نعرف أنّ مسألة حياة أو موت ملايين الفقراء المستضعفين والمعذّبين في الأرض لا تهمّ رؤساء الدول والحكومات الرأسماليّة اليمينيّة، لكن، أن تصل وقاحة بعض الرؤساء أن يجاهروا بأصواتهم، ويهدّدوا البشريّة بالفناء والهلاك، وفي الوقت ذاته يدافعون عن بقاء و"سلامة" موبقات الاحتلال الإسرائيليّ؛ فهو أمر جديد في السياسة الدوليّة.
فدونالد ترامب، رئيس الولايات المتّحدة، أعلن عن انسحاب بلاده مِن اتّفاق باريس العالميّ، بشأن المناخ، وعن تأييده زيادة استعمال الوقود الأحفوريّ، لإنتاج الطاقة من نفط وغاز وفحم حجريّ، الأمر الذي يهدّد بزيادة انبعاث غازات الدفيئة المسبّبة للاحتباس الحراريّ العالميّ، فوق معدّله العالي أصلًا الذي يؤدّي إلى ارتفاع درجات الحرارة على الكرة الأرضيّة، وإلى ذوبان الثلوج والجليد، و... وإلى ارتفاع مستوى البحار، ما يؤدّي إلى إغراق جزر ودول وسواحل، وإلى عواصف وفياضانات وحرائق، وشحّ المطر، والعطش نتيجة للنقص بمياه الشرب، وجفاف، وتصحّر، وفناء العديد من الحيوانات البريّة والبحريّة والطائرة، و.... ولن تسلم إسرائيل، ولن يسلم الشرق الأوسط برمّته من هذه الكوارث. وفي الوقت ذاته يعلن ترامب الحرص والدفاع عن أمن ومصالح ورفاه واحتلال إسرائيل وتطوّرها وانتعاشها و... واستغلالها وبطشها واستيطانها/استعمارها و.... وينقل سفارة بلاده من تل-أبيب إلى القدس، ويوقف التمويل المخصّص لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" بشكل كامل. ويعمل على تطبيق "صفعة العصر".
كذلك، يعلن المرشّح الرأسماليّ اليمينيّ لرئاسة البرازيل، جايير بولسونارو، تأييده للسياسة العدوانيّة الإسرائيليّة، وهذا ليس نكاية بمرشّح حزب العمّال اليساريّ فرناندو حدّاد، اللبنانيّ الأصل الذي ينادي بالديمقراطيّة، وبالعدالة الاجتماعيّة، وبالحفاظ على البيئة، وبالحريّة للشعب الفلسطينيّ، و...؛ بل تمشّيًا وانصياعًا لسياسة وبرامج وأهداف اليمين الرأسماليّ العالميّ المتطرّف؛ فبولسونارو يؤيّد سياسة حكومة بيبي نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة والاضطهاديّة والفاسدة، ويعلن في الوقت ذاته، أنّه سيكافح الفساد والجريمة المنتشرة، وسيحدّ من الدَين العامّ المتزايد، وسيعمل على توسيع الخصخصة، وعلى اتّباع سياسة السوق، والاقتداء بترامب وبيبي، و... وعلى تخصيص مناطق ومساحات كبيرة من غابات الأمازون لصالح الزراعة؛ أي يعتزم إلغاء الدور الذي تلعبه هذه الغابات في امتصاص ثاني أكسيد الكربون، ما يؤدّي إلى ارتفاع الغازات المسبّبة للاحتباس الحراريّ، و... والمسبّبة بدورها للكوارث البيئيّة/الإيكولوجيّة.
أعتقد أنّ ثمّة علاقة طرديّة بين حبّ الرأسماليّة المتوحّشة لسياسة حكومة إسرائيل القمعيّة والتوسعيّة، وكرهها للبيئة ولمجمل العوامل المؤثّرة في تحديد الوجود البشريّ، أي العوامل التي تحدّد الشروط الماديّة والنفسيّة والتقنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة لعلاقات البشر. و... ليس صدفة أن تتشبّب الطغمة الرأسماليّة بالأغصان والفروع، وفي الوقت ذاته أن تزدري الجذور، وتقطع الجذوع.
فظاهرة التلوّث البيئيّ، وما ينتج عنها من آثار اقتصاديّة واجتماعيّة وصحيّة سلبيّة، مرتبطة عضويًّا بالتنميـة الرأسماليّة وبأنماطهـا الاستغلاليّة والاستعماريّة والاستهلاكيّة، وهي دلالة على عدم وجود ضدّ مقاوم ومناقض، فالضدّ "الاشتراكيّ" الموجود (كالصين) ينافس الرأسماليّة في ملعبها، ويجاريها في تدمير البيئة وفي تبديد الموارد الطبيعيّة، ويختلف عنها في التشبّب بالاحتلال الإسرائيليّ وإفرازاته؛ فالضدّ يحمل في داخله ضدّه.