العنف ... والتّربية..!
إنّ ظاهرة العنف المستشرية في الشّارع العالمي عامّة والعربي خاصّة باتت مقلقة إلى حدّ كبير، وأخصّ بالذّكر القتل المتعمّد مع سبق الإصرار والتّرصّد لنساء وشباب وحتّى أطفال، بطريقة مؤلمة موجعة، تجعل الرّأي العام يقف مرعوبا لشدّة فظاعتها. كما نشهد في أعقابها مظاهرات عديدة تنظّم في كلّ مكان.
تساءلتُ مرارا وتكرار: ضدّ من تُنَظَّم هذه المظاهرات بالتّحديد؟! فلم أجد جوابًا منطقيّا شافيا لهذه الآفة، كما رأيت أنّه من السّخافة تنظيم مثل هذه المظاهرات؛ لأنّها كانت نذير شؤم، فقد جرّت وراءها مصائبَ أشدّ بلاء ممّا سبقها! وكأنّ "الشّبيه يجذب الشّبيه"...!
فبعد كلّ حادثة قتل جاءت أخرى أشدّ بشاعة منها، وأشدّ إيلاما! وكأنّ هناك يدا خفيّة مصوّبة نحو هذا المجتمع، مهمّتها نشر الفساد ونشر الرّعب بين النّاس من أجل زرع القلق والخوف في صفوفهم؛ لتصل الحالة إلى اتّهام هذا المجتمع بالتّخلّف والغوص في عالم الجريمة بسبب قلّة وعيه وتدنّي ثقافته. هذا بالنّسبة لما يحدث بشكل عامّ في مجتمعنا.
أردت في مقالتي هذه أن افكّر معكم في أسباب ما وصلنا إليه، إضافة لليد الخفيّة الّتي تعبثُ بنا، ومدّها بالسّلاح لتعيث الفساد في البلاد، بدعم من المستفيدين ممّا يحدث، فوضعت إصبع الاتّهام الأوَل على الوالدين الّذين ينشغلان في الجري وراء المادّة وتحقيق الذّات على حساب أولادهم، كما لم يعد لهما دور هامّ مؤثّر، لأنّهما لا يجدان الوقت الكافي لتربية الأولاد تربية صّالحة، حسب التّعاليم الدينيّة والاجتماعية، فبات الولد مربٍّ لأهله، وهم ينصاعون لأوامره ورغباته وليس العكس وهذا أمر مقلق وغير طبيعيّ.
الإصبع الثّانية أوجّها نحو الهاتف النّقّال والأيبد والألعاب الإلكترونية الّتي يترعرع الطّفل بين يديها وليس بين يديّ أهله، كلّ ذلك من أجل إلهائه عن الأم والأب المشغولين، دون مراقبة منهما لما يراه في هذه الألعاب، فيدخل المواقع المشبوهة وهم في غفلة عنه. قد يتعرّض لمشاهدة أفلام القتل والعنف بأشكالها، كما يتعرّض لمشاهدة الأفلام الإباحية، وبالتّالي يكوّن له صورة مشوّهة عن هذا العالم، صورة عالم يستحوذ عليه القتل والجنس!
فهو يذبح بالسّكّين، ويطعن بالسّيف ويطلق الرّصاص من البندقيّة والمسدّس على اللّاعب الآخر الّذي يشاركه لعبة "البابدجي" وغيرها من الألعاب اللّعينة الّتي أدخلت إلى عالم أولادنا، فباتوا حبيسي غرفهم، فانقطعوا عن الحياة الأسريّة والاجتماعية، وتفكّكت بذلك الأسرة، واصبحوا لا يعرفون شيئا من العالم سوى القتل والدّماء، والجنس!
ثمّ إنّه يشاهد عبر اليوتيوب مناظر حيّة تقشعرّ لها الأبدان، بدءا من الطّعن والذّبح، حتّى تقطيع الإنسان وهو حيّ...!! يرى كلّ ذلك دون أن يرفّ له جفن؛ فتموت مشاعرُه، وتموت الإنسانيّة في قلبه، وتستحوذ على كيانه الغرائز الحيوانيّة!! فلماذا إذن نستغرب عندما نسمع أنّ الّذين يقتلون، يقومون بتوثيق فعلتهم في هواتفهم؟!! فهم بلا مشاعر ...!
والإصبع الثالثة أوجّهها للمسؤولين عن التّربية والتّعليم، الّذين يتنافسون على العلامات من أجل مكانتهم ومرتبتهم في امتحانات الوزارة، ضاربين عرض الحائط شخصيّة الطّالب ونفسيّته واهتماماته، وكونه إنسانا قبل أن يكون طالبا! وعليه أن يتعلّم أسس الحياة الاجتماعيّة من محبّة وتسامح وعطاء وخدمة للمجتمع. فتبًّا للشّهادات!! ماذا تفيدنا الشّهادات إذا فقدنا إنسانيّتنا؟!
على ضوء ما تقدّم من طروحات، أظنّ أنّه باتت أولى واجبات أيّ مؤسسة تربويّة، تعليم هذا النشء كيف يكون الإنسان صالحا في مجتمعه. كما أنّ هناك واجبا ملقًى على كاهل كلّ مربٍّ، ألا وهو إحداث التّغيير للإيجاب.
بعد كلّ ما ذُكر آنفا، ليس من حقّنا أن نستغرب، وأن نصاب بالدّهشة عندما نرى ونسمع عن آفة العنف المتفشّية في مجتمعنا؟! لأنّنا جميعا مسؤولون عمّا يحدث.... !