سماءٌ كونتْها.. و تربةٌ كونتنا، أشجارٌ زرعتها .. و خريفٌ أسقطنا، محيطٌ لا يعلوها .. و قطرةُ مياهٍ لا تعترفُ بنا، فمن هي؟ مَنْ نحنُ؟ لماذا هي؟ وليس لماذا لسنا نحن، نحن؟!
أظنُّ بأنّنا نتكلمُ عن ضميرٍ ليس بمتكلمٍ، بل، فقط، كضميرٍ يُكتبُ و يُلفظُ، ضميرٍ لا يرى عيونَ الآخر، لا يعرفُ حزنَ المقابلِ له، والأصعبُ أنه لا يفهمُ معنى الإنسانِ العابرِ أمامَه، ضميرٍ لا يعرفُ قيمةَ الحياةِ، و لا يعرفُ قيمةَ المعطى في الحياةِ .. لا يعرفُها هي، ضميرٍ لا يعرفُ معناها، بأنّها تكونُ الحياةَ .. تكونُ التَّغييرَ، تكونُ المستحيلَ، وتكونُ الأمَّ ليتيمٍ، وتكونُ طريقًا للتّائه، ضميرٌ يُستحقرُ بـِ هي .. و يقرّبها إلى الموتِ بنفسِهِ، ينظرُ إليها بقيمةٍ تحتَ السّطرِ .. ولكنّها في الحقيقةِ بحرٌ فوقَ السّماءِ؛ ضميرٌ لا يعرفُ أنّها كانتْ، و تكونُ، وستكونُ أرجلَ العالمِ للنّهوضِ ... أيدي العالمِ لزرعِ الأملِ، و لسانَ القوّةِ، وسطَ محيطِ الظّلامِ الغارقِ في اليأسِ.
ضميرٌ يمشي بجانبِها .. تطلبُ المساعدةَ منَ الضّميرِ .. لكنْ، للأسف، فكونُه ضميرٌ ليس بمتكلّمٍ .. يجعلُه يمشي، ويقطعُ مصباحَ الأملِ في الحياةِ .. و يمشي وكأنَّه مثالٌ لابتسامةٍ ساخرةٍ، على نهوضٍ .. يمشي و كأنّه يدوسُ على شرايينِ البحارِ فتستمطرُ ملحًا، دونَ ماءٍ، .. أمّا هي فتكونُ ضميرًا يتكلَّمُ بإنسانٍ، وبمستحيلٍ .. هي التي تضيءُ ابتسامتهُا ولادةَ الأملِ في الحياةِ، هي مكونةٌ من حرفين .. ولكنّها، التي خلقت شطريَّ القلبِ لدى الإنسان؛ هي التي كوّنت معنى الأمِّ في هذا العالم!
هي حجرُ الإنارةِ في ظلامٍ دامسٍ نتعثّرُ فيهِ. هي التي بإمكانِها إذا أدارت العالمَ لأن يُصبحَ شجرةً مثمرةً، لا تسقطُ ولا تموتُ. هي التي تستحقُّ الوجودَ .. وهي التي إذا كانت زهرةً وحيدةً لأصبحتْ حقلًا لا يأكلُهُ حريقٌ. هي التي تعرفُ معنى الحياةِ و معنى الإنسانيّةِ، فهي والدتهما!
هي كتابٌ يُذكرُ على كلِّ لسانٍ، وهي كلمةٌ تُحفرُ في باطنِ كلِّ ذاكرةٍ، هي حضنٌ لكلِّ طفلٍ عابرٍ و يتيمٍ.
هي أملٌ لكلِّ السّاقطينَ في الظلمةِ، هي ضميرٌ يملكُ الحقَّ في العيشِ لكي يصبحَ العيشُ ممكنًا في هذا العالمِ .. لكي تُرسمَ الطّرقُ ولكي يستطيعَ القلبُ الانقباضَ و الانبساطَ في صدرِ كلِّ واحدٍ منّا! فهل لنحن أن يعرفَ ما قيمةُ هي، من بينِ الضّمائرِ؟
إنّها هي .. هي المرأةُ، الأمُّ، الصّديقةُ، المعلّمةُ، الممرّضةُ، القاضيةُ، الكاتبةُ، الضّاحكةُ، الماسكةُ، وهي بضميرٍ يتكلمُ، ويكونُ ما يريدُ أن يكونَ، دونَ استحقار أيِّ لسانٍ مقابلٍ لها .. فهي التي تعرفُ معنى الطّريقِ، ومن يدوسُ عليه .. هي الخالقةُ، وهي النّاجحةُ، وهي المستمرةُ .. فهي التي تبحرُ على نحن .. ونحن الذين نندمُ على إبحارِ السّفينةِ، وموتِ شرايينِ القلوبِ في نحنُ .. موتِ شرايينِ الأملِ .. وأوردةِ الحياةِ؛ فهي التي تشبهُ كلَّ شيءٍ، ولكنْ ليسَ كلُّ شيءٍ يشبهُها؛ فهل نولدُ الآنَ ونعرفُ منْ هي؟
وهل نتحركُ الآنَ اتّجاهَ الحياةِ، وليسَ باتّجاهِ الموتِ الحالكِ، ونتمسكُ بها، فلعلَّ أملاحَ البحارِ تسترجعُ الماءَ وتعودُ بحرًا في يومٍ منَ الأيّامِ؟!
لفينا
الحادي عشر
مدرسة "يني" الثّانويّة - كفرياسيف