شهرٌ ونصفُ الشّهرِ في برلينْ،
يُمشّطُ الخريفُ
أوراقَ الشّجرْ..
وتستظلُّ الشّمسُ حينًا
بين قطعانِ المطرْ...
وحينما أمشي هنا
في برلينْ..
تمرُّ من ورائيَ السّنينْ،
تمرُّ من أماميَ السّنينْ..
ويَطلعُ الطّوفانُ من
أعماقِ أعماقي...
ويَغرقُ القلبُ
بأمواجِ الحنينْ!
* * *
شهرٌ ونصفُ الشّهرِ في برلينْ،
وأنتِ تسألينْ:
"هل أنتَ مشتاقٌ إليْ؟!
وهل تنامُ فوق خدّيكَ
يدٌ غيرُ يَدَيْ؟!
وهل سيبقى فيكَ شيءٌ
من جنونِ العاشقينْ؟!"
وتسألينْ...
كيف وكيف تسألينْ؟!
وأنتِ في عينيَّ تسكنينْ!
وأنتِ من تحتِ ثيابي
تَخرُجينْ...
ومن أصابعي..
ومن دفاتري..
تَخرُجينْ...
وتسألينْ...
كيف وكيف تسألينْ؟!
نعم.. أنا في برلينْ،
لكنّني حين أرى
وجهَكِ يا حبيبتي،
يصبحُ كلُّ العالمِ الكبيرِ
قشّةً صغيرةً
أمام كنزيَ الثّمينْ!
فأنتِ يا حبيبتي
بدايةُ التّكوينْ،
وأنتِ يا ألماستي
نهايةُ التّكوينْ!
* * *
حبيبتي..
ألفُ سلامٍ وسلامٍ من هنا
لشَعرِكِ الطّويلْ!
لشَعرِكِ الذي يَمدُّ خيمةَ الرّيحِ
من القدسِ إلى الجليلْ!
لوجهِكِ الذي يَصبُّ
في عيوني أجملَ اللّوحاتْ،
ويَجلبُ الصّباحَ
للبيوتِ والسّاحاتْ،
لدِفْءِ عينيكِ اللّتينِ
تمطرانِ المستحيلْ،
كم أنا مشتاقٌ
لهذا المستحيلْ،
فربّما نَكونُ يا حبيبتي
في آخرِ الدّنيا...
لكنّنا من قـلـبِـنا لا نستقيلْ!
* * *
حبيبتي..
كيف البلادُ والعبادْ؟!
وكيف حالُ أهلِنا
في خانِنا الأحمرْ؟!
وحرقةِ الدّموعِ والأكبادْ؟!
هل شبحُ التّرحيلِ
لا يزالُ كلَّ ليلةٍ يَطلعُ
في الكابوسِ للأولادْ؟!
وهل حَوَتْ رسماتُهم
لونًا سوى لونِ السّوادْ؟!
يقالُ إنّها الحياةْ..
وإنّها الأرضُ المقدّسه..
حيثُ الدّموعُ كالقناديلِ
تضيءُ عتمةَ الأملْ...
حيثُ يصيرُ الإنسانْ...
مثلَ العصافيرِ التي
يُنقَلُ عشُّها إلى أيِّ مكانْ!
مثلَ التّماثيلِ التي توضعُ
في مسارحِ التّاريخِ والأزمانْ!
مثلَ الهشيمِ في الحصادْ...
حبيبتي،
هذي هي البلادْ!
لكنّني حين أراكِ في ربوعِها،
تُبرعمُ النّجومُ في عيوني
ويُزْهِرُ الفؤادْ..
فأرسلي عينيكِ دائمًا إليَّ
يا حبيبتي...
وسلّمي على البلادْ!
(برلين، 20 أكتوبر 2018)