الحب كتناقض في السونيتة الشكسبيرية رقم 115
بقلم : الدكتور منير توما كفرياسيف
قبل البدء في تحليلنا وتعليقنا على سونيتة شكسبير رقم 115 ، أود أن أسوق نص هذه السونيتة التي نقلها الى العربية البروفيسور كمال أبو ديب (أستاذ كرسي العربيّة المكرّم في جامعة لندن) على النحو التالي :
تلك الأبيات التي كتبتُها من قبل تكذب ،
حتى تلك التي قالت إنني لا أقدر أن أحبك أكثر ،
ومع ذلك ، فإنّ ملكة المحاكمة عندي لم تكن عندئذٍ تعرف أي سبب
يجعل شعلتي المتوقّدة أقصى التوقّد تكون بعد ذلك أشدّ اضطرامًا .
غير أن الزمن المتقلّب المحاسب التي تزحف عوارضه بملايينها
لتفصل بين المتعاهدين ، وتغيّر مراسيم الملوك ،
تلطّخ الجمال المقّدس ،
وتكهم أحد النيّات نصلًا ،
يحوِّل أقوى العقول الى مدار الأشياء المتغيرة .
ويح نفسي لماذا لم يكن لي أن أقول عندئذٍ ، خائفًا طغيان الزمن ،
«الآن أحبّك أكمَلَ الحبّ» ،
ما دمتُ على يقين في عالم اللايقين ،
متوِّجًا الحاضر ، ومرتابًا بكل ما سواه؟
الحب طفل وليد ، إذن أليس لي أن أقول هذا ،
لأمنح النمو الكامل لما يظل دائمًا يتنامى؟
تحليل وتعليق على السونيتة :
إنَّ التأملات الغيبيّة الماورائية القريبة من عصر الحب ، والفكرة في كيف يمكن أن يبدو شابًا جدًا صغير السن ، وناضجًا في الوقت نفسه ، كانت مألوفة تقريبًا في الزمن الذي كُتبت فيهِ هذه السونيتة . إن السونيتة هذهِ رقم 115 تحمل تشابهًا لقصيدتين من تأليف الشاعر الانجليزي جون دَنْ وهما : «نمو الحب» و «لا نهائية المُحِبّ» . إنّ آخر سطرين من «نمو الحب» يقولان «إنني اعتقد أنني كذبت طوال الشتاء ، عندما أقسمت إن حبي كان لا نهائيًا ، إذا كان الربيع يجعله أكثر.» إنّ فصول السنة كانت استعارة شائعة لصغار السن أي الشباب . في قصيدة «لا نهائية المُحِبّ» ، جون دَنْ يتفكّر ويتأمّل في قلب المحبوب : «مع ذلك ، فإنني لم امتلك كله حتى الآن ، هو الذي امتلك الكل لا يمكن أن يمتلك غير ذلك ، ولأنّ حبّي يعترف كل يوم نمو جديد ، انت يجب أن لا يكون لديك مكافآت في المخزن.» مع أنَّ المتكلِّم يريد أن يمتلك «الكل مع ذلك» لقلب المحبوب ، فإنّه يعترف بأنّه لا يريد أن يستلمه مرّة فقط ، لكن أكثر قليلًا كل يوم .
إنّ السطر الخامس في هذه السونيتة يعود الى «الزمن المتقلّب» ، مصورًا ومشخصًا الزمن كالشيء الذي يحفظ مسار كل الشؤون الإنسانية . في السونيتات الأخرى ، تمّ تصوير وتشخيص الزمن كمدمِّر الشباب والجمال بدون رحمة . هنا ، ما زال يُوصَف الزمن كمستبد طاغية ؛ وفي السطر التاسع ، فإنّ المتكلم يعترف بكونهِ «خائفًا طغيان الزمن.» على أية حال ، فإنّ هذه السونيتة تبحث عدم قدرة الزمن على التنبؤ أكثر من تدميره الذي ، بالطبع ، قابل لأن يُتنبأ به ولا يمكن ايقافه. إنَّ الزمن يوصف هنا بأنه «متقلّب» ، لكن الشاعر ما زال يخاطب ويوجه كلامه الى حتمية تدميره للجمال ، وهذهِ الثيمة أو الفكرة المركزية يركز عليها الشاعر في سونيتات أخرى . إنّ «الزمن المتقلّب المحاسب الذي تزحف عوارضه بملايينها» والأحداث غير المتوقعة ، «تلطخ الجمال المقدّس . إن التلطيخ كان العملية التي تستخدم لتحضير التخفي بالجلود . ولم يكن صفة مداهنة ونفاق للشخص . وبطريقة مماثلة ، فإنّ الزمن» سيكهم أحد النيّات نصلًا» أو يجعل الرغبة الجنسية بليدة . إنّ كلمة «تكهم» مستعملة بنفس الطريقة في سونيتة رقم 56 ، حيث الشاعر يخاطب الحب ذاته : «أيّها الحب العذب ، جدّد قوتك ، لئلا يقال إن نصلك أقل إرهافًا من الشبق» . (كَهِمَ : ضَعُفَ ؛ كَهِمَ السيف : كلَّ ولم يقطع) . إنّ السطور 12-11 في هذه السونيتة رقم 115 تخاطب وتتوجه الى الشيء المشكوك فيه في المستقبل مقابل وإزاء حقيقة ويقين الحب . إنَّ عبارة «على يقين في عالم اللايقين» تعود الى الشاعر عند كونه في الماضي، عندما أعلن بشكل غير صحيح بأنّه من الممكن لا يستطيع أن يحب السيّد الجميل أكثر . إنّ هذه العبارة تذكرنا بسونيتة رقم 107 : «وكلّ ما كان موضع ريبة أصبح الآن يقينًا متوّجًا.» إنَّ موضوع العبارة «متوِّجًا الحاضر» غير واضح ؛ من الممكن أن يكون «حبّي لك» أو «أنا» للسطر السابق ، أو «يقيني.» من الممكن أيضًا بأن الموضوع هو «اللايقين» الخاص بالمستقبل ، الذي يجعله منطقيًا لوضع الثقة والإخلاص في الحاضر فوق «كل ما سواه» . إنّ المقطع النهائي الشعري المؤلف من بيتين غامض ؛ النقّاد والمفكّرون فسّروا ذلك بطرق متناقضة . الأول ، ممثلًا في القسم أعلاه ، هو أنّه من حيث أنّ الحب دائمًا صغير السن أي شاب ، فإنّه كان من الخطأ للشاعر أن يؤكد بأن الحب قد كان في أوجه وذروته في الماضي . بإعطائهِ «النمو الكامل» فإنّ الشاعر كان مخطئًا ، لأنّ الحب «يظل دائمًا يتنامى» . على كل حال ، النظرة المعارضة هي «إذن أليس لي أن أقول هذا «تعني ،» لماذا أنا ليس لي الحق أو لست جديرًا أن أقول ...؟» ولأنّ الحب هو تناقض ؛ فإنهما معًا الى الأبد صغيران أي شابان ، لأن الحب دائمًا يتنامى أكثر ، لكن الشاعر دائمًا يرغب بأن ذلك غير ممكن أي مستحيل ، مثل أنه كامل النمو .