رمزية الطيور والنحلة وغيرهما في الأدب والفن
بقلم : الدكتور منير توما كفرياسيف
من الشائع في التقاليد الأدبية والفولكلورية عند معظم شعوب العالم الاهتمام بالمخلوقات ودلالتها ورمزيتها ، ومن بين تلك المخلوقات الطيور والنحلة والفراشة والحسّون من حيث كونها تحلّق في الجو وإن اختلفت مهامها وأهداف خلقها ، ولكنها وجدت لها مكانًا وشأنًا في مظاهرها الرمزية وعلاقتها الدلالية في عالم الأدب والميثولوجيا والطبيعة بشكل أو بآخر . وفي تناولنا لهذا الموضوع ، نبدأ بالحديث عن الطيور التي عادةً ما تعتبر رموزًا للنفس البشرية ، والتي احتلت تضمينات ودلالات ايجابية تقريبًا في جميع ثقافات العالم .
ومع أنّ الطيور في الغالب ترتبط عادةً بصور وأخيلة ايجابية ، فإنّها في الخيال الميثولوجي الأسطوري أحيانًا تبدو كحاملة للحظ السيء . وفي القدم كان يسود الاعتقاد ، على أية حال ، أن الطيور ، كالفراشات ، بصورة عامة تمثّل النفس البشرية بهجرانها ومغادرتها الجسد لحظة الموت . وقد دعاها الروائي المسرحي اليوناني يوربيدس «رُسُل الآلهة» ، بينما دأب الرومان على دراسة نماذج وأنماط طيرانها وتحليقها بهدف العرافة والتنبؤ .
وفي الموروث الرمزي القديم ، ترى الثقافة المسيحية أيضًا في الطير كصورة للنفس . وفي هذا الدور يظهر الطير في لوحات العذراء والطفل ، حيث غالبًا ما يُرى الطفل يسوع حاملًا طيرًا في يدهِ أو في المقوَد .
ووفقًا لبعض المفكّرين والباحثين، مع ذلك ، فإنَّ الطير في الحقيقة يشكِّل رمزًا مباشرًا للمسيح، وحينما يُرى في قفص أو في مقوَد ، فإنّه يشير ضمنًا الى الحقيقة بأن المسيح قد أُلقي القبض عليهِ وتمّ تسليمه لينقذ الجنس البشري . وأخيرًا ، واستنادًا الى تفسير وتأويل قطعة من سفر إرميا في الكتاب المقدّس ، فإنَّ الطير المحبوس في قفص يرمز إلى الخداع والغش .
كذلك فإنَّ الطيور أيضًا تمثل الهواء في تجسيدها الرمزي للعناصر الأربعة (الهواء ، الماء ، التراب ، النار) . وبانتقالنا الى الترميز الذي يتعلق بالنحلة ، فإنّه منذ القدم ، كان للنحل اعتبار رفيع المكانة في الأهمية . فقد نُسبَ للنحل الكثير من الصفات البشرية ، بما فيها التصنيع والاجتهاد ، الانسجام والتناغم ، الشجاعة ، الطهارة والعفّة .
وحسب الرومان القدماء ، فإنَّ العسل قد اكْتُشِفَ مِن قِبَل باخوس ، الذي بَيّنَ للانسان كيف تُصنع خلايا النحل . وفي حَدَثٍ قصصي ميثولوجي مشهور ، أحيانًا ما يُمَثّل في لوحة كيوبيد وهو قد تعرّض للسعات سرب من النحل بينما كان يحاول سرقة قرص عسل . وبعدها يذهب الولد كيوبيد الى أمهِ ، ﭬينوس كي يشتكي لها ، لكنّها توبّخه وتؤنبه ، لائمةً إياه قائلة بأنَّ سهامه الخاصة به تُنزل بهِ كذلك جروح أكثر عُمقًا .
إنّ التقاليد المسيحية ليست حصينة وليست بمأمنٍ من السحر والإفتنان بهذه الحشرات الصغيرة . إنّها غالبًا ما تُشَبِّه الحياة الرهبانية الديرية ، المتّسِمة بالنظام والاجتهاد ، لخلايا النحل تلك . بعض القديسين يتم مقارنتهم بالنحل لأعمالهم الطيّبة الحسنة ، أو لعذوبة كلماتهم وأقوالهم . إنّ النحل هو أحد الأشياء التي تُعْزى الى صفات القديس امبروسيوس، لأنّه كما يُقال أنه عندما كان في المهد ، جاء سرب أو حشد من النحل ورسا على وجهه . وهناك البعض ممن يرون أنّ النحلة هي تمثيل للقديس برنارد ، كتلميح واشارة ضمنيه الى فصاحتهِ وبلاغتهِ . وبفضل خاصية عذوبة وحلاوة العسل ، يمكن أن نُرجِع النحلة الى صورة المسيح وغفرانه لخطايا الجنس البشري . علاوةً على ذلك ، وبالاستناد الى الاعتقاد الذي كان شائعًا مرةً بأنَّ الحشرات التي تولَّد أو تستخرج من التوالد العذري أي الحمل من غير إخصاب ، فإنّ النحل أيضًا قد استُخدم عادةً ليفيد ضمنًا معنى الطهارة والعفّة .
وفي تطرّقنا الى الفراشة ورمزيتها ، فإنّه في العصور القديمة الكلاسيكية ، كان يُعتقد أنّه عند الموت ، تترك النفس البشرية الجسد من خلال الفم . وفي صيغة الجمع للكلمة ، فإنّ النفس يرمز اليها بواسطة فراشة تترك شرنقتها .
إنّ صورة الفراشة ، التي تولد كيسروع (برقانة الفراشة) ، وتتحول الى شرنقة ، ولاحقًا تتطوّر الى حشرة ذات أجنحة ، قد أحدثت دائمًا الإفتتان لدى الجنس البشري . إنّ هذه العملية كان يُنظر اليها كانعكاس لتحولنا الروحي الخاص بنا .
إنّ المصطلح اليوناني psyche` (النفس بالعربية) ، والتي تشير الى النفس تعني أيضًا فراشة . لهذا السبب نرى أنَّ الصبيّة الشابة Psyche ، محبوبة كيوبيد ، أحيانًا تُصَوَّر بأجنحة أو مع أجنحة فراشة .
وبينما وفي فترة العصور القديمة ، فإنَّ الفراشة النفس يمكنها أحيانًا أن تكون استشرافًا أو تنبؤًا مسبقًا بالموت ، فإنّهُ في الخيال المسيحي أصبحت رمزًا للبعث والانبعاث ، بفضل رحلة الحشرة أثناء وخلال الحياة خصوصًا انبثاقها من الشرنقة . وعندما تُمثَّل في يدي الطفل المسيح أو العذراء ، فإنّ الفراشة تشير ضمنًا مباشرةً الى النفس المنبعثة .
أما اذا اختتمنا هذه المداخلة بالحديث عن الحسّون ، فإنّه أحيانًا يشير ضمنًا وتلميحًا الى النفس البشرية تطير بعيدًا بعد الموت . وهذه الرمزية تتعلق وتخصّ مجموعة من المعتقدات الوثنية القديمة التي تمّ تبنّيها لاحقًا مِم قِبَل المسيحية .
إنّ الحسّون يظهر عادةً في يد المسيح الطفل في مشاهدِه مع العذراء مريم . ووفقًا للقديس أسيدور من ﺳﻴﭬﻴﻠﻴﺎ ، فإنّ طير الحسّون الصغير هذا ، يشير ضمنًا الى الآم المسيح . وحقيقةً ، فإنّ الاسم اللاتيني نفسه ، carduelis ، يؤكدِّ عادة الحسّون في تغذيته على الأشواك كطعام له ، حيث أنّ نبات الشوك المستخدَم في علم دراسة الايقونات أو فن الصور وصور القديسين، يشير ضمنًا الى تاج الشوك أي اكليل الشوك .
وانعكاسًا لهذه الرمزية ، فإنّ هذا الطير الصغير يظهر أحيانًا في حيوات ساكنة ومشاهد شجيرات نامية تحت أشجار كبيرة في الغابة ، نموذجًيةً وعلى نمط لوحة شمال أوروبية من القرن السابع عشر . في هذه الحالات ، فإنّها تشير ضمنًا وتلّمح الى الصراع بين الخير والشر .
إنّ الحسّون يمكننا أيضًا أن نراه أحيانًا في يدي طفل أو ولد في صورة بسيطة ، لكون الأولاد يحبونه كثيرًا نظرًا لجمال ريشه الملوّن .