ابنة البروة عبور درويش على درب الابداع
شاكر فريد حسن
عبور درويش ابنة البروة التي تقطن في قرية الجديدة الجليلية، قد اقتحمت عالم الشعر وامتطت صهوة الإبداع، ونشرت نصوصها في صحيفة ” الاتحاد “، وصحيفة الحقيقة وفي عدد من المواقع الالكترونية المحلية والعالمية وفي صفحتها على الفيسبوك. تعمل محررة إخبارية ومترجمة وصاحبة مجلة ” لنا ” الفكرية الثقافية الموجهة لطلاب المدارس الابتدائية , تكتب المقالة والقصة القصيرة وما يختلج صدرها من بوح شعري ،
عبور انسانة موهوبة تكتب بلغة تأخذنا ونحن نقرأ نصوصها في فسيح فضاءاتها وانفساح آفاقها الى ما يثير الدهشة والمتعة الجمالية، وهي تنغمس بريشة وحبر روحها حين ترسم لوحاتها الشعرية والنثرية الفنية، بأسلوب أدبي رمزي أحيانا، تحقق من خلاله روح الابداع الحداثي الذي تسعى اليه.
وفي نصوصها تبرز عبور ملامح الوطن، وتعكس همومنا الوطنية، مستخدمة الكلمات الموحية ذات الأبعاد النفسية المؤثرة، التي تعتمد على الصورة والرمز والايحاء والاستعارات البلاغية.
إنها تكتب باسم روح انتفضت، وطمأنينة انقرضت، وأرض لم تحرث بعد، ورغيف خبز لم يخبز، وحلم لم ينجز ، وأصالة باتت منسية..!
ومن قصائد عبور درويش التي راقت لي، قصيدتها الى روح الانسان محمود درويش، وهي بعنوان ” قم وعانق الحوريات “، حيث تخاطب شاعرنا الراحل، وقلبها يملؤه الشجن والحزن لرحيله الفاجع، فتقول:
يا صاحب الصهيل الأخير
انك الآن صامت وأي صمت هذا الذي يدوي الاذان
انني اقف على شرفتي المعتمة
وقبس نور يتسلل من شموع العزاء
اشواك الندم تلسعني وتخنقني علامات السؤال
بالأمس مررت من هنا قاصدا احدى الاخوات
هرعت نحوك لأصافحك
ارتعشت أناملي وتراجعت خطواتي بخجل
ودون أن تلاحظني عدت الى شرفتي
وغمرت رأسي بين قصائدك كعصفورة بلا اجنحة
أعترف إنني خجلت من خجلي
ولكني على الأقل قادرة ان أعترف
هل اخترتتا ام القدر فعل ؟؟
كي نكون جديرين بك وان نرفع صورك فوق جدراننا الحزينة
يا محاربا بلا سلاح انهض من سباتك الابدي
قم للحظة واحدة.. نحتاج بعض سطور
اختنقت الحروف وتشوهت العبارات
وانطوينا على انفسنا بين الصفحات
وتتناول عبور درويش في قصائدها الى جانب القضايا الوطنية، الاوضاع السياسية والمسائل الاجتماعية، والاخلاقيات والفضائل والقيم الانسانية التي تتهاوى، عدا الرثاء، وغير ذلك من الشعر الهادئ المتسم بالصدق العفوي ورقة المشاعر والرؤى البعيدة.
واللافت في كتاباتها مهارتها الوصفية شعريًا في نقل صورة امينة لما يحدث ويجري في الواقع من آفات اجتماعية وأعمال عنف وقتل يومي، وما يجيش في الصدور والنفس البشرية التواقة للخير والمحبة والتسامح والعدل الانساني، وتطالب بإعادة حساباتنا ، فلنسمعها تقول وهي تتساءل : لماذا قتلت بيان وهي ما زالت تحبو نحو عقدها الأول:
لما قتلت بيان ؟؟
يا من حملت السلاح بيدك
وبين اضلعك كانت الضغينة
تخفق بالوريد والشريان…؟؟
هل لك أن ترجع عقارب الزمان….؟
هل بإمكانك أن تعيد طفلة دثرت بالتراب والأكفان؟؟
ترو يا بن هذا الجيل …
لا تسلبهم الطمأنينة والأمان ا
أما أثقل جيبك هذا السلاح …؟؟
ألم تثقل مسامعك أنات الأمهات…؟؟؟
أما آن لهذا العنف أن يندحر؟؟؟
ولعل الروح الانسانية بأجمل صورها، تتجلى عند عبور في قصيدتها ” أماه ” الزاخرة بكل مشاعر الحب واسمى معاني الوفاء والاجلال والتقدير لنور الكون، أمها الغالية التي وهبتها من عمرها النضارة والنقاء الروحي، وعلمتها مسك القلم، وقيمة المعرفة، وأهمية القلم، فتناجيها في يوم عيدها:
على مشارف عيدك
واقفة أنا
حائرة خائرة القوى
أيا نور الكون..
يا من حملتني
بين أجفان الطمأنينة
ووهبتني من عمرك
نضارته ورحيقه
يا من جزأت من أجلي
ثواني الزمن ولحظاته
وأزحت عن دربي
أحجاره وعثراته
اعذريني
إذ تضيع مني أزاهير اللغة
في حضرة الأمومة
يا رفيقة الدرب
دعيني ألملم
ما هدر من لحظات عمرك في تربيتي
وأسكبه تعاليمًا في كتاب الحياة
وتبعث عبور درويش بنداء لشاعر الوطن والانسانية سميح القاسم، وتناديه بكل ما في داخلها من احساس ورهافة وشفافية قائلة:
يا سميح القاسم
قم لنرسم معا قوس قزح
اصرخ بوجه آلامك
وعد لتكمل القصيدة
قاوم لأجل من
يبكون ويصلون
حتى تعود
لأجلنا –
لأجل الوطن
انهض لحبيبتك العذراء
عد للرامة للجليل
والجولان
تناديك قدسنا
عد لتربت على كتف الوطن
قبل أن يعلو بكاء الرجال الرجال
وقبل أن يوغل صمت النساء النساء
عد لكتاباتك
عيور درويش لها مخزون من الموضوعات والموتيفات المختلفة، وما تكتبه هو قطعة من ذاتها، واسلوبها الكتابي مؤثر ورمزي، وهي تميل الى الكتابة الطويلة والاسترسال، وليس الى الومضة التي تسم الجيل الشعري الجديد، وهذا يدل على نفسها الشاعري وقدرتها على مداعبة الحروف، ودغدغة الكلمات.
إنها شاعرة واعدة تحث الخطى على درب الشعر والابداع بكل ثقة وايمان برسالة الأدب الملتزم المنحاز لنبض الناس والشارع.
فاجمل التحيات لعبور درويش، متمنيًا لها مستقبلًا شعريًا جميلًا، وقدمًا الى الامام وبلوغ الهدف المبتغى والمنشود.
بقلم: شاكر فريد حسن