عَمَدَ سلَيْم أَبُو عِمَاد الِاسْتِجَابَة لِطَلَب الْخِدْمَة الإِجْبارِيَّة الْمَفْرُوضَة عَلَى أَبْنَاءِ عَشِيرَتِه.. اِنْسَجَمَ مَعَ الْوَاقِع الْمَفْرُوضِ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْآخَر مَعْنَاه السِّجْن او الملاحقة، وَسَدّ مُخْتَلَفٌ مَصَادِر الرِّزْق إمَامِه، إِنتوى أَنْ يَتَقَدَّمَ لِيُصْبِح ضابطًا، لَا سِيَّمَا وَأَنَّ ذَلِكَ سَوْف يمنحهُ امتيازات كَثِيرَة.. الْمَعَاش الكبير، الخروج إلَى التَّقاعُد فِي سِنِّ آل ثَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مَع منحة مَالِيَّة تُقدّر بمليون شاقل وَعِنْدَهَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ جَوْدَةِ حَيَاتِه، يشْتري كُلُّ مَا يُرِيد ويُسَافِرَ إلَى مُخْتَلَف الدُّوَل، أُغْمِض عَيْنَيْه وَاسْتَسْلَم لأحلامه الْوَرْدِيَّة حَتَّى يَتَحَقَّقَ لَهُ مَا يُرِيدُ أَخْذَ يكدّ ويجتهدّ فنجح بِكُلِّ مَا أُنِيط بِهِ مِنْ مُهِمَّاتِ صَعْبَة فتدرج فِي الْمَنَاصِبِ العَسْكَرِيَّة لِيُصْبِح ضَابِطًا كبيراً، اعْتَقَد بِأَنَّهُ متساوِ مَع زُمَلائِه الْيَهُود وَأَخَذ يَرْفَعُ صَوْتَهُ يَتَحَدَّث بِثِقَة وَكِبْرِيَاء يُنَاقَش مُعْرَبًا عَنْ وَجْهِهِ نَظَرٍ مُعَارَضَة لِبَعْض الخُطُوَاتِ الَّتِي تَتَّخِذُهَا القِيادَة مِمَّا أزعجها.
كُلِّف بقمع مُظَاهَرَة جَرَتْ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي أحْتَلْت عَام آل 67، رَفَض إطْلَاق النَّارِ عَلَى الْأَطْفَالِ فاستدعي إلَى جِلْسَةِ تَوْبِيخٍ، قَالُوا لَهُ بَعْدَ أَنْ عنّفوه:
*نَحْن نقدّر إحساسك الْمُرْهِف وَلَكِن نَحْنُ لَا نَلْعَب وَلَا نمازح، أَنَّنَا فِي حَالَةِ حَرْبٍ وَلَا وَقْتَ للعواطف لِأَنَّنَا نَكُون أَوْ لَا نَكُونُ!! لِذَلِكَ مِنْ الْمَفْرُوضِ أَنْ تَنْفذَ التَّعَالِيم أياً كَانَت.
مرّت أَيَّام فاُستدعي لِلْأَشْرَاف عَلَى كَتِيبَة تَقُوم بِحِراسَة جَرّافَة أُحضرت لِهَدْم إحْدَى الْبُيُوت، فَاعْتَذَرَ عَنْ الْقِيَامِ بالمهمة معللًا مُعَارَضَتِه بِأَنَّه يُعَانِي مِنْ حَالةِ إِسْهال شَدِيدَة، وَهُنَا قَرَّرْت القِيادَة التَّخَلُّصِ مِنْهُ وَإِخْرَاجُه إلَى التَّقاعُد الْمُبَكِّر مَع الضَّمَانَات بِالحِفَاظِ عَلَى كَامِل حُقُوقِه.
عَاد سلَيْم إِلَى بَيْتِهِ وعايش حَاصِل قَرْيَتِه بِكُلّ تَفَرُّعَاتِهَا، كَانَت الشَّرِكَات الَّتِي تُفْعَلُ أَجْهِزَة الاتصالات قَدْ اخْتَارَتْ بَلَدِه لِنَصْب هوائياتها كَوْنِهَا تَقَعُ عَلَى رَأْسِ الْجَبَلِ وَمُشْرِفُة عَلَى كَافَّةِ الْجِهَات.. َتَبَيَّن للسُّكَّان بِأَنَّ هَذِهِ الهوائيات أَدَّتْ إلَى انْتِشَار الْأَمْرَاض وَخَاصَّةٌ سرطانية الَّتِي أوْدَت بِحَيَاة الْكَثِيرُ مِنْهُمْ ، فَقَرَّر سلَيْم أَنَّ يُحَارِبَ هَذِه الظَّاهِرَة فأَخَذ يَشْرَحُ لِلنَّاسِ مَسَاوِئ ومجَازِف هَذِه الهوائيات فَتَجْمَع الْكَثِير حَوْلَه وَأَقَام الشَّبَاب بجَبَّ عِدَّة هوائيات ، لَكِن الْأَمْرَاض اسْتَمَرَّت فِي اِنْتِشَارُهَا فَاشْتَرَى جهازًا يَكْشِفَ عَنْ تَوَاجَد أَمَاكِن الهوائيات المخفية، لَمْ يرُقْ ذَلِك للأجهزة فِي الدَّوْلَةِ لَا سِيَّمَا وَأَنَّ الْمُجْتَمَع الْيَهُودِيّ رَفَض إقَامَة الهوائيات فِي أَمَاكِن سُكْنَاه ، وَجَنْبًا إلَى جَنْبِ قَرَّرْت السُّلُطَات مُصَادَرَة مَا تَبَقَّى مِنْ اطيان بِمِلْكِيَّةِ الْقَرْيَة تَحْت مُسَوِّغات مُخْتَلِفَة، مِنْهَا تَوْسِيع الشَّوَارِع وتمرير عِدَّة مَشارِيع تَخْدُم كَافَّة الْمُوَاطِنِين.. قَرَّرْت دَفَع تَعْوِيض باخِس ثَمَن الدُّونَم
فأعتَرَض أَهْلِ الْبَلَدِ وَجَرَت مظاهرات عَنِيفَة وَفِي النِّهَايَةِ أُجْرِيَت مفاوضات طَلَب السُّكَّان اِسْتِبْدَال الْأَرْض بِأَرْضٍ أُخْرَى فَزَعَمَت السُّلُطَات الدَّوْلَة أَنَّهَا تفتقد إلَى مَخْزُون مِنْ الْأَرَاضِي.. أَخَذ سلَيْم الخَرائِط ودرسها مُبَيِّنًا كَذَب ادِّعَاء السُّلُطَات وَهُنَا قَرَّرْت التَّخَلُّصِ مِنْهُ نهائيًا، فكّرت بحيْلَة وَسُرْعانَ مَا وَجَدْتهَا، هُنَاكَ أَحَد رِجَالِ الْمُخَابَرَات يُدْعَى " افيف" خَدَم تَحْتَ إِمْرَتِهِ أَثْنَاء خِدْمَتِه فِي الْجَيْشِ، تَرْبِطُه مَعَه عِلاقَة قَوِيَّةٌ وذٍكريات، تَمّ اسْتِدْعَاء " افيف" وشرحت لَه الْمُهِمَّة:
*عليك أَنْ تَقُومَ بِزِيَارَة مَسائِيَّة، لصديقك سليْم أَبو عِمَاد، قَدَّمَ لَهُ الْمَسْؤُول عَبْوَة صَغِيرَة وَقَالَ لَهُ: عَلَيْكَ أَنْ تستغفله وَتُسْكَب بَعْض النِّقَاط دَاخِل كَأْس الْمَشْرُوب الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ وَعِنْدَ الصَّبَّاح يَكُونُ فِي خَبَرِ كَانَ .
انْزَعَج افيف وَقَال:
-أن سليم مِنْ أَعَزِّ الْأَصْدِقَاء ثُمَّ إنَّهُ يَمْلِكُ ضميرًا متقدًا فَلِمَاذَا الْعَمَل عَلَى تَصْفِيَتِه؟
قَال الْمَسْؤُول عَنْه:
*انه يَقِف لَنَا كالشوكة فِي الْحَنْجَرَةِ.
قَال افيف:
-اعفوني مِنْ هَذِهِ الْمُهِمَّة.
قَال الْمَسْؤُول:
لا يوجد أفضل منكَ لهذه المُهمة، فهناك ذكريات وصداقة قوية تربُط بينكما.
بَعْد نَقّاش طَوِيل وَافَق افيف عَلَى مَضَضٍ وَقَام بِزِيَارَة سلَيْم إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ الْمُنَاسَبَة لسكب النِّقَاط فِي كَأْسِه وَاعْلَم ضَابِطُه بِالفَشَل فِي الْمُهِمَّةِ، وَهُنَا اِسْتَشَاط مَسْؤُول الْمُخَابَرَات غضبًا وَأَمَرَه بِمُحَاوَلَة التَّجْرِبَة مَرَّةً أُخْرَى قَالَ لَهُ:
*انا نستطيع أن نصفي العلماء العرب ومن نشاء في اقاصي الدنيا فهل نفشل في تصفية من هو تحت شباكنا.. سنمنحك مزيدًا مِنْ الْوَقْتِ وَاصَلَ تقربك مِنْه، ادَّعَوْه إلَى مَأْدُبَةٍ عِشَاء اولًا وثانيًا وَعِنْدَهَا سيتسنى لَك وَضَع النِّقَاط فِي الكَأْسِ، حَدَّثَهُ عَنْ مَدَى محبتنا لعشيرته وَلَا تَنْسَى مُعانقته قَبْلَ الْفِرَاقِ