أكتب هذه القصيدة، بمداد الأمل والاستبشار، رغم الحزن الذي يلذّع أعماقي على قتلى الوباء الذي يُنشِبُ أظفارَهُ في جسد البشريّة، ويسدّ علينا أبواب المنازل. وأعرف أنّ هذا الخَطْب العصيب مصدرٌ لصراع شديد لدى الكثير من النّاس بين الوقاية والبحث عن لقمة الخبز، وبين الحرّيّة والتّقيّد، وبين العمل والبطالة، وبين اللّقاء والغياب، وبين الوجود والفراغ، ولكنّ الصّبر سيّد القيم كلّها، وباب الفرج القادم. وإنّي أبتهل إلى الله، منبع الحياة الأزليّ الأبديّ، أن يرفع هذه الشّدّة عن البشريّة جمعاء، ويحفظها سالمة، سلاميّة، مطمئنّة.
العيشُ يبقى... إن بقيتُ بمنزلي
فاحرصْ عليهِ... ولو بحَجْرٍ منزلي!
واحرصْ على هبةِ السّماءِ فإنّها
سرُّ القداسةِ في الكتابِ المُنْزَلِ!
من كلِّ توراةٍ.. وإنجيلٍ..
وقرآنٍ.. ينادي بالصّنيعِ الأمثلِ
قد قيلَ: لا تُلقوا بأيديكُمْ إلى
شرِّ الهلاكِ.. وإنْ عَقَلْتَ تَوكَّلِ!
قد قيلَ: ربُّكَ لا تجرّبْهُ ولا
تَقرَبْ خبيثَ الشّرِّ يومًا تُقتَلِ
وأَجَلُّ ما في الكونِ نفسٌ قد سَمَتْ
عن ضَيْمِها في خدمةِ المستقبلِ
ولقد وجدتُ مع الوباءِ فضيلةً
من كلِّ معطاءٍ.. وشهمٍ مُفْضِلِ
يتبادرونَ إلى المكارمِ نجدةً
للنّاسِ في هذا الزّمانِ المُقْفَلِ
ومن الأطبّةِ قد رأيتُ فوارسًا
غاثوا العليلَ بهمّةٍ وتحمُّلِ
الحاملينَ اللهَ تحتَ صدورِهم
بالعزمِ والإيمانِ عند المَفصِلِ
وكذا اللّيالي الحالكاتُ يُنيرُها
وهجُ النّجومِ تفاؤلًا بالأجملِ!
حتّى نعودَ معًا... لسابقِ عهدِنا
بين الأحبّةِ.. كالزّمانِ الأوّلِ
للأهلِ... للجيرانِ... للوطنِ الذي
مَلَكَ الفؤادَ بناظري وتأمُّلي
للدّربِ... للأشجارِ... للرّيحِ التي
ظلّتْ تنادينا برأسِ الكرملِ
فاصبرْ... فإنّ اللهَ يرسلُ رحمةً
كالبرقِ في حَلَكِ الظّلامِ الأثقلِ!
ولقد تُعلّمُنا الشّدائدُ أن نرى
ما لا نراهُ لغفلةٍ وتَوغُّلِ
أنّ الشّعوبَ... على اختلافِ لغاتِها
يبقى لها الإنسانُ... أوّلَ مَنهَلِ!
كفرسميع، الجليل الأعلى،
8 نيسان 2020