مجموعة قصص
د. منير موسى
اَلْبَطَّةُ فُلَّةُ وَالدِّيكُ لَيْلَكٌ
حِكَايَةٌ عَنْ بَطَّةٍ، اِسْمُهَا فُلَّةُ. كَانَتْ تَعِيشُ بِقُرْبِ بُحَيْرَةٍ، وَتَسْبَحُ فِيهَا مَعْ فِرَاخِهَا، وَيَشْرَبُونَ مِنْ مَائِهَا. وَأَحَبَتْ هَذِهِ الْأُغْنِيَةَ:
أَعِيشُ بِلَا تَعَبِ
آكُلُ حُبُوبِي وَعُشْبِي
أَحْمِي فِرَاخِي
مِنْ ذِئْبٍ وَثَعْلَبِ
وَكَانَتْ فُلَّةُ تُحِبُّ جِيرَانَهَا. وَفِي صَبَاحِ أَحَدِ الْأَيَّامِ، ذَهَبَ الدِّيكُ لَيلَكٌ لِزِيَارَتِهَا فَرِحًا. رَحَّبَتْ بِهِ مَعْ زَوْجِهَا الْعُلْجُومِ. وَضَيَّفَاهُ الْفَوَاكِهَ، اَلْبُقُولَ وَالْحُبُوبُ. وَلَاعَبَ لَيْلَكٌ فِرَاخَهُمَا رَاقِصًا وَمُغَنِّيًا مَعَهَا! وَتَرَكَ بَيْتَهَا، وَرَجَعَ إِلَى قُنِّهِ. وَزَارَتْهُ فُلَّةُ مَعْ فِرَاخِهَا. وَبَقِيَ ذَكَرُ الْبَطِّ الْعُلْجُومُ رَاقِدًا عَلى عُشِّهِ. وَمَلَأَ السُّرُورُ بَيْتَهُمْ. وَقَالَ لَيْلَكٌ: " أَنَا سَعِيدٌ لِزِيَارَتِكُمْ، لَكِنَّنِي ذَاهِبٌ؛ لِأَشْرَبَ!" وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ فُلَّةَ. وَهُوَ عُشٌّ عَلَى شَاطِئِ بُحَيْرَةٍ بَيْنَ الصُّخُورِ. وَبَيْنَمَا كَانَ الْعُلْجُومُ نَائِمًا؛ سَرَقَ لَيْلَكٌ مِنْ بَيْتِهَا سَلَّةَ الْفَوَاكِهِ وَكِيسَ الْحُبُوبِ! وَعِنْدَمَا عَادَ، اِخْتَبَأَ فِي حَقْلِ الذُّرَةِ؛ إِلَى أَنْ تَرْجِعَ فُلَّةُ! وَعَادَتْ فُلَّةُ إِلَى بَيْتِهَا. وَبَكَتْ؛ عِنْدَمَا رَأَتْهُ مَسْرُوقًا! وَقَالَتْ: " لَقَدْ خَدَعَنِي لَيْلَكٌ!"
ذَهَبَتْ فُلَّةُ إِلَى لَيْلَكٍ، وَدَعَتْهُ مَعْ عَائِلَتِهِ؛ لِيَسْبَحُوا مَعًا فِي الْبُحَيْرَةِ.
ذَهَبُوا للسِّبَاحَةِ؛ فَقَفَزَ لَيْلَكٌ إِلَى الْمَاءِ؛ وَأَخَذَ يَغْرَقُ! وَصَاحَ: " خَلِّصِينِي، يَا فُلَّةُ!" وَسَبَحَتْ نَحْوَهُ بِسُرْعَةٍ، وَأَمْسَكَ بِجَنَاحَيْهَا؛ فَوَصَلَتْ بِهِ إِلَى الشَّاطِئِ! تَأَسَّفَ لَهَا لَيْلَكٌ عَلَى فِعْلَتِهِ! وَعَزَمَهَا إِلَى بَيْتِهِ. ذَهَبَتْ فُلَّةُ مَعْ أَهْلِ بَيْتِهَا لِزِيَارَتِهِ. عَامَلَهُمْ بِلضطَافَةٍ، ضَيَّفَهُمْ، وَأَرْجَعَ لَهُمْ مَا سَرَقَهُ! فَحَمَلَتْ فُلَّةُ سَلَّةَ الْفَوَاكِهِ، وَالْعُلْجُومُ حَمَلَ كِيسَ الْحُبُوبِ! فَرِحُوا جَمِيعًا؛ وَسَالَتْ دُمُوعُهُمْ.
وَغَنَّوْا:
نُحِبُّ الْعَيْشَ
فِي هَدْأَة الْبَالِ
اَلرَّاعِي جَارُنَا الْغَالِي
يَحْمِينَا فِي اللَّيَالِي
اَلدُّبُّ وَالْمَلِكَاتُ
عَاشَ دُبٌّ فِي غَابَةٍ مَعْ زَوْجَتِهِ جَهِيزَةَ، وَجِرَائِهِ فِي رَاحَةٍ وَسَلَامٍ. وَكَانَتْ حَيَوَانَاتُ الْغَابَةِ تُحِبُّهُ. وَكَانَ بِقُرْبِ الْغَابَةِ بَسَاتِينُ، جِبَالٌ وَبُحَيْرَةٌ، يَسْبَحُ فِيهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا. وَكَانَ يَصْطَادُ مِنْ سَمَكِهَا، وَيُطْعِمُ أَصْدِقَاءَهُ الْحَيَوَانَاتِ،
وَيُضَيِّفُ الزُّوَّارَ. وَكَانَ يُغَنِّي دَائِمًا بِفَرَحٍ:
دُبٌّ أَنَا، أَعِيشُ بِالْغَابَةِ
أُحْمِي دَيَاسِمِي،
وَجَهِيزَةَ زَوْجَتِي
أَسْبَحُ كَلَّ يَوْمٍ
في بُحَيْرَتِي
عِنْدَ الظَّهِيرَةِ
مَاؤُهَا صَافِي
وَسَمَكُهَا طَيِّبُ الطَّعْمَةِ
وَكَانَتْ مَلِكَةُ النَّحْلِ تَخْرُجُ كُلَّ صَبَاحٍ مِنْ عُشِّهَا الْمَبْنِيِّ عَلَى شَجَرَةِ بُرْتُقَالٍ فِي أَحَدِ الْبَسَاتِينِ الْقَرِيبَةِ مِنَ الْغَابَةِ حَامِلَةً الْعَسَلَ لِصَدِيقِهَا الدُّبِّ.*وَكَانَتْ عَامِلَاتُ النَّحْلِ اللَّوَاتِي مَعَهَا فِي الْعُشِّ تُسَاعِدْنَهَا.
وَتَمْلَأْنَ صَحْنَهُ الْكَبِيرَ بِالْعَسَلِ؛ فَيَفْرَحَ الدُّبُّ، فَصَارُوا أَصْحَابًا. وَفِي الْجَبَلِ الْقَرِيبِ، كَانَتْ مَلِكَاتُ الدَّبَابِيرِ، وَالْعَامِلَاتُ قَدْ بَنَيْنَ لَهُنَّ عُشًّا مِنَ الطِّينِ دَاخِلَ جِذْعِ شَجَرَةِ بَلُّوطٍ.* وَضَعَتِ الْمَلِكَاتُ الْبَيْضَ فِي الْخَلَايَا الطِّينِيَّةِ، وَاخْتَبَأَ كُلُّ الْعُشِّ طِيلَةَ فَصْلِ الشِّتَاءِ تَحْتَ الْغُصُونِ الْيَابِسَةِ. *وَبَعْدَ أَنْ أَحَسَّتِ الدَّبَابِيرُ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ؛ اسْتَيْقَظَتْ! *فَقَالَتْ إِحْدَى الْمَلِكَاتِ: "طِيرُوا وَرَائِي؛ لِنَشْرَبَ!" وَبَعْدَهَا، غَنَّوْا جَمِيعًا:
نِمْنَا طَوَالَ الشِّتَاءِ
وَاشْتَقْنَا لِلْوِدْيَانِ
شَرِبْنَا مِنَ الْيَنَابِيعِ وَالْغُدْرَانِ
مَا أَطْيَبَ الْعَسَلَ
وَالنَّحْلَ لِلْجَوْعَانِ!
وَطَارُوا نَحْوَ الْبَسَاتِينِ؛ لِيُفَتِّشُوا عَنِ النَّحْلِ، اَلثِّمَارِ وَالْعَسَلِ! وَهَبَّتْ رِيحٌ قَوِيَّةٌ. وَدَفَعَتْ بِكُلِّ الدَّبَابِيرِ إِلَى شَجَرَةِ تُوتِ الْعُلِّيقِ الْبَرِّيَّةِ. وَعَلِقُوا بِهَا جَمِيعًا! وَنَجَتِ الْمَلِكَاتُ؛ لِأَنَّهُنَّ اخْتَبَأْنَ بَيْنَ أَغْصَانِ شَجَرَةِ الْبُرْتُقَالِ. وَكَانَ عَلَيْهَا عُشُّ مَلِكَةِ النَّحْلِ صَدِيقَةِ الدُّبِّ!
وَطَارَ النَّسْرُ، وَأَخْبَرَ الدُّبَّ صَدِيقَهُ بِمَا حَصَلَ! فَقَالَ الدُّبُّ: "أَحْضِرْ لِي مَلِكَةَ النَّحْلِ صَدِيقَتِي، وَمَلِكَاتِ الدَّبَابِيرِ!" حَمَلَ النَّسْرُ الْمَلِكَاتِ وَاصِلًا بِهِنَّ إِلَى الدُّبِّ! فَقَالَ الدُّبُّ: "مَنِ الْمُعْتَدِي؟" قَالَتْ مَلِكَاتُ الدَّبَابِيرِ:
" نَحْنُ؛ وَنَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ!"
فَقَالَ: " أَنْتُنَّ مِنْ دَبَابِيرِ التِّينِ، أَمِ الزَّهْرِ؟" فَقَالَتِ الْمَلِكَاتُ: "مِنْ دَبَابِيرِ التِّينِ." فَقَالَ: "فَهِمْتُ، إِنَّهَا مُخَرِّبَةٌ!" *
وَتَابَعَ: " لَا أُرِيدُ أَنْ أَرْمِيَ بِكُنَّ فِي الْعُلِّيقَةِ! سَتَخْدُمْنَ مَلِكَةَ النَّحْلِ، وَتَمْلَأْنَ صَحْنِيَ بِالْعَسَلِ كُلَّ يَوْمٍ. صَدِيقِيَ النَّسْرُ سَيَحْرُسُ المَمْلَكَةَ؛ وَأَنَا أُطْعِمُهُ لَحْمَ الْبَقَرِ الْبَرِّيِّ وَالْأَسْمَاكَ!"
وَغَنَّوْا جَمِيعًا:
دُّبٌّ أَنَا مَهْضُومُ
حَامِي لِجِيرَانِي
أَنَا مَلِكَةُ النَّحْلِ
لَا أَتْرُكُ بُسْتَانِي
نَحْنُ المَلِكَاتُ
نَدِمْنَا عَلَى الْعُدْوَانِ
أَنَا النَّسْرُ مَلِكُ الطُّيُورِ
مَنْ يَعْصَانِي؟
اَلْمَغْزَى هُوَ: مَنْ يَطْمَعْ بِغَيْرِهِ يَخْسَرْ، وَمَنْ يُحِبَّ غَيْرَهُ يَرْبَحْ!
غِنْوَةُ الزَّرَافَةِ
قَالَتْ زَرُّوفَةُ: "أَكْرَهُ الْعَيْشَ بِهَذَا الْجِسْمِ الضَّخْمِ الطَّوِيلِ! يَصْعُبُ عَلَيَّ أَكْلُ الْحَشَائِشِ، وَالرُّقُودُ فِي ظِلِّ الْأَشْجَارِ، وَتَرَكَتِ الطَّعَامَ؛ فَصَار تْ تَصْغُرُ؛حَتَّى أَصْبَحَتْ بِحَجْمِ النَّعَامَةِ وَفَرَّتِ الْعَصَافِيرُ عَنْ ظَهْرِهَا،وَابْتَعَدَ عَنْهَا أَصْدِقَاؤُهَا الْحَيَوَانَاتُ وَأَخَذَتِ الْحَيَوَانَاتُ الْمُفْتَرِسَةُ تُهَاجِمُهَا؛فَتَهْرُبَ، وَتَخْتَبِئَ؛ لِئَلَّا تَرَاهَا. تَحَيَّرَتْ زَرُّوفَةُ؛ بَكَتْ، وَفَكَّرَتْ !وَقَالَتْ لِنَفْسِهَا: "سَأَرْجِعُ كَبِيرَةً!". وَعَادَتْ تَأْكُلُ؛ فَعَلَتْ كَالشَّجَرَةِ، وَأَصْبَحَتْ أَطْوَلَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ. "اِشْتَقْتُ لِأَوْرَاقِ الْأَشْجَارِ وَثِمَارِهَا، سَآكُلُهَا بِشَهِيَّةٍ" قَالَتْ زَرُّوفَةُ. وَلَمْ تَعُدْ تَخَافُ أَحَدًا، وَتَنْطَحُ مَنْ يَقْتَرِبُ إِلَيْهَا. تَرْفُسُهُ بِيَدَيْهَا، وَرِجْلَيْهَا الطَّوِيلَتَيْنِ، وَتُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهَا بِجُرْأَةٍ. وَعَادَتْ إِلَيْهَا الجَوَامِيسُ وَالْأَغْنَامُ؛ لِتُطْعِمَهُمْ ثِمَارَ الْأَشْجَارِ الْمُخْتَلِفَةَ. وَعَاشَتْ زَرُّوفَةُ بِالْأَحْرَاجِ مَسْرُورَةً! وَغَنَّتْ مَعْ زَقْزَقَةِ الْعَصَافِيرِ:
شَكْلِي أَنَا يُشْبِهُ الْجَمَلَا
وَلَوْنِي جَمِيلٌ،
يُشْبِهُ النَّمِرَا
أَنَا زَرُّوفَةُ،
خَفِيفَةُ الدَّمِ
سَرِيعَةُ الْمَشْيِ،
حُلْوَةُ الِاسْمِ
عُنُقِي طَوِيلٌ،
شُوفُوا جَمَالِي
أَرْغَبُ بِأَكْلَ ثِمَارِ الْبُرْتُقَالِ
اَلْحَسُّونَةُ الْمُخْلِصَةُ
اَلْمُعَلِّمَةُ كَرَوَانُ تُعَلِّمُ الْمُوسِيقَى فِي الْمَدْرَسَةِ؛ وَتَعْزِفُ عَلَى الْكَمَنْجَةِ. اِبْنَتُهَا كَمَانُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي. طَالِبَةٌ شَاطِرَةٌ وَنَغِشَةٌ؛ فَأَحَبَّتْهَا مُعَلِّمَتُهَا. وَذَاتَ يَوْمٍ، صَعِدَتْ كَمَانُ شَجَرَةَ تُفَّاحٍ، وَاصْطَادَتْ حَسُّونَةً. رَبَّتْهَا فِي ِقَفَصٍ حُلْوِ الْأَلْوَانِ، وَكَانَتْ تَسْقِيهَا مِنْ فَمِهَا! وَقَالَتِ الْحَسُّونَةُ، ذَاتَ يَوْمٍ، لِكَمَانَ:
" أَنَا ضَائِعَةٌ؛ هَرَبْتُ مِنَ الْحَرائِقِ فِي الْأَحْرَاجِ. طَيِّرِينِي؛ لِأُفَتِّشَ عَنْ أَهْلِي!" فَتَحَتْ كَمَانُ بَابَ الْقَفَصِ ذَارِفَةً الدُّمُوعَ؛ فَطَارَتِ الْحَسُّونَةُ. وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، زَارَتْ كَمَانُ صَدِيقَتَهَا مَهَا، فَوَجَدَتْ أُمَّهَا نُهَى تَبْكِي. فَالطِّفْلَةُ لَمْ تَرْجِعْ إلَى الْبَيْتِ. فَتَّشَتْ َعنْهَا كَمَانُ فِي الْبَسَاتِينِ؛ فَوَجَدَتْهَا. وَسَارَتَا، وَالْحَسُّونَةُ عَلَى كَتِفِ كَمَانَ تُسَقْسِقُ. وَرَكَضَ ثَعْلَبٌ نَحْوَ مَهَا؛ فَخَافَتْ مِنْهُ! وَصَرَخَتْ كَمَانُ فِي وَجْهِهِ:" اُغْرُبْ عَنْ وَجْهِي، اَلنَّمِرُ صَاحِبِي؛" فَهَرَبَ خَائِفًا! وَقَالَتِ الْحَسُّونَةُ لَهُمَا: "أَخَافُ عَلَيْكُمَا؛ فَقَدِ اقْتَرَبَ اللَّيْلُ!" فَأَسْرَعَتَا بِالْمَشْيِ. وَكَانَتِ الْعُصْفُورَةُ تَدُلُّهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ؛ حَتَّى وَصَلَتَا الْبَيْتَ. وَوَشْوَشَتْ غَالِيَتَهَا كَمَانَ: "لَا تَنْسَيْ، فَعِيدُ مِيلَادِ صَدِيقَتِكِ مَهَا الْيَوْمَ!" فَقَالَتْ كَمَانُ: " اَلْهَدِيَّةُ مَعِي، وَأَنْتِ مَعْزُومَةٌ!" فَرَدَّتِ الْعُصْفُورَةُ: "لَا أَتْرُكُ فِرَاخِيَ بِاللَّيْلِ وَحْدَهُمْ!" وَدَخَلَتَا الْبَيْتَ، فَعَانَقَتْهُمَا أُمُّهَا نُهَى دَامِعَةً. وَقَدَّمَتْ كَمَانُ هَدِيَّتَهَا لِصَدِيقَتِهَا، وَفِيهَا كِتَابٌ، زَهْرَةٌ وَكَعْكَةٌ. فَرِحَتْ مَهَا وَعَائِلَتُهَا. وَلَكِنَّ كَمَانَ لَمْ تَنْسَ إِخْلَاصَ الْحَسُّونَةِ. وَغَنَّوْا جَمِيعًا:
يَا أَطْفَالُ، أَنْشِدُوا اَلْبَيْتُ دَافِئٌ؛
فَعَنْهُ لَا تَبْتَعِدُوا، وَلِلْمَدْرَسَةِ اسْتَعِدُّوا
اَلْمَغْزَى هُوَ: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ؟
*
اَلْبَبْغَاءُ الْمُزَرْكَشَةُ
هَذَا نُورٌ. هَذِهِ رِيمُ.
هُوَ وَلَدٌ شَاطِرٌ.
هِيَ بِنْتٌ ذَكِيَّةٌ. وَهِيَ أُخْتُ نُورٍ.
مَا هَذَا؟ لَا، لَيْسَ تُوكِيًّا.
هَلْ هَذَا تُوكِيٌّ؟
لَيْسَ طَائِرَ الزِّينَةِ.
هَلْ هَذَا طَائِرُ الزِّينَةِ
هَذِهِ بَبْغَاءُ.
وَاسْمُهَا بَبْغَاءُ قَوْسِ الْقُزَحِ.
اُنْظُرِي إِلَى مِنْقَارِهَا.
اُنْظُرِي إِلَى عَيْنَيْهَا.
اُنْظُرِي إِلَى رَأْسِهَا.
اُنْظُرِي إِلَى جَنَاحَيْهَا.
اُنْظُرِي إِلَى عُنُقِهَا.
اُنْظُرِي إِلَى صَدْرِهَا.
اُنْظُرِي إِلَى رِيشِهَا.
إِنَّهُ أَحْمَرُ، أَزْرَقُ وَأَخْضَرُ.
اُنْظُرِي! هَذِهِ مَخَالِبُهَا.
هَاتَانِ رِجْلَاهَا.
اُنْظُرِي إِلَى مَخَالِبِهَا!
اُنْظُرِي إِلَى رِجْلَيْهَا!
اُنْظُرِي !
اُنْظُرِي !هَذَا ذَيْلُهَا. هَذِهِ أَصَابِعُهَا.
اُنْظُرِي إِلَى ذَيْلِهَا !
اُنْظُرِي إِلَى أَصَابِعِهَا
اُنْظُرْ إِلَى الْبَبْغَاءِ الْمُزَرْكَشَةِ !
إِنَّهَا تَقِفُ عَلَى كَتِفِي
اُنْظُرِي إِلَى بَبْغَاءِ قَوْسِ الْقُزَحِ !
إِنَّهَا عَلَى شَجَرَةِ الْبُرْتُقَالِ.
هِيَ لَيْسَتْ عَلَى الْأَرْضِ.
إِنَّهَا عَلَى شَجَرَةِ الْبُرْتُقَالِ.
الببغاء على شجرة البرتقال، ونور يتكلّم
طَارَتِ الْبَبْغَاءُ نَحْوَ رِيمَ.
رِيمُ تُطْعِمُهَا الْقَمْحَ.
نُورٌ يُطْعِمُهَا التِّينَ.
رِيمُ تَسْقِيهَا مِنْ فَمِهَا.
اُنْظُرْ إِلَى الْبَبْغَاءِ.
إِنَّهَا تَلْفُظُ اسْمِي.
إِنَّهَا تُغَنِّي.
اِسْمَعْ صَوْتَ غِنَائِهَا.
اُنْظُرِي إِلَى بَبْغَاءِ قَوْسِ الْقُزَحِ.
إَنَّهَا تَسْبَحُ فِي الْبِرْكَةِ مَعَ الْبَطِّ.
اُنْظُرْ إِلَى الْبَبْغَاءِ الْمُزَرْكَشَةِ.
هَلْ هِيَ قَبِيحَةٌ؟
لَا، إنَّهَا جَمِيلَةٌ،
وَأَلْوَانُهَا سَاحِرَةٌ،
وَهِيَ مِنْ أَجْمَلِ الطُّيُورِ!
مَا هَذَا؟
هَذَا دُبُّ الْبَانْدَا.
هَلْ لَوْنُهُ أَحْمَرُ؟
لَا، لَوْنُهُ لَيْسَ أَحْمَرَ.
إِنَّهُ أّسْوَدُ وَأَبْيَضُ.
اَلْبَانْدَا أَسْوَدُ وَأَبْيَضُ.
اُنْظُرْ إِلَى الْبَانْدَا.
اُنْظُرْ إِلَى الْبَبْغَاءِ الْمُزَرْكَشَةِ.
مَا هَذَا؟
هَذَا سِنْجَابٌ.
هَلْ لَوْنُهُ أَزْرَقُ؟
نَعَمْ، لَوْنُهُ أَزْرَقُ.
هَلْ لَوْنُهُ رَمَادِيٌّ؟
نَعَمْ، لَوْنُهُ رَمَادِيٌّ.
هُوَ أَزْرَقُ وَرَمَادِيٌّ.
السِّنْجَابُ يَقْفِزُ عَلَى شَجَرَةَ الْجَوْزِ.
الْبَانْدَا يَتَسَلَّقُ شَجَرَةَ الْخَيْزَرَانِ
نُورٌ يَتَعَمْشَقُ عَلَى شَجَرَةَ الْخَيْزَرَانِ.
رِيمُ تَصْعَدُ شَجَرَةَ الْجَوْزِ.
إِنَّهَا تُغَنِّي.
مَا هَذَا؟
هَذِهِ بِرْكَةُ مَاءٍ.
إِنَّهَا زَرْقَاءُ صَافِيَةٌ.
اُنْظُرْ إِلَى السِّنْجَابِ.
إِنَّهُ يَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا.
اُنْظُرِي إِلَى دُبِّ الْبَانْدَا.
إِنَّهُ يَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا،
وَصَارَ يَرْقُصُ.
اُنْظُرْ إِلَى الْبَبْغَاءِ.
إِنَّهَا تُغَنِّي عَلَى كَتِفِ الْبَانْدَا،
وَتُنَادِيهِ بِاسْمِهِ!
اُنْظُرِي إِلَى الْبَبْغَاءِ الْمُزَرْكَشَةِ.
إنَّهَا تَسْبَحُ، وَتَغْتَسِلُ فِي الْبِرْكَةِ. مِنْقَارُهَا يَلْمَعُ.
ظَهْرُهَا نَظِيفٌ.
جَنَاحَاهَا نَظِيفَانِ.
صَدْرُهَا نَظِيفٌ.
بَطْنُهَا نَظِيفٌ.
رِجلَاهَا نَظيفَتَانِ.
مَخَالِبُهَا نَظِيفَةٌ.اَلْبَبْغَاءُ الْمُزَرْكَشَةُ كُلُّهَا نَظِيفَةٌ اَلسِّنْجَابُ عَلَا شَجَرَةَ الْجَوْزِ.
اَلْبَانْدَا تَسَلَّقَ شَجَرَةَ الْخَيْزَرَانِ.
اَلْبَبْغَاءُ الْمُزَرْكَشَةُ طَارَتْ.
وَحَطَّتْ عَلَى شَجَرَةِ الْبُرْتُقَالِ.
نُورٌ وَرِيمُ ذَهَبَا إِلَى الْمَدْرَسَةِ صَبَاحًا.
اَلْمَغْزَى هُوَ:
اَلطَّبِيعَةُ لَطِيفَةٌ،
وَيَجِبُ أَنْ نَكُونَ لُطَفَاءَ مَعَهَا!
اَلصَّقْرُ وَالْهُدْهُدُ
عَاشَ فِي أَحَدِ الْبَسَاتِينِ
هُدْهُدٌ،
يَأْكُلُ الْحَشَرَاتِ
فَرِحًا.
وَطَيْرُ الْهُدْهُدِ
لَوْنُهُ بُنِّيٌّ فَاتِحٌ
جَمِيلٌ.
لَهُ عُرْفٌ عَلَى رَأْسِهِ.
أَطْرَافُهُ مُرَقَّطَةٌ
بِالرِّيشِ الْأَسْوَدِ.
وَنِصْفُهُ الْأَسْفَلُ أَسْوَدُ،
مُرَقَّطٌ بِالرِّيشِ الْأَبْيَضِ.
يَتَغَذَّى عَلَى الْحَشَرَاتِ.
وَهُوَ صَدِيقُ الْفَلَّاحِينَ؛
لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْأَرْضَ
مِنَ الدِّيدَانِ وَالْيَرَقَاتِ.
وَكَانَ جَارُ الْهُدْهُدِ
صَقْرًا،
يُحِبُّهُ،
وَيَزُورُهُ أَحْيَانًا.
وَفِي أَحَدِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ،
جَاعَ الْصَّقْرُ.
وَقَالَ فِي نَفْسِهِ:
" أَتَغَذَّى الْيَوَمَ
عَلَى الْهُدْهُدِ!"
فَغَفَّهُ، وَحَمَلَهُ
فِي مَخَالِبِهِ الْقَوِيَّةِ؛
وَالْهُدْهُدُ يسْتَنْجِدُ
بِالْفَلَّاحِ صَاحِبِهِ صَارِخًا!
صَاحَ الْفَلَّاحُ،
وَعَوَتْ كِلَابُهُ،
لَكِنْ، بِدُونِ جَدْوَى!
نَقَّ الْهُدْهُدُ
بِمِنْقَارِهِ الْحَادِّ
رِجْلَ الصَّقْرِ؛
فَسَالَ دَمُهُ،
وَلَمْ يَشْعُرْ!
وَقَالَ:
" إِذَا كُنْتَ بِالْحَقِيقَةِ
صَاحِبِي؛
فَضَعْنِي
عِنْدَ غَدِيرِ مَاءٍ.
فَأَنَا عَطْشَانُ؛
وَأُرِيدُ أَنْ أَشْرَبَ،
وَأَنْتَ عَلَيْكَ
أَنْ تَرْتَاحَ،
وَتُدَاوِي رِجْلَكَ!
وَافَقَ الصَّقْرُ؛
وَحَطَّ عَلَى صَخْرَةٍ
قُرْبَ غَدِيرِ مَاءٍ.
وَبَكَى؛
عِنْدَمَا رَأَى الدَّمَ!
سَائِلًا مِنْ رِجْلِهِ
وَقَالَ لِلْهُدْهُدِ:
" اِذْهَبْ؛
وَأَحْضِرْ لِيَ دَوَاءً!"
فَأَجَابَ الْهُدْهُدُ:"حَاضِرٌ!"
وَفَرَّ طَائِرًا مُسْرِعًا
عَائِدًا إِلَى الْبَسَاتِينِ!
وَقَفَ عَلَى كَتِفِ الْفَلَّاحِ
صَاحِبِهِ بَاكِيًا
مِنَ الْفَرَحِ،
وَكِلَابُهُ تَرقُصُ!
وَغَنَّوْا جَمِيعًا:
نَمْرَحُ فِي السُّهُولَ
وَالْبَرَارِي
أَنَا الْفَلَّاحُ،
أُحَامِي عَنْ جَارِي
أَنَا الْهُدْهُدُ،
نَجَوْتُ مِنَ الْغَدَّارِ
نَحْنُ - الْكِلَابَ -،
حُرَّاسٌ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ!
نُحِبُّ الطَّبِيعَةَ
كَحُبِّ السُّفُنِ لِلْبِحَارِ.
اَلْمَغْزَى هُوَ:
مَنْ يَغْدُرْ صَاحِبَهُ؛
يَخْسَرْ وُدَّهُ، وَيَنْدَمْ!
اَلْبُلْبُلُ الذّكِيُّ
وَقَفَ بُلْبُلٌ
عَلَى غُصْنِ شَجَرَةِ كَرْمٍ
وَصَارَ يَأْكُلُ
مِنْ ثِمَارِهَا اللَّذِيذَةِ،
وَيُغَرِّدُ
حَمَلَ الثِّمَارَ
بِمِنْقَارِهِ
وَمَخَالِبِهِ الصَّغِيرَةِ
وَطَارَ نَحْوَ فِرَاخِهِ؛
لِيُطِعِمَهَا.
وَفِي طَرِيقِ عَوْدَتِهِ،
صَادَفَهُ بَازٌ جَائِعٌ،
وَهُوَ طَيْرٌ جَارِحٌ.
وَقَالَ لَهُ: "أَنَا أَعْزِمُكَ إِلَى بَيْتِي"
فَقَالَ الْبُلْبُلُ: " أَخَافُ مِنَ
الطُّيُورِ الْجَارِحَةِ."
أَجَابَ الْبَازُ:
"جَرِّبْ صَدَاقَتِي مَرَّةً"
وَقَعَتْ ثِمَارُ الْعِنَبِ
مِنْ مِنْقَارِ الْبُلْبُلِ وَفَكَّرَ!
مَاذَا عَسَاهُ أَنْ يَفْعَلَ؟
لَكِنَّهُ تَسَرَّعَ؛ وَطَارَ مَعَ الْبَازِ.
ضَيَّفَهُ الْبَازُعُصْفُورًا مِنْ صَيْدِهِ
لَكِنَّ الْبُلْبُلَ لَمْ يَأْكُلْ مِنَ الصَّيْدِ؛
لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ اللُّحُومَ! نَظَرَ إِلَيْهِ الْبَازُ
بِغَضَبٍ، وَقَالَ: " سَأَتَغَذَّى عَلَيْكَ."
فَغَرَّدَ الْبُلْبُلُ بِصّوْتٍ حَسَنٍ حَزِينٍ.
وَقَالَ: " اِسْمَعْنِي، أَيُّهَا الْبَازُ الْجَارِحُ،
سَأَهْدِيكَ إِلَى شَجَرَةِ عُنَّابٍ، ثِمَارُهَا الْبُنِّيَةِ الْحَمْرَاءِ لَذيذَةِ الطَّعْمِ، وَتَصِيدُ الْعَصَافِيرَ هُنَاكَ."
فَرِحَ الْبَازُ؛ وَطَارَ مُسْرِعًا، فَرَأَى ثِمَارَ
الْعُنَّابِ مِنَ عُلُوٍّ كَبِيرٍ، وَحَطَّ عَلَى الْعُلِّيقَةِ. لَكِنَّهُ عَلِقَ بِأَشْوَاكِهَا الْحَادَّةِ
وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْخَلَاصَ!
فَعَادَ الْبُلْبُلُ طَائِرًا إِلَى الدَّالِيَةِ
حَامِلًا ثِمَارَ الْعِنَبِ إِلَى فِرَاخِهِ فَرِحًا.
وَقَالَ الْبُلْبُلُ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: " لَقَدْ " غَشَّنِي الْبَازُ اللَّعِينُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ
مَنْ يُخَلِّصُهُ مِنْ أَشْوَاكِ الْعُنَّابَةِ؛ فَخَسِرَ كُلَّ شَيْءٍ!
اَلْمَغْزَى هَوَ: اَلْخَدَّاعُ خَاسِرٌ
اَلدِّيكُ وَالْأَرْنَبُ وَالْوَاوِيُّ
عَاشَ دِيكٌ، وَأَرْنَبٌ فِي بُسْتَانٍ جَارَيْنِ. يُحِبَّانِ؛ وَيُسَاعِدَانِ بَعْضَيْهِمَا. وَكَانَ الدِّيكُ يَسْكُنُ فِي قُنٍّ. وَقَدْ بَنَى عُشَّهُ مِنَ الْقَشِّ. وَالْأَغْصَانِ الصَّغِيرَةِ الْيَابِسَةِ عَلَى الْأَرْضِ؛ كَيْ يَضْمَنَ الدِّفْءَ. وَكَنَ الْأَرْنَبُ يَسْكُنُ فِي جُحْرٍ فِي الْأَرْضِ، لَهُ عِدَّةُ مَخَارِجَ لِلْهُرُوبِ! وَفِي كُلِّ صَبَاحٍ، كَانَ الْأَرْنَبُ يَنْهَضُ عَلَى صِيَاحِ الدِّيكِ! وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، قَالَ الدِّيكُ لِلْأَرْنَبِ: " هَيَّا نَذْهَبْ إِلَى الْحُقُولِ؛ لِنَتَنَزَّهَ، وَنَأْكُلَ الْفَوَاكِهَ، الْأَعْشَابَ وَالْحُبُوبَ." فَذَهَبَا، يَتَمَشّيَانِ، يَتَحَدَّثَانِ، يَأْكُلَانِ، وَيَمْرَحَانِ. وَعِنْدَمَا عَطِشَا؛ ذَّهَبَا إِلَى غَدِيرِ مَاءٍ؛ لِيَشْرَبَا. وَبَيْنَمَا هُمَا يَنْغَبَانِ الْمَاءَ، اِلْتَفَتَ الْأَرْنَبُ؛ فَرَأَى وَاوِيًّا قَادِمًا نَحْوَهُمَا. وَعِنْدَهَا، هَرَبَا مُسْرِعَيْنِ إِلَى بَيءتَيءهِمَا. الدِّيكُ اخْتَبَأَ بَيْنَ أَغْصانِ شَجَرَةِ تِينٍ، وَالْأَرْنَبُ دَخَلَ إِلَى خِتْلِهِ. وَلَحِقَهُمَا الْوَاوِيُّ. وَرَكَضَ نَحْوَ الدِّيكِ، وَقَالَ لَهُ: " خِفْتُ مِنْ صَيَّادِي طُيُورِ الْحَجَلِ فِي الْوَعْرِ؛ فَهَرَبْتُ! تَعَالَ مَعِي؛ كَيْ أَدُلَّكَ عَلَى بَيْتِي؛ وَنُصْبِحَ صَدِيقَيْنِ! أَيْنَ صَاحِبُكَ الْأَرْنَبُ؟" أَجَابَهُ الدِّيكُ: " أَنَا لَا أُصَاحِبُ كُلَّ الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا أَهْدِيكَ عَلَى بَيْتِ الْأَرْنَبِ؛ لِأَنَّكَ مُفْتَرِسٌ!" اِنْتَظَرَ الْوَاوِيُّ سَاعَاتٍ، وَتَظَاهَرَ أَنَّهُ نَائِمٌ! لَكِنَّ الدِّيكَ الذَّكِيَّ بَقِيَ عَلَى الشَّجَرَةِ؛ يُرَاقِبُهُ. وَفُجَاءَةً، سَمِعَ الْوَاوِيُّ هَذِهِ الْأُغْنِيَةَ:
أَنَا أَرْنَبُ الْبَسَاتِينِ وَالْبَرَارِي
الدِّيكُ صَاحِبِي؛
أُحَافِظُ عَلَى جَارِي
هَرَبْتُ مِنَ الْوَاوِي؛ وَعُدْتُ لِأَجْحَارِي
وَصَاحَبْتُ الذِئْبَ
بِحَدِيقَة الأَطْيَارِ
وَمَا أَنْ سَمِعَ الْوَاوِيُّ كَلِمَةَ ذِئْبٍ؛ حَتَّى وَلَّى الْأَدْبَارَ هَارِبًا؛ وَهُوَ يُهَمْهِمُ. فَرِحَ الدِّيكُ؛ وَأَسْرَعَ قَافِزًا فِي الْهَوَاءِ مُلَاقِيًا صَدِيقَهُ الْأَرْنَبَ! وَغَنَّيَا هَذِهِ الْأُغْنِيَةَ:
نَطُوفُ فِي الْحُقُولِ
نَجُولُ فِي الْبُسْتَانش
نَأْكُلُ مِالْبُقُولِ
نَسِيرُ فِي أَمَانِ
سَنَذْهَبُ للسُّهُولِ
اِشْتَقْنَا لِلْقَمْحِ، لِلْفُولِ
وَلِطَعْمَةِ الشُّوفَانِ
اَلطَّبِيعَةُ غِنْوَةٌ وَالْحَيَاةُ حُلْوَةٌ
{تَأَمُّلَاتٌ وَخَواطِرُ
شِعْرِيَّةٌ}
لَا أُغَيِّرُ مَسِيرِي
أَنَا الشَّمْسُ بِنْتُ النُّورِ
مِنَ الشَّرْقِ شُرُوقِي
وَفِي الْغَرْبِ غُرُوبِي
*
أَنَا الْقَمَرُ
أُضِيءُ اللَّيَالِي
تُعَيِّدُونَ الْفِطْرَ
عَلَى هِلَالِي
فَرَحُكُم بِالْعِيدِ
عَلَيَّ غَالِي
*
أَنَا السَّمَاءُ
كَالْبَحْرِ زَرْقَاءُ
شُوفُوا نُجُومِي
وَالْمَاءَ فِي غُيُومِي
*
أَنَا الْبَحْرُ
يَسْكُنُ بِمَائِيَ الْحَيَوَانُ
يَزُورُنِي الطَّيرُ
وَالسُّفُنُ تَعْبُرُ
سَمَكِي طَيِّبٌ
أَعْشَابِي طَعَامُ
حَيَاتِي سَلَامُ
*
أَصْحَابِيَ الْأَطْيَارُ
أَنَا الْغَيْمُ
مِنِّيَ الْأَمْطَارُ
تَفْرَحُ بِهَا الْأَشْجَارُ
وَالْأَزْهَارُ
*
أَنَا النَّهْرُ الْجَارِي
أَسْقِي الْبَسَاتِينَ وَالْبَرَارِي
فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
*
أَنَا الْوَادِي
صَدِيقِي طَيْرٌ شَادِي
شُبَّابَةُ الرَّاعِي
تَشْدُو بِأَلْحَانِي
وَأَسْقِي عُبْرَانِي
*
كُلُوا مِنْ شَجَرِي وَزُرُوعِي
أَنَا الْأَرْضُ
وَاشْرَبُوا مِنْ يَنْبُوعِي
فَيَخْتَفِي الْمَرَضُ
*
أَنَا الصَّحْرَاءُ
صَفْرَاءُ
قَلِيلٌ عِنْدِيَ الْمَاءُ
تَبْنُونَ الْبُيُوتَ
مِنْ رِمَالِي
وَتُسَافِرُونَ عَلَى جِمَالِي
وَجَمِيلَةٌ جِبَالِي
*
أَنَا الْغَابَةُ،
خَشَبِي لِلنَّجَّارِ
فَاسْمَعُوا غِنَاءَ أَطْيَارِي
أُطْعِمُ الْبَانْدَا النَّغِشَ
ثِمَارَ أَشْجَارِي
*
أَنَا الْجَبَلُ
اَلْكُلُّ يَرَانِي
يَشْرَبُ النُّسرُ
مِنْ غُدْرَانِي
قَوِيٌّ حَجَرِي
كَالصَّوَّانِ
*
أَنَا التَّلُّ
عَلَى الْبَلَدِ أُطِلُّ
عِنْدِيَ التِّينُ وَالصَّبْرُ
وَيُغَرِّدُ لِيَ الْبُلْبُلُ
تَنَبَّهُوا مِنْ ثَعَالِبِي
أَنَا كَرْمُ الدَّوَالِي
كُلُوا وَرَقِي وَعِنَبِي
وَنَامُوا فِي ظِلَالِي
*
أَنَا الْبَرُّ وَالْوَعْرُ
عِنْدِيَ الْحَيَوَانُ وَالطَّيْرُ
يَصْطَادُهَا الصَّقْرُ،
اَلْأَسَدُ وَالنَّمِرُ
*
أَنَا النَّبْعُ
فِي أَوَّلِ الْجَبَلِ
أُحِبُّ تَغْرِيدَ الشُّحْرُورِ وَالْحَجَلِ
أَسْقِي كُلَّ عَطْشَانِ
يَصِيرُ صَاحِبِي؛
فَلَا يَنْسَانِي
*
أَنَا السَّهْلُ الْأَخْضَرُ
عِنْدِيَ الْفَوَاكِهُ وَالْخُضَارُ
أَحْلَى عَصَافِيرِي
هُوَ الْخُضَّارُ
أُحِبُّ فَلَّاحِي
بَطِّيخِي مُنْعِشُ الرُّوحِ
وَاَلْخُبْزُ طَيِّبٌ مِنْ قَمْحِي
*
أَنَا فَرَسُ النَّهْرِ السَّعِيدُ
مِنْهُ أَشْرَبُ،
وَحُبِّي لَهُ يَزِيدُ
أُحِبُّ عُشْبَ الْبَرَارِي،
وَإِلَيْهَا أَعُودُ
*
أَكْبَرُ الْحَيَوَانَاتِ
أَنَا الْكَرْكَدَنُّ
ابْنُ الْغَابَةِ
أَكْرَعُ الْمَاءَ مِنَ الْبِرْكَةِ،
وَأَرْعَى الْحَشَائِشَ
فِي فَرْحَةِ
وَحِيدُ الْقَرْنِ أَنَا
أَعِيشُ فِي الْهَنَا
جَرِّبُوا صَدَاقَتِي
جِسْمِي ثَقِيلٌ،
وَأَجْرِي بِسُرْعَةِ
*
مَلِكُ الْغَابَةِ
أَعِيشُ فِي سَعَادَةِ
أَنَا الْأَسَدُ
لَا يَقْتَرِبُ مِنِّيَ أَحَدُ
لَا فِيلٌ وَلَا فَهْدُ
وَلَبْوَتِي تَتَصَيَّدُ
*
لَا تَصِلُ إِلَيَّ الْعَتْمَةُ
أَنَا الْبُحَيْرَةُ
يُضِيئُ عَلَيَّ الْقَمَرُ
مِنْ عِنْدِي يَخْرُجُ النَّهْرُ
حُلْوٌ عَلَى شَطِّيَ السَّهَرُ
*
أَنَا الْهَوَاءُ، مَنْ يَرَانِي؟
أُوَصِّلُ لَكُمُ الْأَغَانِي
فَلَا حَيَاةَ بِدُونِي
لِلْإِنْسَانِ، النَّبَاتِ وَالْحَيَوانِ
اَلْكَلْبُ الْوَفِيُّ
{قِصَّةُ أَرْضِ الْكَلْبِ، مُسْتَوْحَاةٌ مِنَ الْحِكَايَاتِ الشَّعْبِيَّةِ}
غِنْوَةُ الْفَلَّاحِ نَشِيطٍ:
أُغَنِّي
مَعْ عَصَافِيرِ الصَّبَاحِ
وَأحْمِلُ مِنْجَلَ الْفَلَّاحِ
أَحْصُدُ الْقَمْحَ
وَسَلَّتِي أَمْلَأُ
بِأَطْيَبِ التُّفَّاحِ
عَاشَ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ فِي ضَيْعَةٍ جَبَلِيَّةٍ، اِسْمُهَا نَجْمَةُ الصُّبْحِ ، فَلَّاحٌ، اِسْمُهُ نَشِيطٌ. وَتَقَعُ عَلَى جَبَلٍ صَغِيرٍ، تُحِيطُ بِهِ الْوِدْيَانُ مِنْ ثَلَاثِ نَوَاحٍ. وَتُطِلُّ إِلَى الْغَرْبِ عَلَى السُّهُولِ الْوَاسِعَةِ، وَكُرُومِ الزَّيْتُونِ دَائِمَةِ الْخُضْرَةِ.
وَمِنْهَا تَرَى الْبَحْرَ الْمُتَوَسِّطَ لَامِعًا كَالْبَلُّورِ!
وَتَرَى جَمَالَ مَدِينَتَيْ عَكَّا وَحَيْفَا؛ وَهُمَا تَتَلَأْلَآنِ بِالْأَنْوَارِ لَيْلًا. كَانَ الْفَلَّاحُ نَشِيطٌ يَتْرُكُ بَيْتَهُ فِي الصَّبَاحِ ذَاهِبًا إِلَى عَمَلِهِ فِي الْأَرْضِ.
يَحْرُثُهَا، وَيَزْرَعُهَا بِالْقَمْحِ، اَلشَّعِيرِ، اَلْكُرْسَنَّةِ، اَلْحُمُّصِ، اَلذُّرَةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ رَبَّى كَلْبًا، سَمَّاهُ سَهْمًا، فَكَانَ يُرَافِقُهُ دَائِمًا. وَكَانَا يَصِيدَانِ الطُّيُورَ وَالْحَيَوَانَاتِ مَعًا؛ وَيَأْكُلَانِ لُحُومَهَا اللَّذِيذَةَ الطَّرِيَّةَ الْمُفِيدَةَ.
وَذَاتَ مَرَّةٍ، هَاجَمَهُ ذِئْبٌ فِي وَعْرٍ؛ وَلَكِنَّهُ صَرَعَهُ بِعَصَاهُ السِّنْدْيَانِيَّةِ وَشَجَاعَةِ كَلْبِهِ سَهْمٍ.
وَفِي أَحَدِ الْأَيَّامِ، جَلَسَ نَشِيطٌ فِي ظِلَالِ شَجَرَةِ زَيْتُونٍ كَبِيرَةٍ؛ لِيَسْتَرِيحَ؛ فَغَفَا.
وَكَانَ الْكَلْبُ سَهْمٌ مُنْبَطِحًا بِجَانِبِهِ. فَرَأَى ثُعْبَانًا، يَزْحَفُ عَلَى أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ. وَقَفَزَ؛ كَيْ يَفْتَرِسَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَصِلْهُ. اِقْتَرَبَ الثُّعْبَانُ مِنَ الْجِرَابِ الْمُعَلَّقِ عَلَى فَرْعِ غُصْنِ الزَّيْتُونَةِ، وَنَهَشَ لَحْمًا مِنَ الزَّادِ، وَبَخَّ فِيهِ سُمَّهُ.
وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظَ نَشِيطٌ مِنْ نَوْمِهِ، صَعِدَ الزَّيْتُونَةَ؛ وَتَنَاوَلَ الْجِرَابَ. رَآهُ سَهْمٌ؛ وَبَدَأَ يَنْبَحُ، يَقْفِزُ وَيَحُومُ حَوْلَهُ. لَكِنَّ نَشِيطًا لَمْ يَفْهَمْ قَصْدَهُ. وَعِنْدَمَا مَدَّ يَدَهُ إِلَى الْجِرَابِ؛ خَطَفَهُ مِنْهُ سَهْمٌ؛ وَالْتَهَمَ الطَّعَامَ الَّذِي بِدَاخِلِهِ!
تَعَجَّبَ نَشِيطٌ مِمَّا رَآهُ! لَكِنَّ سَهْمًا أَسْرَعَ إِلَى بِرْكَةِ مَاءٍ قَرِيبَةٍ؛ وَعَبَّ مِنْهَا الْمَاءَ عَبًّا؛ كَيْ يَنْجُوَ مِنْ تَأْثِيرِ سُمِّ الْأُفْعُوَانِ الْقَاتِلِ، وَذَلِكَ بِالْغَرِيزَةِ!
وَرَكَضَ حَائِرًا، وَغَابَ عَنْ وَعْيِهِ فِي حَقْلِ الذُّرَةِ الْخَضْرِاءِ؛ تَدْمَعُ عَلَيْهِ عُيُونُ عَصَافِيرِ الْخُضَارِيِّ! وَقَامَ نَشِيطٌ مِنْ مَجْلِسِهِ؛ وَلَحِقَ بِكَلْبِهِ سَهْمٍ، فَرَأَى دُمُوعَهُ تَنْسَكِبُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلَى خَدَّيْهِ!
حَزِنَ عَلَيْهِ نَشِيطٌ؛ وَغَنَّى باكِيًا:
رَبَّيْتُكَ صَاحَبْتَنِي
أَطْعَمْتُكَ سَاعَدْتَنِي
دَرَّبْتُكَ نَجَّيْتَنِي
أَحْبَبْتُكَ بَكَّيْتَنِي
دَلَّلْتُكَ فَارَقْتَنِي
يَا حَارِسِي
يَا فَارِسِي
وَمُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ أَصْبَحَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ تُسَمَّى أَرْضَ الْكَلْبِ. وَهِيَ وَاقِعَةٌ فِي سُهُولِ ضَيْعَةِ نَجْمَةِ الصُّبْحِ الْغَرْبِيَّةِ. وَهِيَ، الْيَوْمَ، قَرْيَةٌ كَبِيرَةٌ وَادِعَةٌ مُتَآخِيَةٌ، نَشَأْنَا تَحْتَ سَمَائِهَا الزَّرْقَاءِ، وَنُحِبُّهَا، وَاسْمُهَا أَبُوسِنَانُ.
فَيَا بَنِي الْبَشَرِ، لِنُرْفِقْ بِالْحَيَوَانِ. فَمَا أَوْفَى الْكِلَابَ الْمُدَرَّبَةَ! لِنُحَافِظْ عَلَيْهَا، وَلْنَحْذَرِ الْكِلَابَ الشَّرِسَةَ
اَللَّقَالِقُ وَالْجِدْيَانُ
عَاشَ رَاعِي مَوَاشٍ، اِسْمُهُ شُجَاعٌ، فِي ضَيْعَةٍ جَبَلِيَّةٍ، اِسْمُهَا الْفُلّيَّةُ؛ لِكَثْرَةِ نَبَاتِ الْفُلِّيَّةِ الْعُشْبِيِّ فِيهَا. زَهْرُهُ عِطْرِيٌّ؛ قَوِيُّ الرَّائِحَةِ، يُقَطَّرُ، وَيُتَدَاوَى بِهِ. تَعَوَّدَ الرَّاعِي شُجَاعٌ عَلَى الْخُرُوجِ فِي الصَّبَاحِ الْبَاكِرِ إِلَى الْمَرَاعِي. وَكَانَ يُتْقِنُ الْعَزْفَ عَلَى شُبَّابَتِهِ النُّحَاسِيَّةِ الَّتِي انْبَعَثَتْ مِنْهَا أَلْحَانٌ شَجِيَّةٌ؛ حَيْثُ كَانَ يَطْرَبُ لَهَا الْقَطِيعُ. وَكَانَتِ الْعَصَافِيرُ، وَالطُّيُورُ دَائِمَةَ السَّقْسَقَةِ، وَالتَّغْرِيدِ، والرَّفْرَفَةِ عَلَى الْأَعْشَابِ، وَالْأَشْجَارِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ. وَذَاتَ يَوْمٍ جَاءَتْ أَسْرَابُ اللَّقَالِقِ رَاغِبَةً اللَّعِبَ مَعَ الْجِدْيَانِ. وَعِنْدَمَا بَصُرَتْ بِهَا الْعَصَافِيرُ وَالطُّيُورُ خَافَتْ؛ وَابْتَعَدَتْ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةُ الْحَجْمِ، وَتَأْكُلُ الْأَفَاعِيَ وَالضَّفَادِعَ. وَقَالَتِ الْجِدْيَانُ لِلَّقَالِقِ: " نَحْنُ سُودٌ، وَأَنْتُمْ بِيضٌ؛ فَكَيْفَ نَتَفَاهَمُ؟" أَجَابَتِ اللَّقَالِقُ: " لَا يَهُمُّ اللَّوْنُ، فَجَمِيعُنَا خِلْقَةُ اللهِ الْمُحِبِّ؛ وَكُلُّنَا إِخْوَةٌ!" وَنَظَرَتِ اللَّقَالِقُ فِي عُيُونِ بَعْضِهَا الْبَعْضِ بِسُرُورٍ؛ وَغَنَّتْ مَعَ الْقَطِيعِ:
لَنَا السَّنَا، ضِحْكُ النَّدَى
كُلُّ الدُّنَى، نُورُ الْهُدَى
أَشْهَى الْجَنَى، حُلْوًا بَدَا
حُبُّ الْغِنَا ، عُودٌ شَدَا
فَرِحَ الْقَطِيعُ؛ وَرَعَى فِي طُمَأْنِينَةٍ؛ وَعِنْدَمَا عَطِشَ، لَمْ يَهْتَدِ إِلَى عَيْنِ مَاءٍ. وَأَصْبَحَتِ الْجِدْيَانُ، وَالْحُمْلَانُ تَثْغُو؛ فَسَمِعَتْهَا اللَّقَالِقُ؛ وَطَارَتْ نَحْوَ الْوِدْيَانِ الْبَعِيدَةِ؛ وَمَلَأَتْ مَنَاقِيرَهَا الْحَمْرَاءَ بِالْمَاءِ الصَّافِي الزُّلَالِ. وَعَادَتِ اللَّقَالِقُ مُحَلِّقَةً فِي الْجَوِّ؛ تَخْفِقُ بِأَجْنِحَتِهَا الْبَيْضَاءِ الْكَبِيرَةِ. وَحَطَّتْ عَلَى الْأَرْضِ؛ وَأَفْرَغَتِ الْمَاءَ فِي الْغُدْرَانِ الْفَارِغَةِ؛ حَتَّى امْتَلَأَتْ. وَعِنْدَهَا، شَرِبَ الْقَطِيعُ؛ وَرَتَعَ عَلَى الْأَعْشَابِ الْخَضْرَاءِ مُصْغِيًا إِلَى صَوْتِ الشُّبَّابَةِ. لَكِنَّ لَقْلَقًا غَبِيًّا لَبِسَ لَهُ جِلْدَ جَدْيٍ؛ وَرَجَعَ مَعَ الْقَطِيعِ الْعَائِدِ إِلَى الصِّيرَةِ. وَقَالَ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ:" أَخْطَفُ حُمْلَانًا وَجِدَاءً؛ وَأَبِيعُهَا؛ وَأَشْتَرِي بِثَمَنِهَا حَيَّاتٍ وَضَفَادِعَ؛ لِأَنِّي أُحِبُّهَا!" لَكِنَّ اللَّقْلَقَ الْغَبِيَّ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَبِيعُهُ الْحُمْلَانَ، وَالْجِدَاءَ الَّتِي سَرَقَهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ عَرَفَ أَنَّهَا مَسْروُقَةٌ رَفَضَ شِرَاءَهَا! وَفِي ظَهِيرَةِ أَحَدِ الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ، أَتَى اللَّقْلَقُ الْمُتَخَفِّي إِلَى الْمَرَاعِي؛ حَيْثُ كَانَ الْقَطِيعُ يُفَتِّشُ عَنْ طَعَامِهِ. وَعِنْدَمَا عَضَّهُ نَابُ الْجُوعِ، بَكَى؛ فَمَيَّزَهُ الرَّاعِي مِنْ صَوْتِهِ! فَقَالَ لَهُ: " فِرَاخُكَ هَذِهِ تَبْقَى عِنْدِي، وَأَنَا أُطْعِمُهَا، وَأَعتَنِي بِهَا، وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تَأْخُذَهَا إِلَّا إِذَا اعْتَرَفْتَ بِذَنْبِكَ، وَذَهَبْتَ، وَأَحْضَرْتَ الْحُمْلَانَ، وَالْجِدَاءَ الْمَسْرُوقَةَ! فَعِنْدَهَا، أُطْلِقُ سَرَاحَكَ أَنْتَ أَيْضًا! فَأَسْرَعَ اللَّقْلَقُ الْغَبِيُّ؛ وَأَرْجَعَ الْحُمْلَانَ وَالْجِدَاءَ إِلَى الرَّاعِي شُجَاعٍ! وَقَفَ أَمَامَهُ؛ وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَطَارَ نَادِمًا حَامِلًا فِرَاخَهُ عَلَى ظَهْرِهِ! فَنَظَرَ إِلَيْهِ الرَّاعِي، وَهُوَ فِي الْجَوِّ، وَقَالَ لَهُ:
" كُلُّ مَنْ يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ يُدْعَى سَارِقًا؛ وَلَا بُدَّ أَنْ يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ؛ وَيَنْقُصَ قَدْرُهُ. فَالْإِنْسَانُ الْوَفِيُّ يَرْبَحُ وُدَّ، وَاحْتِرَامَ جَمِيعِ النَّاسِ!"