منّ الله عز وجل على بني البشر اينما كانوا وكيفما وجدوا، وكذلك أياً كانوا بما يَسَّرَه لهم سبحانه وتعالى من حكمة، دراية، تفكير، بعد نظر، انسانية وغير ذلك من مقومات الانسان، ويدري ايضاً تقريباً كل منا انه لدى بني البشر صفات من نوع آخر قد تتداخل في النفوس وربما تؤثر على نوعيتها وعلى تصرفاتها في حياتها اليومية.
ومن بين هذه الصفات، التّلاعب في الكلام، في الضمير، في المصالح الخاصة وربما العامة ايضاً، وكذلك صفات اخرى قد يمتعض المرء ويتحفظ من وجودها في هذا أو ذاك بمن حوله وممن يخصونه من أقارب ومعارف، ألا ان هذا المرء أو ذاك يدرك جيداً أسلوب التّلاعب الذي ينتهجه وخاصة في الثرثرة، في كثرة الكلام الفارغ وكذلك في الاغتياب والتصلف في الحديث مع فلان وضد علاّن، وفي نفس الوقت يمكن لكل أمرئ تقريباً ان يعي ويدرك من هو هذا المرء وكيف يقيّمه ألآخرون، من باب معرفتهم له، لألفاظه، لنهجه الذي أصبح عنده مبدأ في الاستهتار، في التلوّن حيث يعطي كل من يجالسه على كيفه مخبئاً في داخله نواياه تجاه هذا المرء، ويخفي ايضاً في نفسه حقده وحسده النابع فقط من تقصيره في الحياة، ومن شعوره بالنقص ومن انجراره خلف اناس لا يقلّون عنه في الصفات والتصرف والنظرة تجاه ألآخرين يعني على شاكلته.
وترى ايضاً هذا المرء او ذاك اتخذ التّلاعب في الكلام اسلوباً في الحياة، حتى انه عُرف عند الناس بألأمّعة، بألأنسان الخائن، بالانسان خالي الضمير، نعم ينعته البعض بأنه انسان خالٍ من كل موضوعية، خالٍ من كل قيم طيبة، همّه كثرة الكلام وخلط الحابل بالنابل، يقدس المرء امامه وفي غيابه يكيل له أنواعاً من الذم والقدح، ويعود وينكر هذا الكلام او انه يتظاهر العكس تماماً.
وأمثال هذا المرء بدون ريب أو وجل يكتشفون رويداً رويداً وأولاً بأول، في بداية الامر لدى عائلاتهم ولدى أقرب المقربين اليهم، وكذلك في محيطهم، وقد تستمر الاحوال على هذا المنوال وسرعان ما تمر الايام وينكشف بطل زمانه حسب رأيه على حقيقته، ينكشف في أكاذيبه، ينكشف في تلّونه، ينكشف في عدم استقامته، ينكشف في أعوجاجاته وفي تلاعبه في الكلام الفضولي الذي ما من شك انه يصدره هو فقط هو.. يصوّره بأصدق الصور الصادرة عن نفسه، ويعرضه على ألآخرين دون ان يدري ويظن انه لا يزال مختبئأً ومتخفياً وراء هذه التصرفات والصفات التي عرّته امام الغير وأظهرته على حقيقته، وتراه ايضاً لم يتّعظ من علاقة الناس معه، أو تراه يغوص في عنفوانه التافه ويستمر في الهزل والتخفي وراء الاقوال او الكتابات التي يطلقها هنا وهناك بكل وسيلة اعلام كانت، ويبدأ يتساءل وينقض الحقائق بطرق عدة وكأنه محايداً لا يعنيه شيء، لا علاقة له مطلقاً والعكس هو الصحيح، وفي هذه العجالة تراه يعلم علم اليقين انه يكذب على نفسه أولاً، وعلى عائلته ثانياً وعلى ذويه ثالثاً، وربما يصل كذبه هذا الى اصدقائه الذين عايشوه ووثقوا به، الا ان الامر لا يمكن ان يستمر بهذا الشكل، فكل ما لا يستطيع المرء تغييره فالزمن حتماً سيغيّره، ويثبت له يوماً ما انه مخادع، مراوغ، كذوب، خائن ولا يؤتمن على شيء، وهذه قد تكون حقيقة عرفها الناس عنه قبل ان يكتشفها هو بنفسه عمداً لانه يظن شيئاً آخر.
فالى هذا النوع من البشر كان من كان نقول جميعاً: قف عند حدّك ايها المرء، قف!! ثم قف وفكّر وقل لنفسك قول الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة إمرئ فكلك عورات وللناس السن
وعينك ان ابدت اليك معايباً لقوم فقل يا عين للناس أعين.
وكذلك ايها المرء لا بد الا وينعتك الناس بأنك منحطٌ في تصرفاتك، لا تليق بك صفات الرجال، وانك جبان وبعيداً كل البعد عن الرجولة الحقة، فمهما طالت الايام، ومهما تطاولتَ وتخفَيتَ في الاقوال والافعال وراء الكواليس، فلا بدَّ من محاسبة نفسك اذا اذن ضميرك لك اذا وجد، عندها تتيقن انك كل الوقت كنت على خطأ وتجنيتَ على الكثير ممن أمّنوك، ووثقوا بك الى ان اصبحت تفتقد الثقة الغالية حتى من أقرب الناس عليك، فالافضل الوقوف عند الحد ومصارحة النفس... .