بقلم د. نجيب صعب- أبوسنان نائب رئاسة اتحاد تعليم الكبار الإسرائيلي
في عدد مجلة الهُدى الغرّاء رقم41 والتي تُعنى بشؤون الطائفة الدرزية ألصّادر عام1977 ما يُوازي عام 989 للدعوة الدرزية والذي استمدت الهُدى المعلومات عن مجلة " الضُحى " عام 1960 ، لفت انتباهي ما ورد فيها عن مؤتمر درزي آنذاك ، وقد صدرت المعلومات التاريخية التي يترتب ذكرُها وتدوينها انصافاً لبني معروف في التاريخ والفضل الأول والأخير لما أعد هذه المعلومات ونقلها لمجلة الضُحى الموقرة والتي أوردت فيما أوردته أنه تم الاتفاق على عقد مؤتمر درزي في لبنان في تلك الفترة ،وقد يكون الأول من نوعه في تلك الآونة ، وقد أشار القيّمون على تنظيم هذا المؤتمر بأنه كان قد صدر نوع من عدم رضى من كثيرين من أبناء الطائفة آنذاك ، وكان المنظمون يرددون القول : نعم مؤتمرا درزيا في هذا العصر ، وفي هذا الوطن "لبنان" الذي يقوم كل شيء فيه على الطّائفية من الوظيفة ، الى المدرسة ،الى المنظمة والى المؤسسات الخيرية ،كلها طائفية بل مذهبية ، هذا مما ورد في المقال ،نعم مؤتمر درزي انها الحقيقة الصارخة، والاقتداء المتأخر بسائر إخواننا ابناء الطوائف الذين ملاؤا هذا البلد وطرُقاته وساحاته بالشعائر الدينية، وارتفعت أصواتُهم في مؤتمراتهم تُنادي بحقوق طوائفهم، ونحن بهم اقتدينا وعنهم أخذنا ، وان كنا لا نزال أطفالا نحبو في هذا الميدان.
ولو كان لنا لسان ناطق ودعاية مركزة وبعيدة كدعايات أصحاب الدعايات من الدول والجماعات، دعاية صريحة صادقة وواسعة، لو كان لنا ذلك لكان من حقِنا ان نكون أساتذة العالم في التساهل الديني والتسامح الوطني.
فهل فعل غيرُنا وبنوا لنا معبدا أو مجلسا أو ساعدونا في شان من شؤوننا ونحن في الامس بنينا الجوامع والكنائس والاديرة بالعشرات؟؟
فقد بنى اللمعيون يوم كانوا على مذهب التوحيد ديرا واربع كنائس ، وبنى بنو القاضي ومن بعدهم أصهارهم الجُنبلاطيون دير المُخَلِص للكاثوليك ، وشاد بنو جنبلاط كنيسة في المختارة ، وبنى بنو أبي نكد دير الناعمة للموارنة في الشّحار ، وساعدوا الكاثوليك في بناء دير عميق في المناصف ، وبنى التلاحقة ديرالشير للكاثوليك ما بين عاليه وسوق الغرب ، وبنى بنو مزهِر للموارنة كنيسة حمانا ،وكل هذا معروف ومشهور ولا يزال قائما ، مسجلة تواريخه في سجلات الكنائس والاديُرة ، وتشهد بذلك التواريخ المنقوشة على بعض أبوابها ، وبنى المعنيون والتنوخيون الجوامع والمساجد في بيروت ، كما بنى بشير جنبلاط جامعا في المختارة هدمه بشير الشهابي .
وانصافاً للتاريخ وابرازا للوقائع الحقيقية نُنوه الى ان الامير السيد قدّس الله سرّه، وهو ولي الله عند بني معروف والمقدَم فينا في مذهب التوحيد، نعم استقدم قدّس الله سرّه بني سركيس الى بلدة عبيه، وأسكنهم في جواره، وأوصى لهم بالحنطة والزيت حسنةً مستمرة دائمة يعطوها كل عام، والسؤال الذي يطرح نفسه على راي المؤتمرين هو: هل يجرؤ رجل من رجال الدين في غير بني معروف ان يفعل في يومنا هذا " المقصود عام 1960 " ما فعله هذا الرجل الصالح منذ 550 عاما؟؟؟
وفي الحقيقة لا بُد من التنويه الى أن من فعل هذه الأفعال حقا لا يجوز أن يُنعت بالتعصب بشكل مُطلق ، وبالأحرى أن مثل هذه الافعال والاعمال الخيرية لا بد أنّها تصدُر عن ايمان صادق بالله ومِن روح التسامح والعيش المشترك وبكرامة لجميع أبناء الطوائف دون فرق في الدين والعنصر والجنس ، وانما يجمع الطوائف تحت اسم لبنان الذي يُحبُه الجميع ، وكذلك ينبغي التنويه أيضا الى أصالة بني معروف في حسن الجوار ، والتسامح وعمل الخير وتوطيد معاني ومقوّمات التفاهم والاحترام المتبادل ، وبدون ريب أن كل ما ذُكر نابع من أعماق ونواهي دين التوحيد الذي ينهل بنو معروف من أعماقه مبادئ احترام الغير وتقديره والعيش جنبا الى جنب بأخوّة وتفاهم واحترام مع جميع أبناء الديانات ، هذا ما ظهر وبرز على مدى الأجيال والعصور في الحفاظ على هذه المبادئ منذ بزوغ فجرهم في التاريخ ، وان ما ذكر من إنجازات الدروز فيما ورد لباقي الطوائف انما هو أكبر دليل على نُبل أخلاق هذه الدوحة المعروفية وخاصة في بناء المساجد والكنائس تأكيداً لاعتقاد أبناء معروف ان الدين لله والوطن للجميع والله الموفق في هذا النهج الإنساني ،ليعيش الجميع بدون استثناء في تفاهم واحترام متبادلَين جنبا الى جنب متحابين ومتفقين جميعا على نبذ الضغائن والكراهية كما تدعو الى ذلك جميع الديانات والله من وراء القصد .