شكرًا "كان ياما كان"
راضي كريني
في هذه الأيّام، أحاول جاهدا، وفوق المستطاع، أن أنقذ نفسي من الغوص في وحل الانتخابات للسلطات المحلّيّة البلديّة، في قرانا ومدننا العربيّة في إسرائيل. لم يخطر على بالي أن ألتجئ إلى حصن الفنّ وحضنه المسرحيّ، وأن ألوذ به من هذه النقمة الديمقراطيّة المنعشة للعصبيّات القبليّة، والردّة المغيِّبة للعقل، والمشبَعة بمشاعر الغضب المنفلت العنيفة، المصحوبة بالتشظّي الجماعيّ، والانفجار الذاتيّ.
لم أنجح في إقناع غالبيّة مَن التقيت بهم من أبناء شعبي، ولا مَن كاتبتهم مِن أصدقاء، وكتبت لهم من قرّاء، أو حاورتهم أو ...؛ أن يكفّوا عن اعتبار انتخابات السلطات المحليّة أنّها معركة مصيريّة. إنّ هذا الإهمال لقضايانا الرئيسيّة والوجوديّة، ودليله الاستهتار بمسرحيّة بنيامين نتنياهو-بيبي في الجمعيّة العامّة، لهو إسهام في مجهود بيبي في صرف أنظار العالم عن احتلاله واستعماره، وممارساته القمعيّة والفاشيّة ضد أبناء شعبنا الفلسطينيّ، وفي انتزاع شرعيّة دوليّة لحرب قد يشنّها ضدّ إيران ولبنان، بمباركة أمريكيّة، وصمت أوروبيّ، وتواطؤ وخيانة وتغطية ماليّة عربيّة لتكاليفها، أو لقصف العمق السوريّ واللبنانيّ والعراقيّ و... بذريعة وجود منشآت عسكريّة إيرانيّة و... كما هدّد بيبي مِن على المنصّة الدوليّة.
نعم، في هذه المرحلة، يغوص العرب الفلسطينيّون في إسرائيل بوحل انتخابات السلطات المحلّيّة، ولا يسبحون في ماء القضايا المصيريّة الصافي، ولا يلتفتون إلى القتل على حدود قطاع غزّة، وإلى هدم منازل "الخان الأحمر" وترحيل أشقّائهم، وإلى التهديدات الوجوديّة التي يطلقها اليمين الفاشيّ الحاكم، و...
تركتُ جدليّة الحياة والموت، والقضايا المصيريّة، والتكامل بالآخر (الديالوج)، ونظرت بمكبّر إلى تراكمات جرائم القتل، وقتل النساء بذريعة الشرف في الوسط العربيّ، و حوادث الطرق، والعنف (الكلاميّ والجسديّ والنفسيّ)، وانتشار السلاح والجريمة، و... وتوقّفت عند التحوّلات الكيفيّة في المنافسات الانتخابيّة، وسطوة الانغلاق على الذات المتعصّبة للعصابة وللعائلة أو الطائفة، واحتكار المشهد والخطاب والزعامة ... وتساءلت: كيف نكون لو انتهينا إلى مفارقة غير محسوبة، مثلا، إذا مات الزعيم الذي نقدّسه، والذي أقسمنا أن نموت ونحيا من أجله؟ ولماذا أصبح أبناء شعبي على استعداد أن يقايضوا رحمتهم بقسوة الانتخابات، وسلامهم بحربها، وسلامتهم بعلّتها، ووداعتهم برعونتها، وحرّيتهم بعبوديّتها، وحبسها، وسجنها، و...؟
حوّلتني دعوة لحضور مسرحيّة من السقوط عن طريقي إلى السقوط عليها؛ لأنهض فيما بعد، ومن الهبوط في إفك الحالة الافترائيّة إلى الانطلاق إلى أفق خيالي.
حضرتُ مسرحيّة "على قيد حياة" التي كتبها الشباب والصبايا المشاركون في المسرحيّة، وأخرجتها رفيقتهم وصديقتهم راما نصرالله، فكانت لي طوق نجاة في حبكتها التي عالجت مشاكل الغيرة بين الشباب، وآثار تعاطي السموم، من مخدّرات ومنشّطات، وفقدان الكوابح، وضبط النفس، والتسامح، و... تدور أحداث المسرحيّة حول مقتل "حياة "، واسترجاع المتّهمين لتفاصيل الحادثة أمام القضاء، وعرضهم لسيناريوهات محتملة، وصولا إلى الحقيقة.
فشكرا للقيّمين على مركز "كان ياما كان لتعليم المسرح والفنون" ولمديره الفنان عاصم زعبي، وللمخرجة المبدعة راما نصرالله، وللممثّلين والممثّلات الجاذبين للانتباه، والحريّين بالتقدير: لينا قزموز، وباسل سروجي، وعدن مطر، وهيام عون الله، وفراس أبو تايه، ووطن عبد الغني؛ لأنّكم جعلتموني هادئا ومصغيا ومستمتعا و... ومتذكّرا لهمّنا الاجتماعيّ والسياسيّ، وناسيا لقرف المرحلة لأكثر من ساعة.