لا شكّ أن المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل يعيش حالة من الفوضى "المرتبة" ،فالخطاب "هينمة" والتصرفات "جعظريّة"، ولكن ما يحدث فيه وحوله من عنف واجرام قد يفضّ بكارته المقدسة وهذا سيهدد نسيجه الاجتماعي الخاص.
يتفق الجميع على ان التعليم في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل بألف خير، فهناك عدد هائل من المعلمين والمعلمات وجلّهم يبحث عن عمل، وهناك عدد كبير من الأطباء في المستشفيات والعيادات العامَّة والخاصّة، وبدأت ظاهرة الانخراط في الصناعات التكنولوجيّة عالية التقنيّة وهي تبشّر بفجر جديد .يجب ان يعرف الجميع ان هناك علماء في شتى المواضيع العلميّة والانسانيّة في المجتمع العربيّ الفلسطيني في الداخل مرشّحون وبجدارة لنيل جائزة نوبل . لكني اجزم، وعن معرفة شخصيّة بالمعطيات والابحاث، ان كل هذه النجاحات العلميّة والتي تثلج الصدر هي نجاحات فرديّة وليست منظوميّة.
من ناحية أخرى التربيّة في المجتمع العربيّ الفلسطيني في الداخل موجودة وعلى استحياء فقط في شعارات المدارس والمراكز التربويّة ومنظمات العمل المجتمعي .هنالك ظاهرتان تطفوان على السطح في المجتمع العربيّ الفلسطيني في الداخل .الاولى هي ظاهرة "ثقافة جبل"، وهي احد اهم المسببات لظاهرة العنف والاجرام التي تنهش الجسد الطاهر للمجتمع العربيّ وتهدد نسيجه الاجتماعي" .ثقافة جبل" مستمدّة من مسلسل "الهيبة" اللبناني ذائع الصيت، والذي تسمّر الجميع لساعات ،وخاصة الشبان، أمام المرناة لمشاهدة احداثه المثيرة. تتلخص "ثقافة جبل" في ان كل شاب يستطيع ان يأخذ حقه بالعنف والقتل والاجرام واستعمال السلاح خارج إطار القانون. يظهر هذا جلياً في المجتمع العربيّ في تقليد الممثل السوري "تيّم الحسن" حتى في طريقة مشيه وقصة شعره وترتيب لحيته، وفي اندفاعه في المسلسل لأخذ حقه خارج إطار القانون. ويحك "تيّم الحسن"... ماذا فعلت؟ ... ويحكم ايها الجبليّون في المجتمع العربيّ... تكَأْكَأْتم ... إفْرَنْقِعُوا ...
الظاهرة الاخرى التي تظهر جلياً في مناسبات عدة في المجتمع العربي الفلسطيني في اسرائيل هي "ثقافة الغول"، ويحضرني في هذا الموقف تصرف والدتي، رحمها الله، فقد كانت تخيفنا من "الغول" وانه قادم الينا إذا لم نتصرف كالخراف عند الهاجرة.
هذا ما حدث في عدة انتخابات للبرلمان الاسرائيلي وخاصة الانتخابات الاخيرة، فلولا "ثقافة الغول" لم تنجح القائمة المشتركة في حصد غلتها الاخيرة ."ثقافة الغول" تطفو على السطح وبقوة في كل انتخابات للسلطات المحليّة العربيّة وهي السبب المباشر لنجاح رؤساء السلطات المحليّة، فمرشح العائلة الاولى وفي الايام الاخيرة للانتخابات يبدأ بنشر وترويج "ثقافة الغول" لزبانيّته وكأن مرشح العائلة الثانية هو غول سيلتهم هو وعائلته التي ترشحه الأخضر واليابس من السلطة اذا وصل الى سُدّة الحكم، وطبعاً العكس صحيح.
ويحكم ايُّها النواب والرؤساء والمسؤولون.... تكَأْكَأْتم ... إفْرَنْقِعُوا ...
لذلك فأن المجتمع العربيّ الفلسطيني في اسرائيل مهدد بتمزيق نسيجه الاجتماعي .هذا يلزمنا بالعمل سريعاً من اجل المحافظة على هذا النسيج الطاهر، وهذا لا يكون الا اذا اقدم المجتمع العربيّ على تحديث وترشيد جميع مؤسساته وبنائها من جديد على أسس علميّة حديثة، لان المؤسسات العربيّة مؤسسات تقليدية أكل عليها الدهر وشرب حتى الثمالة! علينا بناء " المجلس الأعلى للجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل" ليكون مسؤولاً عن رسم خارطة الطريق العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للجماهير العربية، وهو ايضاً من يحاسب وينتقد ويقيِّم ويُقوِّم عمل المؤسسات والأحزاب العربية ،من خلال دعوته لهذه المؤسسات لتقدم تقاريرها بشكل دوري في جلسة مفتوحة من اجل الشفافيّة. على هذا المجلس ان يتكوّن من رجالات الفكر والمعرفة والسياسة والأساتذة في المجالات المختلفة. هذا المجلس ايضاً عليه ان يُقيم "مديرية للتعليم والتربية" مستقلة في المجتمع العربي، هذه المديرية تعيد صياغة مفهوم التربية لمحاربة "ثقافة جبل" و "ثقافة الغول".
لا شك أن الذين يعملون في جميع المؤسسات العربيّة في الداخل هم مناضلون وشرفاء وقاموا بعمل عظيم، عليه يُشكرون وبه يُذكَرون، ولكن حان الوقت لبناء وترتيب البيت من جديد... تكَأْكَأْتم ... إفْرَنْقِعُوا ...
(تكَأْكَأَ القومُ: ازدحموا. والتَّكَأْكُؤُ: التَّجَمُّع. افْرَنْقِعُوا عني: أَي انْكَشِفُوا وتَنَحَّوْا عني. لسان العرب)