لقد امتلك الفيلسوف ، والفزيائي والرياضي الفرنسي «بليز باسكال» (1662-1623) فكرًا وذكاءً استثنائيًا غير عادي بالإضافة الى إيمانٍ ورِع ، ولكن مساعيهِ الأكاديمية كانت دائمًا على خلاف مع تعامله الديني . وبإسهاماتهِ المهمة التي قام بها في الرياضيات والفيزياء في سن مبكرة ، فقد تعرّض للقلق وعذاب النفس بمثل هذه الانجازات وما تمثّلهُ : استقلال الانسان عن خالقهِ . لقد كان هذا الاستقلال بالارادة هو الذي سبب السقوط في جنة عدن ، وقد رأى باسكال الاغراءات نفسها في البحث عن الحقيقة الفكرية : العقل قد زوَّد أساسه وقاعدته للمعرفة ، وبالتالي خطا خطوة بعيدًا عن الإيمان . كذلك أدّى ذلك الى خطيئة الكبرياء ، علاوةً على ابتعاد الانسان عن الله «انظر،» يبدو القول ، «فيما أنا قد أنجزت .»
في سن 31 سنة ، خاض باسكال تجربة متصوفة ، أدّت به كليًا الى أن يدير ظهره للعلم ، حاصرًا ومُقيّدًا استقصاءاته الرياضية ، ومقتصرًا تأملاته وتفكراته الفلسفية على الأمور الدينية الحازمة . وكتاباته من هذه النقطة تركَّزت على - «رسائل المقاطعات» أو «الرسائل الريفية» و «خواطر» ، والتي الآن أفضل ما يُعرف بها – وهي معالجة مشهورة لمواضيع دينية ، تتراوح بين نقاشات ومجادلات مؤيّدة للإيمان الديني ، وهجومات على الإساءات المعاصرة والنفاق في أجواء الكنيسة الكاثوليكية .
وفي هذه الكتابات الأخيرة ، نجد هذه الاقتباسات المذكورة أعلاه . وهو يتابع القول : «إنّ القلب هو الذي يختبر الله ، وليس العقل . هذا ، إذًا ، هو الإيمان : إنّ الله يتم الشعور بهِ بواسطة القلب ، ليس بواسطة العقل .» ويتم طرح التساؤل فيما اذا كان ليس للعقل دور في الإيمان ؟ رُبّما ، لكن فقط لإيضاح وبيان الطريق للإيمان ، وليس سببًا للإيمان نفسه ، الذي هو هدية من الله . لكن باسكال أيضًا ناقش مجادلًا بأن العقل وحده ليس كافيًا لأيّ جانب في الحياة ، لأن أشياء كثيرة ممكنة منطقيًا وهي ليست في الواقع حقيقية – فكيفَ ، إذن نقرِّر بينها ؟ «نحن نعرف الحقيقة ، ليس فقط بواسطة العقل ، لكن أيضًا بواسطة القلب» : كي نتعرف على الحقيقة ، يجب أيضًا أن نشعر بها . وقد قال بسكال بأن «القلب لديهِ أسبابه بحيث أن العقل لا يعرف شيئًا» .
يقول باسكال : «إنّ الإيمان هو رهان حكيم . من حيث أنّ الإيمان لا يمكن اثباته أو البرهنة عليه ، فما هو الضرر الذي تتعرض إليهِ إذا قامرت على حقيقته وبرهنت عدم صحته ؟ إذا ربحت ، فإنّك ربحت الكل ؛ واذا خسرت ، فانّك لا تخسر شيئًا . لذلك ، راهِن بدون تردد ، بأنّه موجود . » .
إنّ العقل لا يمكنه البرهنة على وجود الله ؛ الايمان نحتاج إليه . بدون الإيمان ، علينا أن ننتظر لتغيير في القلب ؛ لا يمكن أن يُفرَض بالقوة ، لكن يجب أن يأتي منسجمًا من نفسه . على كل حال ، العقل يمكنه أن يشجِّع الإيمان ، مُمَهِّدًا الأرض، بحيث أنّه ، إذا أو عندما يصل ، يكون لديهِ دعم ومساندة العقل .
دعونا ننظر الى هذا من خلال عيون مقامر . رهانك هو : نفسك أو روحك الخالدة/ سعادتك الأرضية ؛ أرباحك ، مكافأتك الأبدية/ عواقب أو نتاج الاختيار على نحو صحيح أو قديم . لديك أربعة اختيارات : لا تؤمن ، إنه غير موجود ، وزِدْ الى الحد الأعلى حياة تتعقّب وتتصيّد الملذات الأرضية ؛ لا تؤمن ، إنه غير موجود ، وكذلك- الاعتماد على كيفية تَعَقّبُكَ جديًّا تلك الملذات الأرضيّة – إنكَ تحصد أبديّة معاناة ؛ صدِّق وآمِن ، إنّه غير موجود ، لكن من حيث أنه (دعنا نفترض) لا يوجد ربّ لا يساوي أيضًا آخره أي حياة بعد الموت ، فليس لديك فرصة أن تأسف على حياتك البليدة والتافهة للانسجام الديني ؛ أخيرًا ، آمِن ، أنه غير موجود ، وبذلك تربح الجائزة الكبرى . إنّ هذا الاختيار الأخير لديه المكافأة العظمى والخطر الأقل . إذا أنت لم تراهن على هذا ، ويحوِّل وجهته ليكون صحيحًا ، فإنك إذن سيكون لديك الخسائر القصوى – لأنه ما هي المكافأة الأبدية التي تتلو الحياة الفردية للّذة والألم؟ لقد قامرت بنفسك أو روحكَ وخسرت . واذا كان ذلك ليس صحيحًا؟ حسنًا ، على الأقل إنّك لعبتَ الصعاب! إنّ النقّاد يشيرون الى أنّ المقامرة ليست في الحقيقة أساس أو قاعدة للإيمان . أي نوع من الأشخاص يمكنه أن يقبل هذا الرهان ، وكيف يمكن لله أن يحكم على مثل هذا الشخص؟ هناك آخرون يركّزون على انصراف باسكال عن الحياة الالحادية الكافرة : لماذا لا يمكن لحياة إلحادية أن تكون نبيلة وذات معنى بصورة متساوية؟ على أية حال ، هناك آخرون يتعاملون مع الصعاب أنفسهم : بكَوْن هناك العديد من الأديان المختلفة ، فإنَّ باسكال يتساءل على أيّ منها يجب أن يتمّ الرِهان؟ وماذا اذا حصل الاختيار بشكل غير صحيح...؟ وهذا على حد تعبير وقول باسكال في كتابهِ «خواطر»
(Les Pensées) الذي اعتمد عليهِ هذا المقال بِمُجمَل التفاصيل الواردة أعلاه .
وممّا يجدر ذكره أن «بليز باسكال» إشتُهِرَ بتجاربهِ على السوائل في مجال الفيزياء ، وبأعماله الخاصة بنظرية الاحتمالات في الرياضيات وهو مَن اخترع الآلة الحاسبة .