بعد أن أبحرت في تأملات لاميتافيزيقية في أسفار في معنى الوجود والحياة وعزفت على أوتار بيان الفردوس المحتمل؛ لم أستطع السيطرة على قلمي المتهور، فقررت الإبحار في بيان الوجود والحياة بين المعنى والعدم للكاتب الشفاعمري عبد عنبتاوي الذي يؤمن بكل إصرار وقناعة، لا ينتظر الشهادات، ولا يتوقع التقدير، مع ذلك أكتب تعليقي المتواضع هذا تقديرا ووفاء لمن علمنا كيف يولد المعنى وتموت العبارة، وأقول لولا وجود عكس المعنى فلا معنى للمعنى.
أكتب لا بحبر القلم وإنما بدماء القلب، فإذا ظهرت بعض الجراح على السطور فالمعذرة من القارئ والعنبتاوي. وأقول بهذا الصدد الكاتب الحقيقي الخلاق الذي يتحلّى بسمات وخصائص ومعايير فنية جمالية وأخلاقية يلتزم بها والكتابة عملية تفكير لا تكفير، ابتكار لا تقليد.
أقرأ بلهفة وأتمعن بالكلمات، أتوقف برهة، أخرج عن التركيز، أرحل إلى عالم آخر، عالم جديد عجيب مليء بالتناقضات الفلسفية تذكرنا بالأساطير الفلسفية اليونانية، ومن يغوص فيها يبحر عميقا ويغرق في محيط من المعادلات المركبة والمعقدة والمبهمة ويصل إلى طريق مسدود ليدخل في متاهات فلسفية مجهولة لا حدَّ ولا حدود لها.
نعم عندما يكون العمل متعة تكون الحياة مبهجة، أما إذا كان واجبا فتكون عبودية تفقد الحياة معناها في اللحظة التي نفقد فيها وهم كوننا خالدين، فنحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نود أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ أن نفكر، فالطريقة الوحيدة لاكتشاف حدود الممكن هي تخطي هذه الحياة، هي تخطي هذه الحدود قليلا إلى المستحيل، فالفجر لا يحول أبدا دون ارتكاب الخطيئة، ولكنه يمنعك من الاستمتاع بها.
"إن الصراحة لا تخلو من القسوة والقسوة يتخللها غالبا بعض الصدمات العنيفة والمفاجئة لكن هذه الصدمات تبقى ضرورية بل ضرورة لا بد منها لعلاج العديد من الأمراض المزمنة، كما تؤكد جميع مدارس علم النفس، وإذا كانت الفلسفة وليدة الأزمات، وهي كذلك فعلا، فلا شك أننا نحيى في ظلال أحلك الأزمات وأكثرها تركيبا وتعقيدا دون أن تكون عصية على الفهم والإدراك، فلا يمكن للحياة أن ترى وأن تتدفق بغير الفلسفة، فالفلسفة هي البصيرة التي ترى خلالها الوجود والحياة، وبالتالي المعنى والماهية ولا قيمة لها إذا لم تكن في خدمة الارتقاء في ممارسة الحياة بعد إدراكها. ومن يخشى الفلسفة إنما يخشى أن يعي وأن يدرك وأن يرتقي؛ ولذلك إن هذه المادة كامتداد وارتقاء لما سبق من تأملات في شذرات بعد نحو عقد من الكتابات المتباعدة في هذا الاتجاه"
نعم الفلسفة ضرورية لأن كل شيء له معانٍ مخيفة يجب علينا معرفتها وقلنا قبل إنها وليدة الأزمات وقد تكون نمط حياة غموض الواقع خلف الأشياء، ومنهجًا فكريًّا تفسيريًّا وتأمليًّا.
"ليس كل ما تعتقد أنك تعرفه هو حقيقة موجودة بالضرورة وما لا تعرفه لا يعني أنه غير موجود. غالبا ما تبحث عن الحقيقة أو أهدابها في المكان الخطأ وعبر الوسيلة الخطأ، ونادرا ما ندرك ذلك ونعترف به وربما أيضا لأننا نخشى من الحقيقة"
النفاق يجعل الناس سعداء والحقيقة تجعلهم يشعرون بالحزن وأفضل الخدع وأسلمها هي الحقيقة البحتة، ونحن لا نقترب من الحقيقة إلّا بقدر ما تبتعد عن الدنيا، ومعرفة نصف الحقيقة شرٌ من الجهل بها.
في وقت الخداع العالمي يصبح قول الحقيقة عملا ثوريا.
" الديانات بمثابة ضرورة بشرية للذين وعدوا بالحلول السهلة والسريعة والنتائج المضمونة"
الدين الاستسلام والتسليم للباري بالموحدين وأفراده للعبادة قولا وفعلا ولا توجد جماعة بلا دين وقوة الدين قوة خارقة.
"سعادة المؤمن هي سعادة وهمية؛ لأنه يراوح في مستنقع الإجابات، بينما سعادة الملحد حقيقية لأنه يجتهد ويسبح ويشقى مستمتعا في مهر التساؤلات."
أبواب الخير تملأ الأرض كما النجوم في السماء لا يهتدي بها إلا العلماء، وأن تعيش كل يوم وبأمل جديد وأن تعيش حياتك دون أن تنظر للوراء، وأن تضحك دون حواجز، وأن تحب بعفوية.
"لولا الموسيقى لأنتشر الضجيج في كل أزقة حياتنا"
"الموسيقى هي آخر ما تبقى لنا من معاني "
"ليس ثمة ما هو أكثر صفاء وترميما ونقاء وتعقيدا قوة ونعومة من موسيقى وأنغام بتهوفين"
حين تنصهر الأفكار على مذبح الموسيقى تتجدد الحياة.
يتوقف خفقان قلب الحياة حين تتوقف الحياة عن الموسيقى.. هذا ما لم يقله بتهوفين.
بيان الفردوس المحتمل.
"الخطأ هو الصواب الممكن أما الصواب فهو الخطأ المحتمل"
"إذا كان مصدر العقيدة هو الاعتقاد فإن كل اعتقاد يجب أن يوضع على مذبح الشك"
لا أمة بدون أخلاق، ولا أخلاق بدون عقيدة، ولا عقيدة بدون فهم.
تحرير الإنسان من العبودية، والعقل من الخرافات والاوهام، والحث على التفكير في الكون، وغرس الاستقامة وبالتالي الحياة عقيدة وجهاد.
هذه المادة النادرة، عبارة عن منهج سقراطي وأسلوب مليء بالتناقضات اللغوية والفكرية، ذات رموز ومعادلات مبهمة ومركبة تُشبه الخيال بعمق معانيها، دقّة وروعة صياغتها تدل على كاتب مميز متمكن، كلّما ابحر في الكتابة ارتقى.
تقديري ومودّتي للكاتب مزيدًا من العطاء ...