لك الرحمة أبو حنا، منذر نصرالله شهيد لقمة العيش... استيقظتَ باكرًا قبل شروق الشمس، متوجّهًا نحو أرضك التي عشقتها، بحثًا عن لقمة عيشك، في أشرف مهنة وهي فلاحة الأرض. هنا كانت النهاية، عندما انقلب عليك الجرّار الزراعي وبقيت تحته، تصارع من أجل البقاء، لكن التراب احتضن روحكَ الطّاهرة، ولفظت الأنفاس الأخيرة.
هنا في التلال وأتلام التربة والصخيرات والعرق المنصب من جبهتك، بحثت عن لقمة عيشك، بحلال، نقي اليدين... كنت يا أبا حنا حارس الأراضي وعاشقها، فما قيمة زهر اللوز اذا لم ترَه العيون وترشده لعبق التراب.. وما قيمة المطر إذا لم ينظر الفلاح إلى السماء مناجيًا بدعواته المقدسة.
لا يوجد معنى لسرب الطيور المهاجر، إذا لم تبشّر بقدوم الشتاء... وأسراب الفراشات الملونة، تعرف طريق الفلاح، وتعرف عاشق الهضاب للندى، التي أبكت أصحابها. كنت صاحب النخوة، وعرفت أصولها.. كنت صاحب الواجب والواجبات، صديق كل الناس.
لم تسمح للعصافير أن تفر نحو الوديان قبلك.. أبا حنا، تشرفت بمعرفتك وصداقتك، فقد ميزك حبك لبلدك، غيورًا على جماعتك وأهلك، عرفت بحياتك محطات الشقاء، ومواقف عكست طينتك وجذورك الأصيلتين، وابنًا لعائلة جذرها في الأرض الطيبة..
أبو حنا... شاهدتُ تشقق الشقاء بكف يدك، وأثر شوكة لم تنسحب من كفك الخشن، ومن حدود الأراضي التي عزقتها... شاهدت فيك أبًا مخلصًا لأولاده وأحفاده، وبيتًا يقبع في طلعة صعبة مثل عيشك الصعب... لكنك لم تتخلّ عن ابتسامتك، وكنت مقتنعًا في القليل، تعيش على أمل آخر.
أبو حنا يا شهيد لقمة العيش، ستذكرك الأرض وبذور العطاء الذي زرعتها فيها، امتدت في جهات السواقي والأرض لا تخون حبيبها، تعرف الوجوه التي مرّت وجلست تحت ظلالها، وشقت يديها من أجل خصيبها... أبو حنا لك الرحمة.