في الطريق من شفاعمرو الى مدينة تل ابيب، عصر يوم السبت الماضي لم تكن طويلة، رغم الازدحام المروري، في بعض مقاطع شارع الشاطئ. ومسافة الطريق وازدحامها يشتتان الأفكار، الحدث كان احتجاجًا على سن قانون القومية والذي نص ورغم كل التغييرات في بنوده بأن الدولة هي لشعب واحد نشيدًا وعلمًا وارضًا وسماءً ولغةً وهواءً وباقي البشر في هذه البقعة يحق لهم حسب درجاتهم التي حددها القانون الخائب ان يتنفسوا نصف الهواء لأن الباقي لا يملكونه فهو يندرج ضمن قانون الاسياد على هذه الدولة وتجاهل من حلموا قبل قيام الدولة بالعيش المشترك وحلم دولة واحدة لجميع مواطنيها والمسافة بين شفاعمرو وميدان رابين التي اضاءت واجهتها الوانا خمسة تقديرًا وعرفانًا لطائفة اخلصت وحلمت بإخلاصها ولم تدر وتعلم بأن هناك قيادة سياسية لا تعرف العودة للتاريخ.
ضاعت الطائفة بين اخلاصها وبين حقها كبشر في دولة كتبت في وثيقة استقلالها منح المساواة لكل مواطنيها ويوم السبت ومنذ ساعات العصر وعبر الازقة والشوارع الرئيسية حمل الشبان والفتيات والشيوخ اعلام طائفة واعلام دولة يحاول قادتها انكار الجميل بقانون جائر يفرض فيها القوي اساليب اللعبة السياسية لإزاحة الانظار عن ملفات قد يقع في بعضها.
رئيس الحكومة يجيد لعبة ابعاد النار عن وجهه والقضية ليست يمينا متطرفا او يسارا او مركزًا بل القضية أن رئيس الحكومة قرر صمّ اذنيه ولا يريد ان يصدق مشهد مئة الف متظاهر في ميدان رابين ولا يريد ان يرى عبر نظارته السوداء مشهد الجماهير التي قدِمت من الشمال والمركز والجنوب يهودًا ودروزًا وعربًا في مشهد لم يتعود عليه ميدان رابين الذي اوقف نشيده فكر يميني متطرف ظنا منه أن حدود الميدان والدولة ملكه وملك عالمه الديني المتطرف.
هؤلاء لا يرون بعيونهم الا انفسهم ولا فرق في المواقف السياسية بين المتطرف وبين من يجلس في موقع القرار الحكومي الذي يتجاهل طائفة ويتجاهل طوائف تنشد السلام والتعايش وتطلب المساواة في دولة شاء القدر ان تكون بكل الوانها محطة للمهاجرين والاصليين وامل في العيش بكرامة واذا كانت الوفود قد اتت من كل الاتجاهات فقد كان ميدان رابين والعلم المرسوم على واجهة البلدية المقابلة شاهدًا على احتضان مدينة لا تنام فإن اقوال وكلمات رجال الدولة وخاصة الرجال الذين خدموا في ارفع المناصب الامنية التي تثبت كيان الدولة.
تجاهل رئيس الحكومة ومن حوله لمواقف هؤلاء، يعني أننا امام تصادم بين دولة لا تستطيع النوم والبقاء الا بمواقف رجال امنها وبين اراء سياسيين ما يهمهم هو البقاء على كرسيّهم وخوفا من ملفات ومحاكم على الطريق والتصادم والتباين واضحا كوضوح علم الخمسة على واجهة بلدية تل ابيب التي يراها كل اهل المدينة الذين انضموا بآلافهم لميدان لم يستطع إسكات حناجر الحق في مربعها، كلمات المتحدثين كانت واضحة لا عودة للوراء والحقوق تؤخذ في هذه الدولة ولا تعطى.
اذا كانت الرسائل واضحة من منصة وقف عليها رجال الدولة فإن البعض في هذه الدولة نسوا بأن شخصا ماردا كأمل اسعد ورفاقه من الضباط المتقاعدين يعرفون بأن ميدان الاحتجاج حق ويعرفون بأن من وضع دمه على كفه سنوات طويلة من اجل امن الدولة من حقه ان يذرف دمعة على من يحاولون ان ينسوا بأن الدولة لا توضع في مزاد البيع والشراء ولا توضع في افكار عنصرية لطرف اعتقد امثال المبادرين لقانون القومية بأنهم شعب الله المختار وغيرهم قوم ضاع في الصحراء ويلهث انفاسه الاخيرة وكلمات الصَّبية سبيل خطار من قرية يركا ما زالت تدوي في ميدان حضن الالاف في اجمل لون ومشهد واذا كان رئيس الحكومة يظن بأن اقامة لجنة وزارية والقضية قضية ملايين الشواقل فإنه اضاع بوصلة الحكمة ولم يعرف قراءة مشهد الميدان.
رجال الدولة في الاجهزة الامنية يعرفون مدى خطورة تطور الاحداث وتدحرج كرة الثلج لان النهاية ستكون وخيمة اذا لم تعرف رئاسة الحكومة بأن القضية هي ان نكون او لا نكون والكرامة والوجود والمساواة هي اثمن ما نملك، بل جوهر القضية وقانون القومية ليس مجرد قانون بل هو بداية نهاية دولة حلم البعض بأن تكون لكل مواطنيها والضباط الذين وقفوا وسط المسرح في ساحة رابين يستحقون اكثر من وردة لانهم يستحقون الحياة.
ربما تكون بنود القانون قضية مسكن ولغة عربية جميلة لكن القضية بعمقها الشفاف تكمن في شعب يريد الحياة فوق ارضه ولا يندرج في اسراب المهاجرين بل شعب يريد السلام ونشيده السابق وحِلف الدم فقد لونه الاحمر ففي قيادة الدولة لم يعد احد يميز بين الالوان وبين سطور الحقوق الانسانية والبشرية والدولة ليست صفقات مادية وارقام على طاولة اللجنة الوزارية بل ما يحق لهم يحق لنا وميدان رابين بقي مع صوره ومن لا يعرف قراءة الصور لا يعرف قيادة دولة.