تراكمت، وتعدد الألهة من عصور قديمة، وتوالت على مدى الزمان، أساطير ديانات وخرافات.. وفي محاولة لفهم ما تكدس من ديانات عبر التاريخ، وكيفية تطورها وارساء مفاهيمها وتقديس معطياتها، علينا العودة إلى مقدار منها، ربما نجد في ذلك بعضًا مما يذهب اليه "المؤمنون" في وقتنا الحاضر. إن الواقع المعبأ بالخرافات والاساطير التي يعتنقها البعض، بشكل مهووس أدى، ويؤدي إلى صراعات دموية في البلاد الأكثر تخلفًا، باعتبار أنه كلام منزل من الله، أو هو مقدس لسبب عودة قائله، أو احد أتباعه لصلتة بالواحد القهار، ولأنه جاء بإسم الرب! وقد وصل التكفير وارتكاب المجازر في بلاد الشرق العربي أوجه، من خلال اعتناق افكار متزمتة متعصبة، مردها إلى نصوص أكل الدهر عليها وشرب. في حين أن الفكر البشري والتطور العلمي طرح ألف سؤال حول مصداقيتها أو ثبوت مرجعيتها. وربما حين نتطرق إلى أصول الديانات "السماوية/الابراهيمية"، ونبحث عن مرجعياتها التاريخية، يكون في ذلك استدلال أو كشف عن حقيقة مواردها الأصلية، من أين أتت وكيف تبلورت بصيرورتها منذ بدء نشر دعوتها وإستمرارها إلى ما هو قادم من الأيام، وإلى أي مدى تطورت في طغيانها الفكري وإستبدادها الاجتماعي والسياسي، حتى أصبح من الصعب التعرض أو التساؤل عن مصداقيتها. لا أدعي أنني أعرف كل الإجابات عن ذلك، لكن بالامكان جمع معلومات تاريخية، تعتمد على المرورث الأدبي وأساطير الديانات القديمة، التي كَتب عنها وتناولها المؤرخون والباحثون في "علم الأنتربولوجيا"، والذي يجمع في كينونته علم الاجتماع وعلم الدراسات الدينية وعلم الإنسان وثقافته.. ويرتبط ذلك كله بعلم الآثار والموجودات المَتحفية، كي نستدل من خلالها على حقيقة ما تبقى من تلك العصور.
وأكثر مآسي هذ العصر أن تقوم دولة متخيلة من كتب الدين ووعد الله، على ارض ووطن تم تشريد أهله وسكانه الأصليين، لتقوم هذه الدولة وتحل بكيانها الإستعماري، بوعد من الله على أنها ارض الميعاد لشعبه المختار، وتُرتكب أبشع المجازر وأوبق حالات التهجير، لأناس عزل لم يكن لديهم قوة على المواجهة والتحدي، حتى أصبح وطنهم الذي ليس لهم من وطن سواه، مجرد حلم وبقايا ذكرى، يحلمون به من خلال اجيال تتعاقب على نقل ذاكرته الجماعية إلى التاريخ. وبما أن الديانة اليهودية، وهي صاحبة هذا الإدعاء، وهي أيضًا أول الديانات "السماوية/الإبراهيمية" فعلينا أن نبدأ بطرح تساؤلات حولها، ولتكون بداية مدخلنا إلى هذه المقالات .
بصدد الديانة اليهودية:
فإذا ما عدنا إلى مزمور الملك "آخيناتون" الذي عاش ما بين "أمنتحوتيب أمينوفيس الرابع نحو 1380 – 1350 ق.م" وهو الذي طرح فكرة تأسيس دين جديد يقوم على وحدانية الإله، على أن لا يكون دينًا واحدًا خاصًا بشعب محدد.. إنما دينًا عامًا لكل البشر. فنجد أنّ "مزمور الشمس أمون" الذي نصه وبشر به "أمنتحوتيب" ما هو إلا وثيقة ترمز إلى الإله الغير منظور والذي يعود إليه كل شيء في الكون. وقد وجد هذا الأثر في أواخر القرن التاسع عشر، منقوشًا بالأحرف الهيروغليفية على جدران المدافن، خاصة تلك التي أكتُشفت بالقرب من المكان المسمى تل العمارنة، الموجودة في وسط المسافة الممتدة ما بين القاهرة وبلدة طيبة الواقعة على ضفاف نهر النيل، حيث توجد أثار أبنية قديمة كان قد شيدها الملك أخناتون.
ففي مزمور الشمس هذا تجد ما يشابهه، أو ما يتطابق معه حد النسخ، وما جاء في المزمور المائة والثالث والمائة والرابع من مزامير داود الملك، والذي مطلعهُ "باركي يا نفسي الرب"، بما لا يترك مجالاً للشك، فإذا لم نجد تشابه بينهما بالشكل، فلأن التطابق بينهما ينحصر في روح الكلام، ويتطابق في اللفظ والمعنى ويحتوي على أكثر من دليل واضح، على أنه مأخوذ عن مزمور الملك الفرعوني الذي جاء قبل داود بما لا يقل عن اربعة عقود من الزمان. وفي حال أن مزمور الملك داود لا ينسجم ومنوال الانشاد لـ "مزمور الشمس" فلا يمكن ضحض إمكانية أنه اقتُبس منه واعتمد عليه. وهناك أبحاث تقول على أن "مزمور أخيناتون" أرقى شعورًا وأسمى روحًا من مزمور داود.. أي أن في ذلك دلالة على أن الأمور تدور في فلك الناسخ والمنسوخ.
هناك روايات تاريخية، وربما توراتية، تقول أن موسى وأخناتون كانا معاصرين لبعضهما، وأن الخروج من مصر، هذا إذا ما كان هناك من حقيقة تثبت ذلك، إذا كان؟! فإنه قد حدث في زمن أب أخيناتون وهو أمنتحوتيب الثالث أو جده تحتمس الرابع. ومن كتاب "موسى والتوحيد" لمؤلفه سيغموند فرويد نورد الفقرة التالية، عن علاقة الديانة اليهودية بالفرعونية القديمة حيث جاء فيه ما يلي: "واذا لم يكن من قبيل المصادفة أن اسم آتون المصري يذكَر باللفظة العبرية Adonai ، وبالاسم الإلهي السوري ادونيس، واذا كان هذا التشابه نتيجة لتماثل بدائي في المعنى واللغة، فإن في مستطاعنا ترجمة العبارة اليهودية على النحو التالي: (أصغي، يا اسرائيل، ان إلهنا آتون Adonai هو الإله الأوحد)." ص 34، وهناك فرضية تاريخية تندرج في سياق التأكيد على الصلة بين مقومات الديانة اليهودية بالفرعونية حسب ما جاء في دراسة سيغموند فرويد المذكورة سابقًا فيقول: "وفي شخص أمنحوتب/أمنتحوتيب الرابع الفتى، تسنم العرش فرعون يقدم مصلحة انتشار الفكرة الإلهية على كل شيء. وقد جعل من ديانة آتون الديانة الرسمية، وبفضله أصبح الإله العام إلهًا اوحد،" ... "ألغيت ديانة آتون، ونُهب قصر الفرعون وهُدم. وفي حوالي 1350 ق.م انقرضت السلالة الثامنة عشرة. وبعد فترة من الفوضى وطد القائد حورمحب، الذي حكم حتى عام 1315 ق.م النظام الجديد" ص 85. اما تحوتمس الذي كان موت إخناتون وسقوط ديانته الجديدة، بمثابة ضربة قاضية له، حيث كان تحوتمس من أشد المعجبين بها، وبما أن منطقة حُكمه كانت متاخمة لمكان وجود قبائل سامية، فبحث لديهم عما قد خسره في مصر، فحقق أهم اهدافه من خلالهم، ويقول سيجموند فرويد في هذا الصدد: "ولعل الشرائع التي سنها موسى هذا ليهوده كانت أشد قسوة وصرامة من شرائع سيدهُ ومعلمهُ إخناتون، ولعله امتنع أيضًا عن الاعتماد على إله أون الشمسي الذي كان إخناتون قد استمر في توقيره" ص 86. ومما يؤكد صلة التواصل ما بين انبعاث الديانة اليهودية من الأصول الفرعونية يقول فرويد: "هكذا عادت الفكرة التوحيدية، التي ولدت مع إخناتون، إلى التواري من جديد. وقد أماطت اكتشافات جرت في جزيرة الفيلة، القريبة من أول شلالات النيل، اللثام عن الواقعة المدهشة التالية، وهي أن مستعمرة يهودية عسكرية قد أقيمت هناك منذ قرون عديدة. وفضلاً عن الإله الرئيسي ياهو (يهوه) كانت ضروب العبادة تؤدى، في الهيكل المشيّد في المستعمرة، إلى إلهتين انثيين كانت احداهما تدعى أنات – ياهو." ص89 - 90. وهناك الكثير من الدراسات تؤكد أن الكثير من طقوس الديانة اليهودية منسوخة عن الديانة الفرعونية لأخناتون.. وأهمها الختان وهو الطهور عند اليهود، وقد اقتدى به المسلمون كما اقتدت به بعض المذاهب المسيحية أيضًا.
وهناك مرجع أسطوري يعود إلى عام 2800 ق.م حول خرافة ولادة سرجون الأكادي في بابل ق.م من خلال نص يقال أنه هو من كتبه جاء فيه: "انا سرجون، الملك القوي، ملك أكاد، كانت أمي من عذارى الهيكل، لم أعرف أبي، بينما لبث اخو ابي في الجبل، وفي مدينة آزور بيراني، على ضفاف الفرات، حبلت أمي بي، وولدتني سرًا، ووضعتني في سلة من الأسل وسدت فتحاتها بالجلبان وتركتني للتيار حيث لم أغرق. وحملني التيار حتى آكي، غراف الماء، وانتشلني آكي، غراف الماء، الطيب القلب، من المياه، ورباني آكي، غراف الماء، كأنني ابنه، وصرت بستاني آكي، غراف الماء، وحين كنت بستانيًا، مال قلب عشتار اليّ. فأصبحت ملكًا وحكمت طوال خمسة وأربعين عامًا." ص13 من كتاب "موسى والتوحيد" لسجموند فرويد، وذلك بناءً على دراسات كان قد قام بها أ.رانك(1) والتي نشرت في العام 1909م.
وتتوافق هذه الرواية مع رواية ولادة موسى ودخوله قصر فرعون.. وإلى ما بعدها من قيادة اليهود "العبرانيين"، وخروجهم من مصر والذهاب بهم ألى حيث أراد "الله"، كونهم شعب الله المختار. هذه الاسطورة التاريخية التي اعتنقها الأقدمون، تعتنقها الديانة الحديثة، لتصبح ديانة تتطور من جيل إلى جيل، بحسب مقتضيات الحاجة ولخدمة الدوافع الإقتصادية التي يترأسها قادة هذا الدين. فأين هو الله؟ وأين هي الثوابت والأثار العمرانية التي تدل على مصداقيتها وألوهيتها.؟ فهي جائت لتخدم مجموعة معينة من البشر، حتى يتمكنوا من السيطرة على رقاب العباد، من خلال القدسية المزعومة. "إن الدين يؤدي إلى اغتراب البشر عن الواقع ويعيقهم عن تحقيق قدراتهم الكامنة". كارل ماركس
وإذا ما راقبنا الطقوس الدينية التي يمارسونها اليوم، والمبالغ الطائلة التي يدفعونها لقاء الحصول على بركات أو تسهيلات من الكاهن "الرابي"، يمكننا أن نتخيل ولو بشكل بديهي، أن قيام هذا الدين واستمراره مرده إلى قوة اقتصادية تحكمه وتستفيد منه خدمة للآلهة.. الله الواحد.. بواسطة امناء هذا الدين وغيره من الديانات.
وعن فكرة الخلق في التوراة من أن الله خلق الكون في ستة أيام .. وإلى ما لذلك من تفاصيل.. نورد هنا ما جاء على لسان اوفيد (أفيديوس)، في كتاب "مسخ الكائنات"، الكتاب الاول ص 66، "وكم أتمنى لو استطعت أن أنفخ في الصلصال الذي تصنعه يداي روحاً، إن بقاء الجنس البشري أنره إلينا وحدنا، ولهذا جمعت بيننا مشيئة الآلهة. هذه كانت أخر أول الكلمات التي قالها ديوكاليون لزوجته بيرا بعد إنحسار الطوفان الذي أباد كل ما على الأرض بفعل من جوبيتر وشقيقه نبثون."... "فتجلى إله الطبيعة ففصل بين كل شيء عن نقيضه، فرفع السماء عن الأرض، وفرق ما بين اليابسة والماء، وانتزع من الغيوم الكثيفة ذلك الأثير الكثيف". اوفيد، "مسخ الكائنات"، الكتاب الاول ص 55.
وها هنا قصة عن كيفية خلق أدم من الصلصال، وكيفية إنحسار الطوفان الذي جاء مشابهًا لما جاء في قصة نوح.. إضافة إلى ما فعله إله الطبيعة في التكوين، مما يشبه حد التطابق وما جاء في نص التوراة (2) "العهد القديم" من كتاب الديانة اليهودية. فأية قُدسيّة هذه وأي إلاه هذا الذي يحتم على البشر القيام بطقوس بهلوانية، أقل ما يقال فيها أنها عبث، من أجل اشباع غرائز بشرية تتوهم الخوف من الوجود، بحثًا عن ملجئ ما في مكان ما فيما يقال عنه الآخرة.
"نشأ الله في الشعر بالخيال اولاً ثم حولته الميتافيزيقا بعد ذلك إلى عناية الاهية. نشأ الله من عجز القوة الإنسانية، ومن خوف الإنسان من نفسه، كما نشأت العرافة والأضاحي للسيطرة على هذا الخوف، وكانت النتيجة تصديق هذه الاستحالة، استحالة أن تكون الاشياء ارواحًا، والاجسام عقولاً ." فيكو(3) كما جاء في كتاب د. حسن حنفي، "دراسات فلسفية"، الطبعة الاولى 1987، ص 386. وأيضًا نضيف ما يلي: "الدين نشأ وتطور ولم يبلغ التوحيد الراهن عند المسلمين والنصارى واليهود إلا بعد أن مر في ادوار عديدة من زوائد بنيت عليه من الجهالات القديمة." سلامه موسى، "مختارات سلامه موسى"،ص 59.
"لذلك كانت الديانة الرسمية في روح الامبراطورية تعتبر الامبراطور ممثلاً شخصياً لرب الإرباب جوبيتر على الأرض وتلقبه بـ (الإله الماثل بيننا). وهكذا أصبحت الديانة الرسمية وسيلة لربط الأمة بولاء ديني موحد ومشترك لا يهتم بتعاليم خاصة دون أخرى، وانما يفتح المجال للديانة الإغريقية القديمة الموحدة فأصبح الألهة حلفاء الدولة، والدولة حليفة الألهة." اوفيد، "مسخ الكائنات"، ترجمة ثروت اباظة، من المقدمة ص 21
وأمامكم هنا مثال لبحث أقل ما يقال فيه، من فمك أدينك، وهو لكتاب بعنوان "بدايات اسرائيل" جاء فيه: "اتضح لرجال علم الآثار، أن التاريخ التوراتي وجد على قاعدة الصدمة من دمار مملكة إسرائيل بيد الأشوريين. وأن موضوع الاكتفاء برب واحد بدأ بمملكة يهودا في فترة الملك يوشيا، بتنفيذ اصلاح ديني وسياسي اعاد تشكيل الهوية الإسرائيلية من جديد، وكان في جوهرها فكرة ثورية وهو اختصار الآلهة إلى رب واحد فقط. لا بد أن نذكر أن سفر التكوين التوراتي هو نسخة طبق الأصل عن قصة الخلق البابلية، هناك سبعة آلهة خلقوا الأرض والإنسان... لذا نجد أن في سفر التكوين في التوراة جاء أن الآلهة (إلوهيم - آلهة) هي التي خُلقت ولم يجيء أن الله هو الخالق، لسبب بسيط أنهم نقلوا القصة عن الأسطورة البابلية التي تتحدث عن سبعة آلهة ساهموا كل بيومه بخلق الأرض والبحار والإنسان والقمر والنجوم...، وسياسيا حُددت عاصمة واحدة، ومعبد واحد، وسلالة ملكية واحدة". بروفيسور يسرائيل فنكلشتاين من قسم علم الآثار بجامعة تل ابيب، ونيل سيلبرمان عالم آثار أمريكي يهودي.(منقول)
إذن بأي حق وعدل تقاوم دولة غاصبة على تراب وطن لشعب حي في أرضه، معتمدة هذه الدولة الغاصبة على وهم ليس له أية وثيقة ملموسة أثريًا أو نصاً علميًا متعارف عليه.. سوى أن هناك اسطورة تناقلتها الأجيال، خدمة لحلم شخص أراد أن يقيم له شعب من شتات قبائل متناثرة، عاشت في شمال الجزيرة العربية، وأتجهت بموجب إحتياجاتها نحو أرض كنعان؟ ولم تمتلك سوى قصتها الخرافية، من أن الله هو من وهبها هذه الأرض، في حين تزامنت بقايا هذه القبائل التي شتتتها الحروب في العصور الخوالي، مع رغبات الشعوب المعاصرة إبان مطلع القرن الماضي، وخاصة في اوروبا، حيث شعرت الاخيرة، بثقل تواجد شظرات من هذا الشعب بين مكونتها، وهم الذين خلقوا انواع من الصراعات المادية التي عُرفوا بها، وكانوا السبب الأهم في تفاقمها، حيث أنهم امتلكوا مهارات صناعية خاصة بهم، إضافة إلى تعاملهم بالمال وتوظيفه كوسيلة أساسية لجني الأرباح.
"قد كان للمنافسة الدينية فضل اشعال الحروب المتواصلة عبر التاريخ." بيان نويهض الحوت، "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين"، ص 12. هكذا نفهم أن حرب اقامة اسرائيل جاءت بدواعي اقتصادية بثياب دينية، هدفها اقامة وطن لليهود في فلسطين. وقد ساهم الجهل العربي في ذلك أيضًا، وتمثل ذلك من خلال الانتداب البريطاني على بعض دول المشرق العربي. "ابرز تلك التنازلات هي الاتفاقية المشهورة باتفاقية الصداقة العربية – اليهودية، أو اتفاقية فيصل–وايزمان والموقعة في 3 كانون الثاني/يناير) 1919." بيان نويهض الحوت، "القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين"، ص 105. ويثبت لنا ماركس حقيقة هذه الوقائع من خلال رؤيته إلى استخدام الدين من قِبل السلطة، "يستخدم الدين من قبل الطبقة المسيطرة استخداماً ذرائعياً، بهدف تبرير الوضع القائم، لتحقيق المزيد من السيطرة على سائر الطبقات المُسيّطر عليها." كارل ماركس.
هكذا احكمت الصهيونية قبضتها في بناء الدولة المُغتَصبة، وحولتها من كيان يبدو ديمقراطيًا، إلى نظام ديني تسيطر عليه بقوة العسكر. "عندما تصبح الأمة (كقول الفاشية – العرقية)، وقدراتها الوطنية العسكرة (الجيش والقوى الأمنية)، المثال الأعلى، لن تبقى امام ذلك أية ضوابط لأعمال البشر." يشعياهو ليفوفيتش، "العالم وما يحتويه" ص 78. في ظل كل هذه العوامل المنبثقة أساسًا من صيرورة الفكر الديني الآهوتي، ترسخ إحتلال فلسطين، حتى اضمحلت العوامل الاقتصادية المادية التي أدت لذلك، في حين ازداد مع تقادم الأيام ارتفاع منسوب الصراعات الدينية، التي أدت إلى اطلاق مفهوم "الدولة اليهودية"، والتي جاء الهدف منها، تحويل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من صراع سياسي إلى صراع ديني إثني، يضمن لإسرائيل غياب العامل الوطني والقومي من الناحية الفلسطينية، وغيابه القومي من الناحية العربية. عله لا يبقى هناك من ذكر لفلسطين، مقابل التركيز على البعد الديني الإسلامي، وقد لوحظ بشكل ظاهر نشوء وإنبعاث الفكر "الإخواني" بين المسلمين، وفي تفاقم المد الوهابي التكفيري، الذي ساهم أيضًا في تدمير الشعوب العربية المناهضة للأمبريالية الامريكية وللصهيونية والعمل على تقسيم دولها.. وإستبدل الشعار السياسي بالشعارات الدينية العصبية الفارغة.
هكذا تكون نتيجة الغيبيات حين تتحكم في عقول البشر، "تصبح الكذبة حقيقة إذا تم تكرارها بما يكفي." فلاديمير لينين.. وقد اجتمعت كل العوامل المادية وساهمت في تمرير الادعاء بأحقية اليهود على ارض فلسطين. واستمرارًا لهذا الغباء العبثي، انتقلت العدوى في رفع وتيرة العصبية الدينية العنصرية، كمواجهة عفوية من ناحية الاسلام السياسي، فأسقطت معظم الصيغ الوطنية الفلسطينية، ليحل مكانها شعار "الاسلام هو الحل" اضافة إلى استبدال شعار الوطن بشعار الدين. من هنا فإن الصهيونية عرفت كيف تحدد مسار الصراع، ليفقد معناه السياسي والاقتصادي، وكي تضمن لها الانتصار على الواقع والحقيقة، حين يتم تغيِّبه كُلياً، عن المشهد الشرق أُوسطي والعالمي أيضًا.
____________
يتبع
-
أوتو رانك (22 ابريل/نيسان 1884 – 31 اكتوبر/تشرين1 1939م) وهو محلل نفسي، وكاتب، ومعلم نمساوي. وُلد أوتو في فيينا باسم أوتو روزنفلد، وكان واحدًا من الزملاء المقربين لـسيغموند فرويد لمدة عشرين عامًا، وكاتبًا غزير الكتابة في موضوعات التحليل النفسي، ومحررًا في اثنتين من أهم المجلات التحليلية، ومديرًا إداريًا بدار سيغموند للنشر، وباحثًا نظريًا ومعالجًا نفسيًا مبدعًا.
-
التوراة بالعبرية تعني الشريعة أو التعليم أو التوجيه،وخصوصاً فيما يتعلق بالتعليمات والتوجيهات القانونية، وترمز التوراة للأسفار الخمسة الأُولى من الكتاب المقدّس اليهودي التناخ. وينقسم الكتاب المقدس اليهودي إلى ثلاثة أقسام، التوراة في قسمه الأول، "نڤيئيم" (أنبياء)، وهو القسم المتعلق بالأنبياء، و"كيتوڤيم" (أو الكتب بالعربية) وهو قسم الأدبيات اليهودية.
-
جامباتستا ڤيكو23 يونيو 1668، 23 يناير1744، فيلسوف إيطالي، مؤرخ، و قانوني. وُلِد لبائع كتب وابنة صانع عربات في نابولي، إيطاليا.
15.04.2020 شفاعمرو