رواية «البؤساء» لفيكتور هوغو كقصة أخلاقية عظيمة الفضيلة
وفقًا لما قاله بعض النقّاد عن رواية «البؤساء» (Les Misérables) ، فإنّها تُعدّ رواية رومانتيكية على سُلّم موسيقي أوبرالي . ولا غرو أنّ قصة فيكتور هوغو هذه عن الشفقة والافتداء والإصلاح والتخليص قد جعلت مثل هذا التكييف للمسرح الموسيقي . إنّ المشاهد العاطفية للكتاب والخلفية التاريخية التفضيلية فيهِ يشكلّان أدبًا مسرحيًا خالصًا صِرفًا .
إنّ الروائي والشاعر الفرنسي الكبير فيكتور هوغو (1802-85) حينما توفي ، فإنّ الجمهور الذي حضر تشييع جنازته الرسمية في باريس كان أكثر عددًا من سكان المدينة كلها . لقد حاز احترامًا وشهرةً كفيلسوف سياسي بنفس القدر كأديب وكاتب ساعد في صياغة وتشكيل الجمهورية الفرنسية الثالثة . وهو في أيامنا هذهِ ، يتذكرونه في فرنسا لشعره ومسرحياتهِ بالإضافة الى رواياتهِ ؛ أمّا في العالم الأوسع ، فإنّ شهرته تتمركز وتتمحور حول روايتيه «أحدب نوتردام» و «البؤساء» . وبينما «أحدب نوتردام» تستحضر مدينة باريس في العصور الوسطى ، فإنّ رواية «البؤساء» تحدّد فترة فرنسا أيام طفولة فيكتور هوغو ، وذروة انتفاضة باريس الفاشلة عام 1832 . وتجاه هذه الخلفية المفتقرة المعدمة العنيفة ، فإنّ هوغو يحكي قصة اللص الزهيد جان فالجان ، الذي كان دائمًا وباستمرار في خطر إعادة القبض عليه وسجنه من قبل مفتش الشرطة «جافيير» الذي كان عاقد العزم على اعتقالهِ والصاق تهمة السرقة به .
وبعد أن سامحه وغفر له الأسقف الطيب الشفوق الرحيم شارل ميريل سرقته لبعض الأواني الفضية من الأسقف ، يصمِّم جان فالجان أن يفتح صفحة جديدة . وتحت اسم مزيّف مستعار يصبح رجل أعمال ناجح . ويشفق «فالجان «على» فانتين ، وهي أم فقيرة وحيدة مع ابنتها ، كانت قد فُصِلَت وطردت من أحد مصانعهِ ، وبعدما ماتت هذه الأم ، أصبح فالجان وصيًا على ابنتها «كوزيت» .
ولقد تصالبت مسارات كل من «فالجان» و «جافيير» بشكل متكرِّر ، ودائمًا وجدا أن عقائدهما الأخلاقية متعارضة إمّا مَع المصلحة الذاتية أو مَع واجبهما الذي أقسما عليه .
وأخيرًا ، كان لا بد أن يكون كل منهما صادقًا تجاه نفسه ، وفي مناسبات مختلفة ، أبدى كل منهما الرأفة تجاه الآخر . وبالنسبة «لجافيير» ، كان الصراع عظيمًا ، ويقوم بقتل نفسه . وبسبب ظروف معينة ، يضطر «فالجان» أن يكشف عن هويته الحقيقية كمُدان جرّمته المحكمة في السابق ، ممّا يضايق ويغيظ زوج «كوزيت» الجديد ، «ماريوس» الذي يقوم بقطع كل اتصال بين زوجته «كوزيت» وفالجان ، الذي أصبح بمثابة أبًا مُحِبًّا لها .
إن «فالجان» والزوجين الشابين ، «كوزيت» و «ماريوس» يتوحدّون ثانيةً ويجتمع شملهم فقط على فراش موت «فالجان» .
إنّ إخفاء الهوية هو تيمة أو موضوع مركزي في كتاب هوﭼﻮ ، فنرى أن «فالجان» وشخصيات أخرى كثيرًا وتكرارًا ما يتّخذون أسماء مستعارة لإخفاء ماضيهم . إنّ الأوصياء السابقين ، «التنردير» ، يتبنّون كُنية جديدة عندما يبدأون حياة جديدة في باريس ، وكذلك المفتش «جافيير» يخفي هويته حينما يقوم بتمثيل دوره كجاسوس ملكي وراء الحواجز والمثاريس للجمهوريين . إنّ مثل هذهِ الخِدَع أو المخادعة يُحكَم عليها بالاخفاق والفشل في الرواية .
ومن اللافت أنّ الأعمال الأخلاقية ، على أية حال ، يتم مكافأتُها ، فعندما يتم تشخيص إنسان آخر خطأً بكونه «جان فالجان» ويعتقل ، فإنَّ «فالجان» الحقيقي يكشف عن نفسه مَنْعًا للظُلم . كذلك فإنَّ «فالجان» ينقذ الجاسوس غير المُقَنَّع «جافيير» من تنفيذ حكم الاعدام عليهِ رميًا بالرصاص حيث أن عمل «فالجان» هذا يؤدي لاحقًا الى أن يحجم ويمتنع «جافيير» عن اعتقاله حين كان بامكانهِ فِعل ذلك . إنَّ رواية «البؤساء» هي قصة أخلاقية الى حدٍ كبير التي فيها تشكِّل الشفقة أو الحنو الفضيلة الأكبر والأعظم التي تؤدي دائمًا الى الافتداء والاصلاح والتخليص كما سبق وأشرنا آنفًا . إنها مَعْلَم للرومانتيكية الأدبية .
إنّ فيكتور هوﭼﻮ كان قد سبق وأصبح كاتبًا وأديبًا مشهورًا عندما نُشِرَت رواية «البؤساء» عام 1862. وقد كان هناك بعض النقّاد الذين اعترضوا على السياسة ، النزعة العاطفية دون
العقل ، العمل اللاأخلاقي والفقر الذي تَمثّلَ بواسطة بعض شخصيات الرواية ، وكذلك قامت الكنيسة الكاثوليكية بمنعها بكُلِّيتها فورًا وفي الحال .
وخلاصة القول أنّ رواية «البؤساء» تُعَدّ من أشهر روايات القرن التاسع عشر التي انتقد فيها فيكتور هوﭼﻮ الظلم الاجتماعي في فرنسا بين سقوط نابليون في 1815 والثورة الفاشلة ضد الملك لويس فيليب في 1832 . وتعرض هذه الرواية بشكل مؤثر طبيعة الخير والشر والقانون مُجَسّدةً ذلك في باريس تلك الفترة ، مصوِّرةً الأخلاق ، القانون ، العدالة ، الدين ، الفلسفة والطبيعة الرومانسية . بما في ذلك المحبة الانسانية والعائلية خاصةً .