كنت في الماضي قد تطرقت في احدى المقالات الى موضوع حق الجيرة, وذكرت في حينة كثيرا من مقومات الجيرة, الجيرة الحسنة, الأمانة, صيانة الجار, الاخلاص وكتمان السر ومقومات الجيرة بموجب معناها الحقيقي, وما كانت علية في نظر السالفين استنادا الى ما أجمعت علية الديانات والمعتقدات من حيث الوفاء والحفاظ وصيانة الجار, حيث ان حق الجارعلى الجار واجب لا جدل فيه مطلقا, والمقومات التي بنيت عليها الجيرة ومعناها مثلا: الجار جار ولو جار, فتش عن الجار قبل الدار, جارك القريب ولا اخوك البعيد, الله أوصى بالجار, هذه العبارات وما يدور في فلكها من معاني إيجابية خلاقة, حرص عليها السالفون من الإباء والاجداد ولم تفرق هذه المقومات في معانيها بين الجار والجار حيث ان المعنى ينطبق حسب تعاليم الديانات ونواهي وارشادات الاهل والسالفين, ذلك في توطيد الجيرة الحسنة ومقوماتها بين الناس ومع جيرانهم بالطبع دائما لتعميق النوايا الحسنة والحياة الهنيئة في الاسرة ومع الجيران أيا كانوا هؤلاء الجيران, لو كانوا من الاخوة, الأقارب, الاهل والأصدقاء من أطياف وطوائف عديدة, كما عاش الناس جيرانا امينين, مخلصين, متفانين حتى كانوا يحرسون جيرانهم في كثير من الأحيان دون اية منية.
اخواني القراء اخواتي القارئات: بودي ان اشير في هذه العجالة الى الوضع الذي آلت اليه الجيرة وجوهرها وما أصابها من التآكل والتراجع في معناها والتي تنتشر بين الناس دون الاشارة الى أحد في هذا السياق لان الهدف من هذه الظاهرة الغريبة التي حطت رحالها عند الجيرة ومعناها ونالت وتنال منها الكثير ان لن يتصدى لها أصحاب الضمائر الحية تفقد مصداقيتها.
وأود ان ابسط الامر باختصار لخطورته بين الأسر والعائلات والجيران والأقارب حيث يمكن التغلب على مثل هذه الأمور بعقلانية وبالتأني والتحلي بالتسامح والصبر والقناعة ذلك من باب الايمان بان الامر يقف عند حده دون اللجوء الى تصعيد الأمور وزرع بذور لا مكان لها بين الاهل والاقارب والجيران, ولو كان هؤلاء من طوائف مختلفة وأطياف متباعدة لأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية في ظل الوعي والإنسانية, من منطلق ان الجيرة الحسنة يجب ان تأخذ حقها في نشر المحبة والألفة والتعاون والأمانة بين اهل الحي الواحد حتى لوان الناس اتبعوا المقولة "أعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا" ايماناً منا بان القناعة كنز لا يفنى, وأن القناعة توحي للجميع بأن الأنسان مهما جمع من أموال ومهما اقتنى من أراضي ومهما تسنم من مناصب وجمع من مراتب ومهما شيد من ابنية وقصور, كل هذا لا يمكنه ان ينسى ولو للحظة واحدة انه لا يمكنه ان يصطحب في اخرته شيئا ويترك هذا الكون صفر اليدين.
فالأفضل لنا كآدميين ان نتبع مبدا الايمان والقناعة اللذين يهدياننا الى عدم جعل الجيرة الحسنة تتآكل وتفقد مصداقيتها بين الناس, لا في حالة فقر, ولا في حالة غنى, لان تآكل كهذا ينعكس سلبيا على حياتنا اليومية وتصبح الجيرة الحسنة في خبر كان, وبالتأكيد يمكن تجنب ذلك من قبل أصحاب الضمائر الحية والموضوعيين في الحياة, وعدم السماح للجيرة الحسنة والطيبة والتي في كثير من الأحيان عاشها السالفون, واعطوا نموذجا حيا لمعناها, فيجب علينا ان نصونها, نعم نصونها امد الدهر, لأنها حصنا منيعا وطودا ازليا يقي الحياة الاجتماعية ذات معنى دائما, بعيدة عن التآكل وعن فقدان معناها.
وأخيرا أملي ان يعمل معظم الناس المفكرين وغيرهم من أرباب وعمدة الناس في الحي الواحد، والقرية الواحدة والاسرة الواحدة، نعم الكل يعمل لصيانة هذه الجيرة من التآكل لتبقى محصنة منيعة كالطود، لا تزعزعها الدهور وفي طياتها نبذ السوء والتباعد بين الناس، عندها يشعر معظم بني البشر بالحيوية وبمعنى الحياة المبنية على جيرة حسنة ونبذ كل ما هو عكس ذلك