العالم كحياة معاناة في نظر الفيلسوف الألماني شوبنهور
بقلم : الدكتور منير توما كفرياسيف
يقول الفيلسوف الألماني «ارثور شوبنهور» (1860-1788) أنّه «كبوصلة مُعتَمَدة لتوجيه نفسك في الحياة ليس أكثر إفادةً من تعويد نفسك اعتبار هذا العالم كمكان للتفكير عن أو
كفّارة ، ونوع من المستعمرة المتخذة مكانًا للعقاب» .
إنّ الفيلسوف الألماني أرثور شوبنهور كان رجلًا متشائمًا ، حيث يعني ذلك ببساطة ، بالنسبة له ، أنّ للحياة قيمة سلبية . وهو ليس مثل «ليبنز» ، الذي في الغالب ما يتم مقارنته به ، اعتقد شوبنهور بأنَّ هذا «ليس الأفضل بين العوالم الممكنة» ، لأنه حتى الإنسان ، الذي غالبًا ما يُمَجِّد بأنّه ذروة الخَلْق ، قد أخطأ بشكل لا يُفْتَدى ، محكومٌ عليهِ بحياة من المعاناة . ويتساءَل شوبنهور : هل هذا العمل هو عمل الاله كليّ الخير وكلّي القدرة ؟ كلا ، وبالأحرى ، في رأيه ، أنّ الحياة تُقاد وتُسَيَّر بواسطة ارادة أساسية أولية أصلية ، تخدم أهداف الطبيعة وليس أهداف الإنسان . إنّ الحوافز والدوافع الطبيعية التي نرثها هي لذلك بالأساس على خلاف مع الأخلاقية العقلانية المنطقية ، وتتركنا مُعَذّبين ، مذنبين ، مُحبَطين ، خائبي الأمل وتعساء . وفي حين أنّ شوبنهور ليس أو لا يمكن اعتباره مسيحيًا ، أو مُوَحّدًا مؤمن بوجود إله ، فإنّه لديه الكثير من المشترك مع أشكال وصور معينة من المسيحية : الحياة هي عبء على أن يُحتَمَل ، والوجود ذاته هو شكل من أشكال الخطيئة . إنّه ، مع ذلك ، يختلف مع فكرة «الخلاص» : ففي نظرهِ ، ليس هناك سماء وجنّة تنتظرنا ، فقط هناك انعتاق من المعاناة ، شيء نستطيع أن نحققه في هذه الحياة فقط عن طريق نكران الذات . في نكران السعي وراء السعادة والملذات ، فإننا بذلك نهرب من الوصول الى الألم والمعاناة . كذلك ، وتحت ظروف معينة ، فإنّ الانتحار يصبح مسموحًا بهِ ، لأنه يرى قائلًا ومتسائلًا أليس الموت سوى انعتاق وتحرّر رحيم ؟ هناك أيضًا تشابهات واضحة مع البوذية ومع مدارس فلسفية شرقية أخرى (مع أن شوبنهور أنكر التأثير المباشر ، لكنه كان في الواقع مسرورًا بسبب هذا الاتفاق المتزامن) .
إنّ تشاؤم شوبنهور كان له تأثيرٌ ضخمٌ في الفنون – في الموسيقا ، الشعر ، المسرح ، والأدب بشكل عام – ومع أنها لم تكن دائمًا مُخَصّصة أو تدل على «التشاؤم» ، فإنّها في الغالب وُجِدَت لتبيِّن نظرة «واقعية» معيارية قياسية في الفلسفة والعلم . إنها تناشد وتتوجه الى مَن كانوا مُعَذّبين وبؤساء : تبرير فلسفي رُبّما لحقيقة يُشعَر بها حدسيًا . ولكن هل هذا مُبَرّر ؟ هل الحياة في الأساس هي معاناة ؟ البعض يمكن أن يدخل في نقاش وجدل بأنّه لدينا الاختيار .
ومن الملاحظ أنّه في احدى فترات حياته ، تحوّل شوبنهور من الروح والعقل الى قوى الحدس، الابداع ، واللاعقلاني واللامنطقي ، وقد أَثّرت فكرته – جزئيًا عبر الفيلسوف نيتشه – في أفكار وطرق المذهب الحيوي فيما يتعلق بفلسفة الحياة ، بالفلسفة الوجودية ، وبالأنتروبولوجيا . وتجدر الاشارة هنا الى أنّ القرن التاسع عشر كان قرن التفاؤل انطلاقًا من التقدم المدهش في العلم والتكنولوجيا . وبتقديم وعرض الفيلسوف هيغل لتاريخ الغرب ، كقصة تطوّر ، قصة للادراك الدائم «العقل» في الشؤون البشرية أو الانسانية ، فإنّ ذلك قد سَبَا روح تلك الأزمنة . ومع ذلك ، فإنّ شوبنهور – الفيلسوف الرئيسي الوحيد الذي أعلن نفسه متشائمًا – اعتبر قصة هيغل المشار اليها هنا ، بأنها سرد لا قلب له .
وقد واصل القول ، بأن التقدم ما هو إلّا وهم : فالحياة كانت ، وكائنة ودائمًا ستكون معاناة : فهو يقول بأنَّ «الجهود التي لا تتوقف من أجل التخلّص من المعاناة ، لن تحقق شيئًا سوى التغيير في شكلها» . بعيدًا ، عندئذٍ ، عن كون العالم هو من خلق إله خيِّر ، أو من خلق وكيل عنه ، أو الفكر والمنطق الهيغلي ، فإنّ العالم هو شيء «يجب أن لا يكون ولا يوجد» من منظور شوبنهور .