تعيش البشرية ساعات من القلق المبرَّر كونها تواجه عدوًا مجهولاً وغير متوقع المتمثل بما أُسمي "فيروس الكورونا" والناتج المَرَضي عنه "كوفيد 19". وتقوم الجهات السياسية والعلمية المتخصصة في العالم بإجراء الأبحاث والدراسات واتخاذ الإجراءات الوقائية لوقف انتشار الفيروس والمرض معًا. ولا تخلو ساحة السياسيين من المزايدات وكَيْل الإتهامات ذات اليمين وذات الشِمال وتحميل مَن هم في موقع المسؤولية وِزر ما آلت اليه الأمور وما ستؤول اليه.
وفي بلادنا, كما في كل بلاد العالم, تعيش فئة طفيلية وتتغذى على مصائب الآخرين ودمائهم كما البَقّة. فمنهم مَن يستغل الأزمة تجارياً واقتصادياً وآخرون سياسيًا وهكذا "كل واحِد وعَلامُه".
في يوم الإنتخابات للكنيست ال23 (2 آذار 2020) شاركت في لقاء متلفز في الناصرة. وردًا على سؤال من الزميل غسان بصول قلت," إن الأخطر من الكورونا هو الكورونا السياسية المتمثلة باليمين الفاشي المتفشي والزاحف وآن الأوان لوضع حدٍّ لها ومواجهتها". وتوالت الأيام وإذ برئيس الحكومة, يصول ويجول مستغلاً أزمة الكورونا ليبني عليها مجدًا آن زواله من زمن , ولم يجد حتى الآن من يتصدى له ويصده سوى المشتركة والجمهور العربي الرابض في أرضه. ويوم 11/3 شاركت على شاشة تلفزيون "مساواة" في حلقة من برنامج "أكتواليا" مع الإعلامية ايمان الهواري وقلت ما معناه " انه آن الأوان لمواجهة الكورونا السياسية المتمثلة باليمين الفاشي ووضع هذا اليمين في حجر سياسي أبدي وليس لأسبوعين فقط".
لا اقلل أبدًا من الأخطار المترتبة عن الإصابة بهذا المرض أو بغيره. وأدعو الآخرين إلى عدم الاستهتار والى الالتزام بالإرشادات الصحية الداعية للوقاية من المرض. وبالمقابل أسأل وهذا حقي وواجبي لماذا يقوم "البيبي" بهذا القدر من المَسرَحَة اليومية مستغلاً في ذلك كل طاقاته وقدراته غير المشكوك فيها؟ ومثل الآخرين أضع بعض الإجابات التي تحمل بين طيّاتها واحدًا من الأجابات الصحيحة وأحياناً أكثر.
يقدم نتنياهو وأركان طاقمه الإعلامي الجديد يومياً شرحًا مفصلاً عن ما آلت اليه الأمور بخصوص الوباء محمِّلين الجمهور ما لا طاقة له به من أعباء اقتصادية ونفسية مضيفين الى هلعه هلعاً والى فزعه فزعاً, مركزين على"إعملوا ولا تعملوا" دون التطرق أبدًا إلى ما على الدولة من مسؤوليات ممثلة بالحكومة ووزارة الصحة بالأساس. ومن هنا يأتي التساؤل والجواب: لماذا ينشط نتنياهو في الظهور اليومي مع وزير الصحة وطاقمه؟! فهل بعد إهمال متواصل لأكثر من 15 عامًا لجهاز الصحة يستطيع هذا الجهاز مواجهة أزمة كالكورونا؟ وهل نحن في حالة طوائ قومية كما يدّعون؟ اليس بالإمكان الاكتفاء بإعلان الطوارئ المحدود لأسبوعين أو ثلاثة على أقصى حد؟ ولماذا اتخاذ خطوات المراقبة والملاحقة "الشينبيتية" للمصابين بالمرض؟ ومَن سيتولى العناية والرعاية والتعويض لمن يتأذى بفعل حالة الطوارئ العامة؟ إن ما يقوم به بيبي باختصار هو الهروب الى الأمام لمنع إقامة لجنة تحقيق تكشف انهيار الجهاز الصحي في البلاد وعفن وفساد أجهزة الدولة.
في المقابل ,أنهى رئيس الدولة ريفلين مشاوراته السياسية وأوكل لرئيس حزب "أزرق ابيض" بيني غانتس مهمة تشكيل الحكومة لكن ليس قبل ان يجتمع به وبرئيس الحكومة نتنياهو ويطالبهما بإبداء قدرٍ عالٍ من المسؤولية وتشكيل حكومة وحدة قومية قادرة على مواجهة حالة الطوارئ العامة في الدولة. وهنا كان لا بد من الإشارة من قبل رئيس الدولة الى أمر تطرق له خلال لقائه وفد المشتركة, برفضه القاطع للمسّ بشرعية المواطنين العرب وحقهم في المشاركة والتأثير على المسرح السياسي في الدولة خاصة في ظل أزمة مصيرية ومواجهة وباء لا يفرق بين عربي وغير عربي. ولا ننسى ما قد صاحب هذه المشاورات ولا يزال منذ يوم الإنتخابات وقبلها بسنوات من أجواء نزع الشرعية عن المواطنين العرب والتحريض الدموي عليهم من قبل رأس جهاز الحكم شخصياً وطالع نازل.
هذه المرة لم نكن بحاجة الى "العرب يتدفقون" لأننا فعلاً تدفقنا وتدفقنا مرتين, مرةً للرد على التحريض الدموي ضدنا ومرةً للجم الكورونا السياسية والتصدي لها.