عادل... كنت اختبارنا بقلم: زايد خنيفس
هناك مواعيد تدخُلُ في ذاكرة بلدٍ ولا تمحى، وتبقى محفورة في خلجات ومشاعر كل من حمَلَ ذرّة من الإنسانيّة، وتاريخ الخامس من كانون أوّل 2019، محطّة لها وقعها، ففي هذا اليوم المشئوم تم العثور على جثّة الشاب اليافع، عادل أشرف خطيب، في حفرة قريبةٍ من دوّار عين عافية.
في توارد الأفكار والصور والمشاهد، ومنذ اللحظات الأولى للعثور على الجثّة، وحتّى كتابة هذه الكلمات، تشعر كأنّكَ مرَرتَ في نفق الزّمن الطّويل، الذي لا مخرج منه، تحاول المدينة جاهدةً العودة إلى طبيعتها، لكنّها أبت ذلك، لأن المصاب أكبر من أي حدثٍ ومشهدٍ، قد يحوّل الأضواء إلى قضايا أخرى.
هذا القتل لا يشبه حالات قتل أخرى، بل حدَثت هنا جريمة، هزّت عروش طالت حدود السّماء، التي فتَحَت أبواب الدّموع مطرَا مِدرارًا، حزنًا على روح أرسلها الله إلى الأرض، لتعيش وتفرح وتهنأ وتحزن، والرّوح ملك الباري، وخاطفها قبل أوانها جريمة على صفحات الإنسانيّة، والكتُب السماوية المقدّسة، ووصايا الله لخلقه.
قد لا نملك حتّى الآن كل التفاصيل التي انتهت بطعنةٍ مسمومةٍ في القلب، وكل أنحاء الجسد... ونفتقد لصورة المشهد المتكامل قبل الحادث الإجرامي، وما تخلّله ساعة استلال سكينة الموت التي جُهّزت قبل حين، لكنّنا نملك شيئًا واحدًا، بأن من سوّلت له نفسه اغتيال حياة شابٍّ لم تفارق الابتسامة محيّاه، وما زال يخطو أدراجه الأولى نحو الشمس والحياة، فإن بانتظار الجاني حُكمَين الأول قضاء الله، والآخر قضاء القانون والمجتمع، وفي الحُكمين خسارة لا تُعوّض.
صورة الجريمة لم تنحصر على حارةٍ أو بلد، بل اتّسعت رقعتها لكل البلاد، حتّى وصلت دول الجوار، ولا تأتي المشاهد الحزينة صدفةً، بل لأن الحدث كان كبيرًا وعظيمًا، فقدت فيه شفاعمرو وجهًا مستقبليًّا من وجوه أبنائها، في ظل حالات عنفٍ مستشرٍ في مجتمعنا العربي، والذي حمل ضّحيّة رقم تسعون.
قد نكتب عن الجريمة البشعة، سطورًا وصفحاتٍ لا نهاية لها، لكنّنا لن نشعر بصرخة الألم المدوّية، التي صرختها الضحيّة، حين انغرزَ السكين في جسده الغض، لكنّنا نخاله يتألم مستغيثًا الخلاص، محاولاً إبعاد شبح الموت عنه.. محاولاً سرقة سكّين الجريمة من أيدي الجناة، الذين افتقدوا مشاعر الإنسانيّة في تلك اللحظات، وذهبوا لإخفاء آثار جريمتهم، بحفر حفرة أحقادهم، وسط صراخ الضحية، النازفة بدمائها الزكية.
للجريمة رسائل عديدة، بأن شيئًا عظيمًا حصل في هذا البلد والمجتمع، وقراءتها يحتاج أن نضع الإصبع على الجرح، صارخين بصوتٍ عالٍ: كفى لهذه المشاهد المتكرّرة، لأن الرّوح لا تُقدّر بثمن، بل إنها مقدسة، والاعتداء على قدسيتها، تطاول على خليقة الباري عزّ وجَلّ.
الرّسالة الثّانية، الرّوح والأبناء أمانة للأهل والوالدَين، فلا تعبثوا بأقدارها ولا تستخفّوا بحقها في الحياة، فلا يولَد طفل عاق، وما نزرعه في مساكبنا وبيوتنا، سنحصد ثماره في بيادر حياتنا، ومن أنعم عليه الله بأبناءٍ، عليه أن يقدّم واجب الشكر لله، ويذهب لتربيتهم تربية أبناء الله أولاً، وسقيهم من خيرات وقيم وأخلاقٍ، لأن على هذه الأرض ما يستحق أن نربي من أجلها، والرسالة الأخرى، كيف نجعل من بيوتنا مدفأة للصراحة والتفاهم، يجتمع حولها الأبناء، لخلق ترابط أسري وطيد، لأننا نشهد اليوم مشهد التفكّك، أضحى خطرًا قادمًا على أولادنا ومجتمعنا.
عادل... رحمك الله وأسكنك فسيح جنانه، فقد كنت اختبارنا من حيث لم تقصد، وإن عزّ علينا رحيلك المبكّر، قبل حلول موسم الرّبيع الآتي، فإنّك الرّبيع الباقي والملائكة لا تموت، بل تبقى مُحلقةً في فضاء الحياة الأبديّة...