مُواطنون كاملون بالفِطْرَة بقلم: المحامي سامر خير - المغار
لكل "المتفلسفين" إزاء حِراك الدروز ووقفتهم الاحتجاجيّة الجبّارة من أجل كرامة ومساواة كل المواطنين في هذه الدولة، باستعمالهم تعابير شامتة جاهزة وغير لائقة، نقول باختصار:
شعار "دولتان لشعبين"، ألا يعني المطالبة بدولتين: يهودية وعربية؟
أَوَلَيست اسرائيل هي الدولة اليهوديّة المقصودة؟
غالبية المواطنين العرب في الدولة - بمن فيهم الدروز - يرفضون التنازل عن مواطنتهم في دولة اسرائيل اليهودية، حتى لو أقيمت الدولة العربية الفلسطينية. وهم يفضلون أن تبقى بلداتهم ضمن حدود الدولة اليهودية. ولنا في المواطنين العرب في المثلث خير مثال ودليل. ولا حاجة للخوض في الأسباب، فكل عاقل يعرفها.
لا يمكن القول إن هذا الإصرار على المواطنة الإسرائيلية هو وليد نزوة عابرة، بل على الأرجح هو نتاج تجربة وخيار عقلاني للمستقبل. وهو يدل على انتماء ما ومعالم هوية عربية لها خصوصيتها تشكلت خلال السبعين عاما الماضية.
وصف "المرتزقة" ينطبق أكثر على الأقلام المأجورة والمشبوهة التي تردّد شعارات فارغة تغسل بها بعض الأدمغة، وتحيك على عيونها غشاوات الجهل التي تحرمها من رؤية الواقع.
"المرتزقة" هم الذين يقاتلون في أي جيش كان، مقابل المال، من دون حاجة لفرض الخدمة الإجبارية عليهم. فرض التجنيد لا يتم إلا على مواطني الدولة. وهنا يكمن الفرق الكبير. وذلك بغض النظر عن الموقف إن كان مؤيدا أو رافضا للتجنيد الإجباري.
لا حاجة للتذكير بـ "قائد وطني كبير"، عضو كنيست عربي، طالب في أوائل سنوات الدولة بفرض التجنيد على كل المواطنين العرب في اسرائيل، سعيًا منه لتطبيق "المواطنة التامة" كما يبدو، وإلّا فأي تبرير آخر يمكن أن يكون لهذه المطالبة؟. أمّا "خلفُه الصالح" فيما بعد فقد ظلُّوا يحاولون بكل الطرق طمس هذه الواقعة.
ليس ذنب الدروز أنه تم فرض التجنيد عليهم. لكن بعد كل هذه السنوات، يمكنهم ومن حقهم أن يشعروا بأنهم حققوا "مواطنة تامة" - ويجب احترام هذا الشعور حتى لو رأى البعض الآخر أنه خاطئ - وعلى هذا الأساس يمكن فهم لماذا مسّ قانون القومية بالدروز تحديدًا وجرحهم أكثر من غيرهم. وليس لأي سبب آخر من قبيل أنه تم خداعهم وخيانتهم هم بالذات وما شابه.
أليس الخداع - إذا صحّ الحديث عنه - من نصيب كل المواطنين العرب، الذين "صدّقوا" مبادئ وثيقة الاستقلال، فحملوا الهويات الزرقاء، وانتخبوا ممثليهم في برلمان دولتهم اليهودية الديمقراطية، ودفعوا الضرائب، ورسوم التأمين الوطني. والذين اقتنعت غالبيتهم الساحقة بأنهم مواطنون في هذه الدولة إلى الأبد، ولم تعد تقبل - بأي شكل من الأشكال - أن تقع بلداتها ضمن حدود أية دولة أخرى؟
يبدو إذن أن خيار الانتماء لهذه الدولة اليهودية الديمقراطية ليس حكرًا على المواطنين الدروز وحدهم، بل هو خيار باقي المواطنين العرب أيضًا. هذا الانتماء يتم التعبير عنه بالمشاركة الفاعلة في مختلف نواحي حياة الدولة، بدءًا بالترشُّح والانتخاب فهذان الأمران من صفات المواطنة حصرًا، مرورًا بالعمل في جميع المؤسسات الحكوميّة وفي سلك الشرطة، والخدمة المدنية وبعضهم بالخدمة في الجيش سواء تطوعية أو إجبارية، وبالشراكة أو المُشاركة في كل شيء حتى مسابقات الأغاني والطبخ التلفزيونية.
ولمن يقول عكس ذلك، نقول له: إن كان كلامُك صحيحًا فلماذا لا يقاطع العرب انتخابات الكنيست الاسرائيلي؟ أو انتخابات السلطات المحلية الاسرائيلية؟ ولماذا يتمسّك أعضاء الكنيست العرب بكراسيهم ورواتبهم وامتيازاتهم؟ وخاصة في هذه الظروف الحالية. فلو أنهم كانوا غير مقتنعين ومتمسِّكين بالمواطنة في الدولة اليهودية الديمقراطية، لكانوا قدّموا اقتراحات أخرى مشروعة وفقًا للقانون الدولي ردًّا على قانون القومية.
إن كان المواطنون المجنّدون إجباريًّا "مرتزقة".. فكيف لا يكون المتبرلمون (من برلمان) تطوُّعًا "مرتزقة" - وهم يُعطون الدليل الأقوى على ديمقراطية الدولة في نظر العالم؟ ولماذا لا يكون العُمّال البُسطاء الذين بنوا غالبية المستوطنات مرتزقة؟.. وقائمة هذا النوع من الأسئلة تطول وتطول وتطول..
في الواقع ما مِن مُرتزقة ولا يحزنون.
هنالك فقط مواطنون. مواطنون يطالبون بحقوقهم برأس مرفوع، وبوحدة قلّ نظيرُها – كما عبّر عن ذلك المواطنون الدروز في وقفتهم الاحتجاجية الجبّارة، بمشاركة حشود غفيرة من الأخوة المواطنين اليهود. هذه الشراكة العربية اليهوديّة من المتوقّع أن يتم التعبير عنها أيضًا في المظاهرة القادمة لباقي المواطنين العرب يوم السبت في تل أبيب. وكفى بهذا تأكيدًا على خيار المواطنين العرب كما تمّ تفصيلُه أعلاه.
مواطنون من حقهم أن ينعموا بالمساواة والمواطنة التامّة وبالديمقراطية. ليس لأنهم تجنّدوا أو شاركوا أو "تبرلموا" أو انتخبوا أو دفعوا أو عمّروا أو طبخوا وغنوا ورقصوا.
بل فقط لأنهم مواطنون.
مواطنون كاملون بالفطرة.