حظينا زوجتي وانا باستقبال كوكبة من الاصدقاء الاعزاء بينهم سهيل وصلاح وامجد، الذين اتوا لزيارتنا بعد غياب قسري طويل فرضته علينا جميعا جائحة الكورونا. ولمّا كانت تلك الزيارة العائلية قد تمّت في مساء ذلك اليوم (19 حزيران 2020) الذي نُشر به مقالي الاخير"مصاري ناقص مراقبة يساوي فساد"، فكان من الطبيعي ان يتم التطرق ايضا الى قضية الساعة اي الى قيام البطريركية اللاتينية في الاراضي المقدسة بصفقة بيع 300 دونمٍ في مدينة الناصرة، لتغطية ما وصفته البطريركية حرفيا في بيانٍ خطيٍّ لها: " لتغطية ديون هائلة بمبلغ مئة مليون دولار وان هذه الديون ناجمة عن "سوء الادارة التشغيلية السابقة للجامعة الامريكية في مأدبا في الاردن"، وانها (اي البطريركية) " تنظر ايضا في بيع عدة ممتلكات في الاردن لتسديد بقية الدين..علما بانه لا يوجد ممتلكات كافية في الاردن لسداد الدين"!!...
قال لي سهيل "مشاغب المجموعة" كما نلقبه مداعبةً، بينما كان يحاول إخفاء ابتسامة طغت على محياه: " لوينتا في قضية الاوقاف بدنا نظلّنا حاملين السُلّم بالعرض يعني بعرض الطريق ؟". قابلتُ سؤالَ سهيل وابتسامته بابتسامة اعرض ذلك لاني اعرف ان سهيلا صديقي هذا هو من اكثر المنحازين للاوقاف والناقمين على العابثين بها، كما هو ايضا من اشد الداعين للمحافظة عليها وصونها واستثمارها لمصلحة احفاد من تبرع بها عملا بمقولة "ما اوقفه الاباء والاجداد هو ملك للابناء والاحفاد" و/أو بمقولة "الاوقاف قرش ابيض رصده الاباء والاجداد ليومٍ اسود"، وبالتالي فان حديثه عن "حمل السلم بالعرض" ليس اكثر من تعبير عن سخريته ممن يقول ذلك. لكن صديقنا امجد قرر ان "ياخذها جدّ" فقال لسهيل بحدّة واضحة: "عن أي عرض تتحدث؟ وهل الطرق التي يسلكها العابثون بالاوقاف هي طرق عريضة إصلا؟ أم انها ليست اكثر من مسارب ضيقة ملتوية وجحورمظلمة ينسلّ عبرها لصوصُ الاوقاف؟".
كنت اتابع حديث سهيل وامجد بمنتهى الاهتمام، لكني انفجرتُ ضاحكا عندما سمعت تعليق صلاح وهو يقول : "باختصار يا اخوان، طرقُ لصوصِ الاوقاف مثلهم تماما يعني بدون عرض"؟. اقول ضحكت لا لان الحديث كان مضحكا؛ لا لان الامر يستدعي الضحك، حتى ولا لان شرّ البلية ما يضحك"، إنّما ضحكتُ لاني تذكرت في هذا السياق، حكايةً نصراويةً لطيفة سمعتُها في الماضي فقرّرتُ ان ارويها لضيوفي عسىى يتغير مجرى الحديث ونتحرر من موضوع بحث قضية الاوقاف، فنعيد لسهرتنا صفاءها:
عرفَت مدينةُ الناصرة في الخمسينيّات والستينيّات من القرن الماضي، الكثيرَ الكثير من القامات الادبية الاجتماعية منها الثلاثي المعروف الاستاذ ميشيل حداد ابو الاديب صاحب مجلة "المجتمع" ورئيس تحريرها، والمربي الشاعر الدكتور جمال قعوار ابو ربيع والاديب المبدع طه محمد علي ابو نزار رحمهم الله جميعا. جمعت بين اضلاع هذا المثلث الادبي والاجتماعي الممتع الضحوك، روابطُ صداقةٍ متينة مميّزة ازالت الكلفة بينهم وفتحت باب المزاح على مصراعيه. هذا المزاح الذي كان يعطّر ايضا لقاءآتي مع كل من جمال الذي كان لي شرف مزاملته في دار المعلمين، ومع ميشيل الذي كنتُ التقيه كلما كنت ازور المدرسة التي كان يعلّم فيها (بادارة المرحوم الاستاذ امين الزيبق) مرافقا ومرشدا لطلاب دار المعلمين العرب، فضلا عن اللقاءات البيتية التي كان يبادر اليها بين الفينة والاخرى، صديقنا المشترك طيب الذكر الاديب المرحوم سليم خوري (ابو جبران). لكَم كنتُ اتوق لتلك اللقاءات التي كانت تفرحني بمزاحها وتثريني بالنصوص والكتب الادبية التي كان يتم التطرق اليها، وبالحكايات المعبرة والنوادر الطريفة، ومنها النادرة التالية:
عندما فتح طه محمد علي محلا لبيع التحف التذكارية للسُّيَاح الوافدين الى الناصرة، اتى صديقاه ميشيل حداد وجمال قعوار لزيارته في المحل وتهنئته بهذا المشروع. لاحظ طه ان جمال يبدي اهتماما بالمحل ويتفحصه بامعان، فساله: "كيف شايفلي المحل يا جمال؟". اجابه جمال بجدية مفتعلة: "المحل مليح ومبروك عليك. بَسّ الباب قليل عرض". شعر طه ان وراء هذا التعليق لا بد ان تكون مزحة معينة، فقرر ان يجاري جمال قائلا له: "طيب وشو فيها إذا الباب قليل عرض؟ّ". فاجاب جمال على الفور: "كيف شو فيها؟! يعني اذا اجت على المحل سيدة سائحة عريضة فكيف يمكنها الدخول؟". فتدخّل ميشيل ابو الاديب في الحديث قائلا لجمال: "سلامة فهمك يا جمال، إصلا هل في ست إلها عرض وبتفوت عند طه؟!".