بنيامين نتنياهو مضطرب؛ فتوقّعوا العنف.
راضي كريني
لم أرَ بيبي نتنياهو متوتّرا إلى هذه الدرجة من قبل، ذكّرني باضطراب جولدا مئير أثناء وبعيد حرب أكتوبر 1973.
بعد فرض وقف إطلاق النار، في عام 1973، استعادت رئيسة حكومة إسرائيل، جولدامئير، شيئا من توازنها، واعترفت بأنّ إسرائيل صغيرة أمام العظماء، وتراجع وزير دفاعها (ديّان) وجنرالاته عن فكرة استعمال السلاح النوويّ، وبدأوا في دراسة تفضيل السلام على شرم الشيخ، وفي الانسحاب من المناطق المحتلّة من عام 1967 ... لكنّ جولدا لم تستطع أن تسامح العرب على أنّهم أجبروا القوّات الإسرائيليّة على قتل أبنائهم؛ الفلسطينيّين والمصريّين، والسوريّين، والأردنيّين، و... ! فجولدا تؤمن بأنّ العرب يكرهون أطفال إسرائيل أكثر ممّا يحبون أطفالهم.
معذور بيبي! ويحقّ له الاضطراب، والقلق، والاكتئاب، والترنّح، والانزعاج، والانفعال، والاهتزاز، و...، وهو يقرّ ويعترف، ويرى ويشهد؛ سقوط مشاريع، وخطط، و...، الثالوث الدنس في سوريّة. فبيبي نتنياهو كان سيّد المؤامرات وعرّابها ... لكن، تجري الرياح ...
لم يقرأ بيبي الاتّفاقات الموقّعة مع الحكومة الروسيّة جيّدا، أخطأ في التسبّب في إسقاط الطائرة الروسيّة "إيل-20" في سوريّة. لقد أسقط نقطتي الزيت من الملعقة الصغيرة التي حمّله إيّاها بوتين!
ذهب رجل قلق إلى حكيم، وطلب منه أن يزوّده بحكمة تخفّف من حدّة قلقه ... حمّل الحكيم الرجل ملعقة صغيرة فيها نقطتا زيت، وطلب منه أن يتجوّل في كلّ زوايا بيته الكبير، دون أن يسقط نقطتي الزيت من الملعقة. سار المضطرب وهو ينظر إلى نقطتي الزيت، ويحافظ عليهما من السقوط ... عاد إلى الحكيم ... سأله الحكيم: هل رأيت مكتبتي؟ أجاب: لا.
-
هل رأيت الصورة كذا؟
-
لا.
-
إذن، عُد و... وافحص ماذا يوجد في البيت.
عاد وعاد ... ولم تكن الملعقة في يده، وانسكب الزيت على السجّاد الفاخر.
لم تعد تنفع كثرة اعتذارات وتعازي بيبي و.... للرئيس بوتين، ولا كثرة صراخه: "إمسكوا الحرامي" السوريّ والإيرانيّ واللبنانيّ.
فروسيا لا تحمّل إسرائيل المسؤوليّة الكاملة عن تحطّم الطائرة "إيل-20" في سوريّة، ولا تتحدّث عن عدم مهنيّة طيّاري مقاتلاتها وإهمالهم الإجراميّ فقط؛ بل تتّهمها بتعطيل المشاريع الروسيّة الضروريّة لمتطلّبات الأمن القوميّ والإستراتيجيّ الروسيّ في سوريّة، وأهمّ هذه المشاريع: أوّلا، دحر الإرهاب في سوريّة، قبل أن يصل إلى أعتاب موسكو، وثانيا، الحفاظ على الاستقرار ووحدة الأراضي السوريّة، كي يسقط التهديد في البلقان و... وفي روسيا نفسها.
في الوقت الحاضر، يعرف بيبي أنّ الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ لم يعودا اللاعب الرئيسيّ في الشرق الأوسط، وأنّ تركيا لم تعد حاجزا منيعا أمام النفوذ الروسيّ في الشرق الأوسط. لذلك، فزياراته المتكرّرة إلى موسكو، واتّفاقاته السرّيّة والعلنيّة مع بوتين، وتكرار اعتذاراته، وكثرة تعازيه، و... هي اعتراف منه بأنّ روسيا تضطلع بدور اللاعب الرئيسيّ في الشرق الأوسط، وأنّ بوتين هو المنسّق/والضابط/ والمدير الواقعيّ والماهر لجميع القوى الفاعلة ولكافّة الأطراف. وهذا أكثر ما يزعجه، وأكثر ما يسبّب له التوتّر والاضطراب.
هذا يقودنا إلى السؤال: ماذا علينا أن نتوقّع من المضطرب والمتأزّم بيبي، والملاحق بتهم الفساد؟