كلمة في تأبين الرّاحل يوسف حنا شاهين، الذي باغتنا بفراقه يوم الثّلاثاء 10/3/2020، في كفرياسيف
يندفعُ الموتُ نحوَ القريةِ، يأخذُها على حِينِ غِرَّةٍ، من جهةٍ غيرِ متوقّعةٍ، فينشرُ الحزنَ في الدّروبِ والقلوبِ. يفاجئُنا الموتُ باختياراتِهِ، فما هو القاسمُ المشتركُ بين الضّحايا، وهم بالجملةِ، لا بالمفرّقِ؟! لكنّ قسوةَ المفاجأةِ توجِعُ، حينَ أنظرُ حولي، فلا أجدُ أحدَ الأترابِ الجميلينَ الأصيلينَ المتواضعينَ، مثل يوسف حنا شاهين.
هناكَ أشخاصٌ يشكّلونَ بحضورِهم معالمَ المكانِ والزّمانِ، كأشجارِ الزّيتونِ، فكيفَ يمكنُ أنْ نتخيّلَ فلسطينَ دونَ خُضرتِها الدّائمةِ، دونَ زيتِها وزيتونِها وظلِّها وحُسْنِها؟! يوسفُ من علاماتِ صِبانا، وشبابِنا المُندفعِ نحوَ "نادي السّلام"، كنتَ تستقبلُ غُدُوَّنا بابتسامةٍ مُحبَّة، ورواحَنا بضحكةٍ تَتقهقهُ بالمرحِ والمَحبّةِ. كانَ "نادي السّلام" مقرَّ الشّبيبةِ الشّيوعيّةِ والحزبِ الشّيوعيِّ، ومركزَ النّشاطِ السّياسيِّ والاجتماعيِّ والثّقافيِّ والفنيِّ والرّياضيِّ، وكنتَ مقرًّا لصداقةِ الوافدينَ وثقتِهم.
كيفَ استطعتَ أنْ تجعلَ وجهَكَ صُنْوَ قلبِكَ، واحدٌ ينبضُ بالحياةِ، وواحدٌ ينبضُ بابتسامتِها؟! كنتَ تحيّرُني يا يوسفُ، وأعترفُ لكَ الآنَ، وإنْ بعدَ فواتِ الأوانِ، أنّني كنتُ أحسدُكَ على ابتسامتِكَ التي تظهرُ على وجهِكَ كلّما نبضَ قلبُكَ، وكانتْ تنعكسُ على وجوهِنا دافئةً، صادقةً، مُطَمْئِنَةً!
يَنتزعُنا غيابُكَ المفاجئُ منْ صباحِنا الرّبيعيِّ، ويُلقي بنا في ثنايا المساءِ الخريفيِّ، دونَ حفيفٍ؛ وكنتُ أعتقدُ أنّنا سنتمتّعُ بربيعٍ آخرَ، كمْ أَغرانا بعطرِهِ وألوانِهِ وصفاءِ أجوائِهِ! كنتُ على يقينٍ أنَّ ابتسامتَكَ الحارّةَ ستظلُّ تُشرقُ على وجوهِنا كلّما نبضَ قلبُكَ صداقةً وحُبًّا!
كما حيّرني حضورُكَ الباسمُ، يحيّرني غيابُكَ الصّادمُ، ويتملّكُني اللّومُ القاتمُ، وتفيضُ من وجعِهِ الأسئلةُ، على جانبَي روحي، لماذا مسكتَ بيدِنا وأحضرتَنا إلى عتبةِ آذارَ، وما أنْ استنشقنا شذاهُ الزّكيَّ حتّى شدَدْتَنا بقوّةٍ إلى صدرِ البيتِ التّشرينيّ، يعجُّ بالباكينَ والمُوَلْولين؟!
ربّما لم نُحسِنْ مُرافقَتَكَ نهارًا، ولا مسامرَتَكَ في ليالينا، ربّما غَفِلْنا عنْكَ حينَ اشتقتَ إلينا، ربّما التهينا بنفوسِنا حينَ احتاجَتْنا نفسُكَ، ربّما شَغلَتْنا الكهولةُ عنِ صِبانا، وأخذَنا اللّونُ الأصفرُ الباكي، من اللّونِ الأخضرِ الضّاحِكِ، ربّما صمَتْنا حينَ كنتَ تتوقُ لسماعِ كلامِنا، ربّما تحدّثْنا بكلامٍ لم تتوقَعْهُ، أو لم تقبَلْهُ فشعرتَ بالانزعاجِ منّا، ربّما كانَ كلامُنا فارغًا فساءَكَ سُخفُنا، فمَلَلْتَ منْ أُنسِنا، فغادرتَنا، فعذرًا منكَ يا يوسفُ، على ما تركتَنا عليهِ، عذرًا، عذرًا منْكَ!
إياد الحاج
10/3/2020
كفرياسيف