاقهما حيث تعود الى مصر وتتزوج هناك من المخرج أحمد بدرخان لفترة قصيرة جدًا، وقد استطاع الأمير حسن الأطرش لأسباب سياسية، ان يتزوج من أسمهان ثانية عائداً بها مجدداً الى جبل الدروز، لكنّ حياتهما الزوجية لم تدم طويلاً فعادت أسمهان الى مصر عام 1943 بعد طلاقها الثاني من الأمير حسن الأطرش.
ويحدثنا الكتاب عن نشاط اسمهان الفني بدعم ومساندة شقيقها فريد لتمثيلها لفيلمها الثاني "غرام وانتقام" الذي كان فيلمها الأخير حيث توفيت بحادث سيارة مشؤوم، وكانت هذه مأساة عائلية وفنيّة لشقيقها فريد الذي غمره الحزن وطغى على حياته، إلاّ انه استأنف مسيرته الفنية بعد هذه الفاجعة وقام بوضع أجمل الأغاني وأروع الألحان للعديد من المطربين المشهورين، كما تعددت أفلام فريد الأطرش مع بطلات الشاشة العربية أمثال فاتن حمامة، صباح، شادية، سميرة أحمد، زبيدة ثروت، لبنى عبد العزيز، ميرفت امين وغيرهن الكثيرات.
لقد حفلت حياة فريد الاطرش بقصص الحب، فغنّى للحب، وتعددت النساء اللاتي دخلن قلبه امثال سامية جمال، وردة الجزائرية، ناريمان، شادية، سميرة احمد، وثم سلوى القدسي التي كان قد خطبها قبل وفاته.
وكما هو معلوم لدى الكثيرين أنّ فريد الأطرش قد عانى في حياته من مرض القلب، وتألم كثيراً، ومع حبّه الشديد للحياة، فهو الفنّان الذي عاش الموت اكثر من مرةّ، وغنّى له على حد تعبير الكتاب الذي يشير الى اختياره لقصيدة بشارة الخوري (الأخطل الصغير) "عش أنت اني مُتُّ بعدك" وغنائه لها حيث نشعر بصدقِ مشاعر فريد واحساسه الحزين الوجداني بكلماتها.
ومن اللافت أنّ فريد الأطرش قد أحبَّ وطنه العربي وغنّى له ولمصر التي عشق أرضها وأحبّ أهلها وأوصى ان يدفن في ترابها الى جانب شقيقته اسمهان، فهو الذي أطرب العرب والمصريين بغنائه وشدوه للنيل، علاوةَ على القائمة الطويلة بالأغاني والأناشيد الوطنية التي شدا بها هذا الفنان العربي الأصيل الذي غزت أغانيه وتجوّلت في البلاد العربية، وطارت الى سماء أوروبا والعالم. ويخبرنا الكتاب بأنّ فريد قد غنى لما يقارب الخمسة والعشرين شاعراً.
ويعدّد لنا الأوسمة والنياشين التي حازها فريد الأطرش من فرنسا ورؤساء وملوك الدول العربية كلبنان، والمغرب، والجزائر، وتونس، والكويت، والاردن، ومصر التي منحته وسام الاستحقاق المصري – درجة أولى، وجائزة لدولة التقديرية للعلوم والفنون من الرئيس جمال عبد الناصر الذي أحبّه فريد حُبًّا بالغًا وربطته بالرئيس عبد الناصر علاقة وطيدة تعكس مشاعره العروبية المتينة.
ويتخلّل الكتاب في صفحاته الأخيرة نخبة مختارة لنصوص عدد من الأغاني التي صدح بها فريد، بالإضافة الى ايراد مؤلفي الكتاب الى شهادات واقوال وردت على لسان مُعاصري فريد الذين شيعوه بتلك الكلمات التي تنم عن المحبة والتقدير الخالص لشخصه وفنّه لا سيما وأنّه كان الأمير الذي امتاز بكرمه الحاتمي الذي بلغت اصداؤه الآفاق وما زالت ذكراه متوهجة عند محبّي وعاشقي فن هذا الإنسان الذي رحل وحرم من جمهوره الذي أحبه ليس في مصر ولبنان وسوريا، بل في تونس وجميع الأقطار العربية، وذلك بعد ان توقّف قلبه عن الخفقان، وذلك القلب الذي كبرت فيه الجراح بينما كان قد أسعد الملايين من عشاق الفن بأغانيه والحانه وأنغامه التي عزفها بأنامله الرقيقة على عوده الذي جعل من عناقهِ له ملكًا متوّجًا في دنيا الألحان والأنغام.
طيّب الله ثرى هذا الفنان العريق الأصيل، ولمؤلفي كتاب "اللحن الخالد" كلّ الثناء والإطراء والتقدير على هذا العمل المتميّز بما ورد فيهِ من مادة ثريةٍ بالمعلومات عن سيرة هذا الموسيقار والفنّان الخالد.
أيار 2018