"ألعاصمة"هذه هي كانت التسمية لقرية كفرياسيف زمن الانتداب البريطاني وكانت مركزا هاما ومنها خرج عدد لا باس به من الموظفين في الدوائر الحكومية ومنهم كبار المستخدمين والموظفين في التربية والتعليم والشرطة والخدمات العامة على الرغم من عدد السكان القليل في ذلك العهد وتشير المعطيات الى وجودهم في مختلف الدوائر الحكومية من دائرة ألآثار والصحة والمالية والداخلية والاحصاء ومن المثير للاهتمام ان حكومة الانتداب البريطاني دابت على جعل ألنصارى مميزين وشملهم في التعليم والتثقيف بهدف فرَق تسد على أساس السياسة الاستعمارية المنتهجة وكانت تضرب بيد من حديد لكل من سوَلت له نفسه مناهضة الاستعمار البريطاني أو تنفيذ أية اعمال من شأنها المس بألاستعمار وزبانيته وظهور ألمؤامرة على فلسطين ألعربية والسياسة المعادية لها والمطالبة بتوقف الهجرة ومنع بيع الاراضي ألعربية لليهود أو اعطائهم ألاراضي دون مقابل واحتلت البلدة في أواسط شهر تموز عام 1948 بعد أن سقطت كويكات واستعمرت في النصف ألاول من شهر كانون الثاني عام1949 واتخذت القيادة ألعسكرية مقرا لقيادتها في بيوت خليل مارون،جرمس فرح وتوفيق قترة أبو العتر والمدرسة الابتدائية كانت مقرا للجنود وقام بتسليم القرية كبار ألسن منهم سليم قبطي،اندراوس سمعان،ميخائيل عبدألله خوري وغيرهم وفرض ألمحتل ألضرائب على ألاهالي منها المال أو ألمؤن،ومن الملفت للنظر أنه كان بحوزتهم ألاسماء الذين يمتلكون ألسلاح ولم تكن هنالك إمكانية للانكار على توفر هذه ألاسلحة لانهم يعرفون من هم أصحابها وكل من كان اسمه مسجلا عندهم مع ألارقام ونوع ألسلاح،أما ألاسلحة التي كانت بحوزة أهالي القرية ولم تكن مسجلة في القائمة،فانه تمَ استثنائها وهنالك من يشير باصبع ألاتهام الى القيادة وغيرهم(هنالك أسماء يفضل عدم ذكرها)،وفي هذه الفترة بدأ أهالي يعودون من قرية يركا التي نزحوا اليها على الغالب في 7-9-1948 وهؤلاء بدأوا عودتهم على فترات متقطعة منهم من مكث ما بين شهر أو نصف ألشهر أو أسبوع أو عشرة أيام كانوا ضيوفا مرحب بهم في هذه القرية العامرة باهلها والتي استقبلت آلاف من ألنازحين وقسم منهم بقي لفترة أطول فالموحدون ألدروز معروف عنهم الشهامة والكرم واستقبال الضيوف،وحيث ان القرية عانت من مشكلة شح المياه،فان هذه الوفود التي قدمت اليها شكلَت مشكلة في كيفية توفير المياه التي كانت"تنتشل"من ألابار ألارتوازية ولم يتذمر ألاهالي من الناس الذي قدموا الى يركا وتكونت حلقات من الصداقة بينهم وبقيت هذه الصداقة قائمة الى يومنا هذا ومن جميع العائلات ولا اريد أن أخص احداها عن ألاخرى،ومشكور كل من قدَم أية مساعدة أو دعم لهذه الوفود والتي معظمها اضطر الى ترك بيته ومنهم من طرد وشرَد من قريته كأهالي من عمقا أو كويكات أو من أماكن أخرى.
علم أن عام 1948 كانت سنة خير وبركة وتوافر المحاصيل الزراعية وعليه فان اليهود الذين احتلوا القرية ابدوا استعدادهم على منح تصاريح للعمل في ألاراضي منها ما هو بملكيتهم أو كعمال أجيرون وألاوضاع ألاقتصادية كانت صعبة جدا وكان فقر وعوز ولم يبقى من مصدر دخل للناس سوى ألزراعة والفلاحة وأن بعض أهالي القرية اضطروا الى العمل خارجها في البيارات خاصة بيارات البرتقال في منطقة يافا واللد والرملة ومنهم من توفي هناك مثل المرحوم جريس حديد أبو الياس،ومنهم من عمل في البناء خاصة بناء خزانات المياه في منطقة رمات غان وبيتح تكفا وتل أبيب وأماكن أخرى وكانوا يعملون ويبيتون هناك ومرة في ألشهر كانوا يعودون الى كفرياسيف ومنهم على سبيل ألمثال لا ألحصر المرحومين محمد عبد شحادي وابنه عدنان وغيرهم ،وكانت فترة من ألاستغلال من قبل العاملين في فرع قطف الزيتون،اذ كثر عدد الذين يسمسرون على ضمان جمع الزيتون وقبل أصحاب كروم الزيتون ب-%10 بينما ألضامن أخذ %50 أو%60 من ألمنتوج وكانت فترة عصيبة وعوز عانى منها معظم أهالي كفرياسيف والذين تعاونوا على السراء والضراء وتمَ اعتقال ما بين عشرة الى اثنا عشر شابا وضعوهم في سجن عكا ومن ثم الى سجن عتليت منهم ناجي حريز شحادي، شحادي نبهان شحادي، صبري جريس خوري ،جميل إبراهيم شحادي ،محمد نايف الحاج ،نيقولا شحادي، فريد مرقس ،حسن جردلي وغيرهم،وفي مطلع شهرآب قامت القوات الإسرائيلية بمحاصرة القرية وتمَت عملية اعتقال نحو 70 شخصا نقل قسم منهم الى سجن عتليت واستغلوهم بالتنظيف والطبخ والاشغال الشاقة خارج سجن عتليت وتمَت عملية ألافراج عنهم "بأن يقوم كل منهم بتسليم قطعة أو قطع السلاح التي في حوزته ودامت عملية الاعتقال أكثر من شهرين من ألزمن افرج عنهم من سجن عكا،أما معتقلوا سجن عتليت فان الافراج عنهم تمَ على فترات متقطعة وعلى دفعات،ولا ننسى فترة الحكم العسكري الذي فرض منذ ألاحتلال وحتى عام 1965 منع ألسكان من مغادرة القرية أو بلداتهم الا بالحصول على تصريح من الحاكم العسكري والذي كان مقره في القرية،وعمل في المكتب موظفون من القرية ومن غيرها وكان مقرَ الحاكم العسكري في دار الستات أليوم تقع الكنيسة البروتستنتية وسكنها في حينه المرحوم ألاستاذ نظير جريس ووالدته وأخيه،وما بين عام 1949-1950 بوشر في ترحيل العشرات من العائلات والذين لم يتمَ تسجيلهم في سجل السكان لغيابهم أثناء فترة التسجيل وهم الذين سمَوا أصحاب الهويات الحمراء،لان من تسجل حمل الهوية الزرقاء،وأحضروا الشاحنات لنقلهم وترحيلهم من القرية،لكن ألاهالي تصدوا لهم والقوا بأنفسهم أمام هذه الشاحنات ومنعوا تسفيرهم وترحيلهم أي منعوا عملية ألترانسفير،ونظمت تظاهرة ضد الترحيل في عام 1950 في 18 من شهر شباط،وفضح المحامي محامي ألارض المرحوم حنا نقَارة في المحكمة ألاهداف من عملية ترحيل نحو 30 شخصا ومنهم المرحوم شفيق فرح واخوانه وغيرهم والهدف هو حرمانهم من خط باصات القرية والامتياز الذي كان من نصيب عائلة فرح .
ذكرنا أنه في أثناء الحكم التركي أخذوا نحو 16-20من خيرة شباب القرية على الرغم من أن منهم من قام أهله بدفع ليرة ذهب ليحرر من الخدمة العسكرية وقسم من هذه الأموال كانت تدفع لشخص من كفرياسيف ومن العائلات المحترمة(ألاسم معروف)،لكن للأسف الشديد هذه الأموال وليرات الذهب ذهبت في مهب الريح وأخذوا الشبان من كفرياسيف الى الخدمة العسكرية ومنهم من عاد ومنهم من لم يستطع وأختفت آثاره مثل عمَي أحمد محمد حسن ألشغري ويا للأسف على عمل كهذا قام به أشخاص من البلدة!وكانت جدتي لابي واسمها آمنة من قرية ترشيحا ومن عائلة القاضي والذين هجروا الى خارج فلسطين وعندما قمت بزيارة الى من كان نائبا لرئيس بلدية معلوت- ترشيحا السيد نمر قبلاوي رأيت قطعة ألارض التي صادرها القيم على أموال الغائبين وتعتبر جزءا من قطعة ألارض المقيم عليها المذكور ومع الوقت تعرفنا على أستاذ رياضة درَس في المدرسة الثانوية البلدية في عكا ابن ألسيدة فاطمة حفيدة عائلة القاضي وهو اليوم يسكن في سخنين وامه ما زالت تسكن في ترشيحا ونحن أقرباء لعائلة ألهواري ومنهم فاطمة المرحومة،ويعتقد بان عائلة القاضي اليوم في المملكة ألاردنية ألهاشمية وعندهم مصالح ربما في مجال الحلويات؟ونحن سكنا في حيفا لان والدي عمل هناك مثله مثل العديد من شباب كفرياسيف ألذين تسلموا وظائف وسكنَا في الحي الجنوبي من المدينة وفي دار تتبع للمرحوم ديب جريس حزان ومع غيرنا من السكان سادت العلاقات الممتازة حتى مع جيران يهود عاشوا وعشنا في أمن وامان وعلاقات أخوية ومع الوقت كان والدي مسؤولا عن وقف تابع للكنيسة بألاضافة الى عمله ووظيفته ثم انتقلنا للعيش في دار أخرى تابعة للمذكور ثم في دار لنا،لكن لسوء الحظ عندما احتلت حيفا اجبرنا على "النزوح"بالقارب الذي كان يقَل المغادرين وأخذ معه والدي المرحوم حسن ألشغري مفتاح الدار وكانت تقع في شارع العراق وتنقلنا من مكان الى آخر لعل"الترحيل"لا ينفذ لكن عبثا ،وقال الجيران:لو أن الناس تركوا للعيش سويا لاستمرت العلاقات الطيبة والجيرة الحسنةبين اليهود والعرب في حيفا والتي هدموا بيوتها بأوامر عليا وحسنا لو يقوم الواحد منكم بقراءة كتاب"التطهير العرقي في فلسطين"للكاتب والباحث الجرئ البرفيسور ايلان بابيه والذي فيه يذكر هذه ألمآسي والويلات التي حلَت بالشعب العربي الفلسطيني في هذه الديار التي شرد أهلها وهدمت بيوتهم واصبحوا لاجئين في وطنهم ووطن آبائهم وأجدادهم ليست لديهم أية فكرة أو تصور متى سيجد هذا الشعب ألدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل ويعيش بامن وأمان وسلم وسلام ومحبة ووئام ونأمل أن العام القادم 2019 والذي سيحل علينا قريبا أن يكون عام خير وبركة وسلام،لكن ما دامت ألامور على ما هي عليه اليوم فان ألامال لن تتحقق الا ان حدثت معجزة القرن الجديد ومرة أخرى نقول :كل عام والجميع بالف خيروصحة وسنة سعيدة ومباركة للجميع ودامت المحبة والتسامح واحترام المرأة وتوقف العنف بانواعه وأشكاله المختلفة.