فضل الصدق الشيخ نعيم كامل شنان إمام في قرية حرفيش
بسم الله الرحمن الرّحيم والحمد لله الصادق في قيله، الهادي إلى سبيله، يا من حبّب الصدق إلى النفوس الكريمة، وجعله ركن الطباع السليمة، فخصّ به الأنبياء والصالحين وأنار به مُحيا عباده المقرّبين، حيث قال في مُحكم كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة 119)، فما أجلّه من قائل، جعل الصدق صفة لأوليائه، وجعل الكذب طبيعة لأعدائه.
الصدق في اللغة يعرّف على أنّه أصل يدل على قوّةٍ في الشي، من قول وغيره.
والصّدق هو خِلاف الكذِب، وسُمّيَ بذلك لقوَّتِه في نفسه، ولأنّ الكذب لا قوّةَ له بل هو باطل، أمّا الصّدق اصطلاحًا فقد تنوّعت تعريفاته والقصد واحد، فقيل: الصّدق هو الوفاء لله بالعمل، وقيل: الصّدق هو استِواء السرَ والعلانية، وايضًا هو قول الحق في مواضع الهلكة، وهو أن تصدقَ في موضع لا ينجيك منه إلا الكذب، وهناك من قال بإنّ الصدق هو الّا يكون في أحوالك شوب، ولا في اعتقادك ريب، ولا في أعمالك عيب.
الصّدق من أجلّ النّعم التي منّ بها الكريم على عباده، فبه يهدي إلى البرّ، وينهى عن المنكر، فمن يتحرّى قول الصّدق كان عند الله صديقًا، ومن يسلك مسالك الكذب فانه يدفع نفسه في متاهات المعصية التي توصل إلى الفجور، والفجور يوصل إلى النار...فيكفي في فضيلة الصّدق، أنّ الصديق مشتق منه، وبه وُصف الأنبياء والصالحين في معرض المدح والثّناء، لأنّ الصّدق من أرقى الفضائل وأنبلها لأن عليه تتوقف مسيرة الحياة واستمرارها وإنتاجها...
فما بالنا وقد هُدينا نعمة العقل والتمييز نجحد نعمة الصدق، ونتناسى أن الصّدق يهدي إلى البِّر، والبِّر يهدي إلى الجنة...وننسى قوله تعالى حين عاقب قوم نوح لشدة كذبهم وعظيم عصيانهم فقال: وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ۖ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (الفرقان 37).
أعزاءي: الصّدق هو نجاة العبد في الآخرة لكنه يلازمه في الدنيا فالصادق إذا نطق يزدان في منطقه حلاوة، وفي هيبته وقار وصلابة، أما الكاذب معاذ الله فهو للشّك موضِعًا وفي عيون الناس للرّيبة مبعثًا...فإذا استقر الصّدق في النفس فكان العبد لربه مقرّبا وبين إخوانه مبجلا محببا، أما إذا تقرر في العبد قبح الكذب فإن أقبح أنواعه هو الكذب على الله تعالى ورسله فيتجلّى ذلك ببعده عن الدين من خلال التصديق بالباطل والإنكار للحق والدوام على المعصية والتمادي في المحرمات والمنكرات... وخير مثال قصة سيدنا أبي يزيد البسطامي وكان له من العمر عشر سنوات وقد ارسلته أمه إلى بلاد الحجاز طلبا للعلم، بعد أن توفي والده، فباعت جميع ما تملك فكان حصيلة ما جمعته أربعين دينار أعطتهم لولدها، لكنها طلبت منه ان يعاهدها على قول الصدق مهم حدث، فعندما غادرت القافلة تعرضت لهجوم قاطعي الطرق، فعندما سألوه عمّا يحمل أجاب : أحمل أربعين دينارًا، فلم يصدقوه، وأخذوه إلى رئيسهم فلم تحقق من صدقه، سأله الرئيس ما دفعك على قول الصدق؟ فأجاب رضي الله عنه: هو عهد عاهدت به أمي، فعندها تاب رئيس العصابة ومن معه... فيا لها من حادثة تُظهر فضيلة الصدق وعواقب اعتماده واتباعه حتى في أحلك الظروف...
فالحذر الحذر ففي آخر الزمان يقل الصدق ويكثر الكذب، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: يكونُ في آخِرِ الزمانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ. يأتونَكم من الأحاديثِ بما لم تَسْمَعُوا أنتم ولا آباؤُكم. فإيَّاكم وإيَّاهم. لا يُضِلُّونَكم ولا يَفْتِنُونَكم. ( صحيح مسلم [المقدمة])، بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإيّاهم، لا يُضلونَكم ولا يفتنُونَكم "، وكما ورد في الإنجيل: " كراهةُ الرّب شفتا كاذب، وأمّا العاملون بالصّدق فرضاه "
وخلاصة أقول أتقوا الله واتبعوا مسالك الصدق المنجيّة واحذوا حذو أهله، واحذروا الكذب ومن اختاروه سبيلا واتبعوه دليلا، ولا يكن أحدكم مطيّة للكذابين والمخادعين فيصدقهم أو يعينهم حتى لا يقع في شركهم ويكون من الخاسرين...
-
الصدق في القرآن الكريم:
-
-
-
" ليجزيَ الله الصادقين بصدقِهِم ": أي بسبب صدقهم في أقوالهم وأحوالهم ومعاملتهم مع الله، واستِواء ظاهرهم وباطنهم.
-
" ليسأل الصادقين عن صدقهم ": إظهار ما في الباطن من الصدق في مرتبة القول والفعل.
-
-
-
-
الصدق في الإنجيل:
-
" حنكي يلهج بالصدقِ، ومكرهة شفتيَ الكذب "
-
كراهة الرّب شفتا كذب، أمّا العاملون بالصّدق فرضاه "
قيلّ في الصّدق:
- عليكَ بالصدق وإن قتلكَ.
- لأن يضعني الصدق، أحبّ إليّ من أن يرفعني الكذبُ.
وفي الشّعر:
من كان صادق كان همه منجلي
الصدق قد حاز المراتب والجمال
يا قايل الصدق انت قولك معتلي
والصدق خصله من خصالات الرجال
أخي القارئ الكريم! لو نظرنا إلى الشيوخ الأتقياء الذين صدقوا مع الله ما كان قد عاهدوه وأمعنا جيدًا لتحققنا من حسن الثواب في الدنيا والآخرة، فنراهم دوما في هيبة ووقار، أينما حلوا يحظون بالتكريم والتبجيل، وسيرتهم كما المسك يُظهرون الصدق والعمل وتظهر لهم الكرامات من حيث لا يدرون.
ولكن الصدق في أيامنا بات يتيما منهكا، في عالم يشوبه الغش والخداع ويسيطر فيه الكذب في جميع المجالات: الدين والدنيا والمجتمع والسياسة... وكل ذلك طمعًا بالدنيا الدنيّة ونيل المراتب وحب الجاه والرّياسة، لذا إخوتي أنبهكم بأن لا تنجرفوا وراء هذا التيار الكاذب بل تمسكوا بجذور صدقكم وأصول دينكم فهي أقوى من أن تجرفها تيارات الكذب ولو كثرت.
أختتم أقوالي بالحث الدائم على استعمال الصدق، كونه المرساة الأمينة التي تنقل صاحبها إلى شاطئ الأمان، والفوز بالمغانم والنعيم الدائم في دار الآخرة، فلذا علينا جميعا التزام سبل الصدق حتى ولو كانت شديدة الوعورة، فبها تكون النجاة...وأذكركم بالصدق وأناشدكم الصدق في الإيمان والدين والنيّة والقول والعمل ... وكل الحركات والسكنات ... فمن تطابق لسان قاله ولسان حاله سيكون انشاء لله من الفائزين.