«الواقعية السحرية» في رواية «مئة عام من العُزلة» لجبرييل ﭼارسيا ماركيز
بقلم : الدكتور منير توما كفرياسيف
قبل البدء بتناول رواية «مئة عام من العُزلة» بالبحث والتحليل ، نتوقف قليلًا لتعريف مصطلح «الواقعية السحرية» ، أو ما يُطلق عليه الواقعية العجيبة المُدْهشة ، فهي أسلوب من السرد القصصي يرسم نظرة واقعية للعالم الحديث بينما أيضًا يضيف عناصر سحرية . إنها أحيانًا تُدعى الخرافيّة ، بمرجعية دلالية لاصطلاحات الخرافات ، الأساطير ، والأمثولة أو القصة الكنائية أي الأﻟﻴﭼوريا .
إنَّ رواية ماركيز هذه ، هي رائعة للواقعية السحرية ، فكاتب هذه الرواية ، ﭼارسيا ماركيز بتاريخهِ السردي القصصي لمدينة جنوب أميركية ، لديهِ رسالة عالمية حيال التقدم والإنحلال . وفي خيال ماركيز ، فإنَّ الزمن أو الوقت قد يكون سريعًا وبطيئًا معًا ، وقد يكون خطيًّا ودائريًا . إنّ الذاكرة تشكّل عبئًا كما هو النسيان ، لكن أولئك الذين لا يتعلمون من أخطائهم مكتوب عليهم أن يكرّروها ويعيدوها . لقد شهدت سنوات الستينيّات من القرن الماضي دخول أدب أميركا اللاتينية في المرحلة العالمية . ولقد تميّزت عن طريق استخدام الواقعية السحرية ، خَلْق عوالم طبيعية فيها أحداث خيالية وهمية غريبة هي ممكنة الحدوث . إنّ هذا الشكل الأدبي قد استولى بصورة تامة على ظروف جنوب اميركا في ذلك الوقت ، وهو واقع بين غزو التصنيع الحديث والعادات الوطنية البلدية الأهلية القويّة الفعّالة التي كانت فيها الأسطورة واقعًا بديلًا. إنّ رواية «مئة عام من العُزلة» تحكي قصة مدينة كولومبية صغيرة تدعى «ماكوندو» ، وسبعة أجيال من عائلة «بوينديا» ، الذين أسّسوها . إنَّ صفات القوة والحكمة اللتين أسّسا «ماكوندو» قد أُضعِفَت في كل جيل متعاقب ، الى حد لا أفراد السلالة ذاتهم ولا المدينة كان ممكنًا أن يتم تمييزهما أو إدراكهما . ويأتي الزمن بدائرة كاملة بحيث تختفي المدينة بينما يرتدّ ويعود ذو السلالة الى الحالة الحيوانية .
في رواية «مئة عام من العُزلة» ، يستخدم جبرييل غارسيا ماركيز (1927-2014) الواقعية السحرية ، التي وصفها هو كَ «الواقعية الهائلة غير المألوفة» ، لنلهو ونعبث بتصوراتنا . إنّه يكتب مقتنعًا بأوصاف الفقر ، على سبيل المثال ، لكن من داخل العَالَم القذِر الحقير ، في أنّه يمكن لولدٍ في الحقيقة أن يولد بِذَنَب خنزير ؟ هل ارتفع وحلّق كاهن في الهواء حقًا ؟ إنه يلهو ويعبث بالزمن والوقت أيضًا . الأولاد ينمون بسرعة ، لكن بالنسبة للبالغين فإن الزمن يقف ساكنًا بألم ، وأوبئة الأرق أو هطول المطر يمكن أن يستمرا سنوات كثيرة .
علاوةً على ذلك ، فإنّ ماركيز يتحدّى قبضتنا على الواقع عن طريق استخدام فقط حفنة من الأسماء الأولى لأفراد عائلة «البوينديا» يظهرون بأنهم دائمًا ينظرون داخليًا ، وبالمطلق أبدًا لا ينخرطون بالمجتمع الأوسع أو العالم الخارجي . إن كلمات «العزلة» أو «المنعزِل» توجد وتظهر تقريبًا في كل صفحة من الرواية .
إن قرية «ماكوندو» تنحدر الى الديكتاتورية . وبينما «مئة عام من العُزلة» متجذّرة في جنوب اميركا ، فإنّ الانهيار الاخلاقي والجسدي لقرية «ماكوندو» يعكس إنحدار حضارات أخرى ، لاسيما اليونان القديمة ، ويُشَكِّل تحذيرًا لنا جميعًا . إنّ الحداثة بدون أخلاق ليست تقدّمًا . إنّ الإسم «ماكوندو» قد دخل لغة العديد من بلدان اميركا اللاتينية كنموذج مُمثِّل لمكانٍ حيث تحدث أحداث الأخبار الإستثنائية غير العادية ، أو لاولئك الذين مسقط رأسهم في وضعٍ ملتوٍ بعض الشيء . إنَّ اللاجئين التشيليين في فينّا ، النمسا ، الهاربين من حكم الديكتاتور «بينوشيه» في السبعينيات من القرن الماضي ، قد أطلقوا على أماكن لجوئهم هناك اسم «ماكوندو» . إنّ ذُريّة هؤلاء ، وكذلك لاجئون من أنظمة حكم أخرى ، ما زالوا يعيشون هناك .
واللافت أنّه بصدور هذه الرواية عام 1967 ، قد تمّ الإشادة بها في الحال بكونها الرواية الأعظم في اللغة الإسبانية منذ رواية «دون كيشوت» . ومما يجدر ذكره أن جبرييل غارسيا ماركيز هو روائي ، وكاتب للقصة القصيرة وسيناريست وصحفي من كولومبيا بأميركا اللاتينية ، وهو يُعَدّ أحد أشهر الروائيين في القرن العشرين ، حيث حاز جائزة نوبل للأدب عام 1982 .