زنابق ورياحين
ديوان الدكتور منير توما
بقلم : أنطون حنا فرح كفرياسيف
أهدانا الأديب ، الشاعر الدكتور منير توما 3 دواوين شعرية ، هي : 1. زنابق ورياحين 2. نفحات عطرية 3. قصائد رشيقة . بالإضافة إلى كتاب رابع «دراسات وترجمات فكرية وأدبية» . الكتب الأربعة صدرت هذا العام 2021 عن مطبعة عالم الطباعة – كفرياسيف . الجليل .
يقع ديوان زنابق ورياحين في 108 صفحات ، ويحتوي على 42 قصيدة . ومن جميل قوله في الإهداء : «إلى من يجعل من مسائه مقدمة لتفاؤل صباحي مفعم بروح المحبة والإشراق» . أولى قصائد هذا الديوان قصيدة «فردوس قيامة» وفيها يرى أن الحياة تزهر في أوراق الشجر الخضراء ، إذ يقول : «في أوراق الشجر الخضراء أرى حياة تزهر في بستان عِلمٍ» . أعشابه الصفراء تُدبْر نحو جحيمٍ عن قيامةِ أبرارٍ تُخبْر . «يعودون إلى فردوسٍ طافح ببراعم أدمغة . آن لها أن تُثمْر» ص5 . وقد أعجبتني كثيرا قصيدته «كلمة حق» التي يدعو فيها إلى الأخلاق الحميدة ، ويقول : «تَحلَّ بخُلُقٍ كريم واصغِ لقول سليم وكن ناطقا بالحقِّ وبرأي سليم ... فلا تظلم بريئًا عرفناه مِن قديمٍ» ص9 . وفي قصيدته «فلسفة حياتية عابرة» يرجونا أن نفعل الممكن لنحيا حياة أمل ورجاء ، كرامة ووفاء ، ويقول : «إفعلوا الممكن إن أردتم حياةً تضمن الرجاء وتنبذُ شقاءً مزمن فالحياة نواةٌ لثمار سماءٍ قدّمتْ نورا وكرامةً لكل تقيٍّ مؤمن» ص12 . ولن ينسى طموح الفتيات ، فيقول في قصيدته : «إلى الفتيات الطموحات إلى العلم :
« أبدعت يا بنتَ الرضى ولحكمةٍ أشعلْتِ قدرةَ عقلكِ المتجدد
نِعمَ المقالُ مقالُكِ الأولى لمن لكِ في الهدايةِ والسماحةِ يُسنِدِ
بكِ في مسار الدربِ أعظمُ ثورةٍ شَرُفَتْ ، وغيرُ العِلمِ ليسَ بسؤدُدِ» ص15
ويرى أن المرأة تتقلب كموج البحر ، فيقول في قصيدته : «إغراءات هوى عابرة» :
كموجِ البحرِ في دنياها تتقَلَّبُ
ولإرضاءِ غرورٍ كامنٍ تتأهَّبُ (ص21 )
أما قصيدته «واقعٌ وخيال» فتذكرني في بدايتها بالشاعر السوري نزار قباني ، إذ يقول الدكتور منير : «وزّعتُ على النساء دفاتري وقرأنَ نصوصي مدركاتٍ مخاطري وفرحتُ حين جيَّشتُ أحبتي لتلوين عشقي وتعديد مصادري» ص25 . والحب في نظر شاعرنا وسيلة لا غاية ، إذ يقول : «فالحب عندي وسيلةٌ نشوةٍ لا غاية لطرقِ المنابرِ» ص 25 . ولا شك أن حيفا من أجمل مدن البلاد ، وفيها يقول :
يا حيفا ، كم من عاشقٍ لكِ ناظرٍ لولا الذي تُرضينَ لم يك عاشقا
أغدقتِ في فكر الخيال ، كأنما جُعلَ الخيالُ على سماكِ مُرافقا
والبحرُ ، حُلْمُ السابحين ولعبُهم مرأىً على جَبَليْكِ يًسهرُ رائقا . ص 31 وفي قصيدته «رحلة خواء» نرى أن السحابة تذكره بالعمر الذي يجري سريعا ، فيقول : «سحابةٌ مرَّتْ ذكرتني بعُمْرٍ يمضي سريعًا وقطراتُ غيثٍ تُجسِّدُ أملا عاش في فؤادي عقودًا مِن الزمن» ص36 . وفي قصيدته «دنيا هباء وضباب» نجد أن دموعه قد تجمدت في مآقيها ، ولذا لم يستطع البكاء ، فيقول : «أردتُ أن أبكي لكنَّ الدموعَ تجمدتْ في المآقي وقد حزنتُ على عمْرٍ ليسَ بباقِ نتعبُ ، ونقرأُ ، ونكتبُ ونفرحُ لكننا إلى عبثٍ نسيرُ ونبرحُ» ص46 . ومِن جميل قصائده ، قصيدته «إغراء فنانة» لِما فيها مِن تألق دائم ، وثغر باسم إذ يقول : «مِن ثغركِ بسماتٌ أضاءتْ في ليلٍ تألقتِ فيه أميرةً تُمتَّعين العيونَ بأحلى نظْر وتَسْبحينَ في خيالِ شبابٍ ما جتْ جوارحُهم كزخاتِ المطرْ» ص52 . أما في قصيدته «مبادئ مِن رياض الحبّ» فيتمنى شاعرنا أن يرضيها بالأقوال والأفعال ، إذ يقول :
أُرضيكِ بالأقوالِ والأفعالِ إن كان وعْدٌ صالحًا لودادِ
أما إذا استذكرتِ عهدكِ فاقبلي يا بنتُ ظَلَّ الحبُّ في الأكبادِ . ص 58
وفي قصيدته «عطر غانية » يرى أن العطر هو مرأى الهيفاء ، ويقول :
هيفاءُ قامت وكلٌّ في مودَّتهِ راضٍ وجالتْ وكلٌّ قلبهُ شاكِ
طربْتُ مِن صوتها لحنًا وقلت لها ظريفةَ الطولِ هل لطفٌ على الباكي
فاستبشَرتْ وهي تلقي العطرَ قائلةً ما اطيبَ العطرَ قلت : العطرُ مرآك ص 62
ويتمنى شاعرنا أن ترأف عليه ، لتكون رؤياه وأفكاره مطابقة لرؤياها وأفكارها ، ويقول : يا دُرَّةَ القلب هلّا ترأفينَ على مَن صار ولهانَ مفتونا بلقياكِ
ما أصدقَ الحسنَ في الرؤيا لو اندمجتْ أفكارُ رؤيايَ مع أفكار رؤياك . ص 63
وفي قصيدته «حبيبي دائما» يرى أن حبيبه الرائع بطوله وقوامه ، قد جعل الهوى أطيب من العبير ، وفي ذلك يقول :
حبيبي يا ساحرَ البدورِ ونفحةَ الوردِ في الصدورِ
ومبدعَ الشِّعرِ في الغواني وناشرَ العطرِ في السطور
ورائعَ الطولِ ذا قوامٍ ومُشعلَ النار في الهجيرِ
لقد جعلتَ الهوى جمالا أطيبَ عندي مِن العبيرِ ص64
ويهدي تحية إكبار وإجلال لمطرب الأجيال الموسيقار محمد عبد الوهاب ، فيقول : مطربُ اللحنِ عريقٌ طاله شرفُ الصوتِ وغَنَّ الوطرا . ص 71 ويعتقد شاعرنا أن الجهل لا يمحوه إلّا الهدى والنور ، فيقول في قصيدته «وبعد الجهل نور» : هو الجهلُ يمحوه الهدى فيزولُ ويخبو وما غير العلومِ بديلُ . ص80
وشاعرنا يحب الحياة ، رغم ما فيها من متاعب ومصاعب ... ويطلب إلينا أن نتمثل بالرب الغافر ، ونسامح بعضنا بعضا ... ويقول في قصيدته «نظرات إلى بحر الحياة» : «ما أجملَ الحياةَ لو تسامحنا وتمثّلْنا بربٍّ غافرٍ يمحو الذنوب وتشبَّهنا بطيرٍ يشتهي أن يتحرّرَ من قفصٍ إليهِ لنْ يؤوبْ فقد عانينا وصمدنا أمامَ عواصفِ دهرٍ أدمَتْ عيونًا .. وقلوبْ ، ص87 . ويختتم شاعرنا ديوانه هذا بقصيدة «ثمانيات لمواعظ حياتية» ، هي في نظري من أجمل قصائد الديوان مِن حيث المبنى والمعنى والموسيقى الشعرية وفيها يحذرنا من الطمع والخداع ، فيقول :
إياكَ يا إنسانُ أن تطمعْ بمالٍ... أو فحشاء أو مَرْبَعْ. فرَبُّ الكونِ ناظرٌ يسمعْ. وإياكَ يا إنسان أن تخدعْ. فأنت إنْ فعلتَ في جهنم تقبَعْ. ص 95.
ويحذرنا أيضا من ساعة الغضب، ومن الحقد والنميمة، ويطلب منا الابتعاد عن الرذائل، فيقول: إياكَ يا إنسانُ أن تغضبْ وإلى الحقد والنميمة لا تذهبْ. فمنك مطلوبٌ إلى الرذائل لا تقربْ. ص 96. ويدعونا إلى الاتعاظ من التجارب وهموم الحياة، من مشاقها وأتعابها، ويقول: إياكَ يا إنسانُ أن تطربْ. إذا سمعتَ صوتَ الخيرِ يُغلَبْ. واتّعِظ من مآسٍ في دنيا تتشعبْ. واذكر كلَّ يومٍ ربًا عادلاً... وترقّبْ، ص 97.
وخلاصة القول: لقد فرحت بل طربت عند قراءتي لهذا الديوان لِما فيه من عبير الكلمة التي تفوح من زنابقه ورياحينه معبرة عن الروح الإنسانيّة المتمثلة بالمحبة والتسامح والفضيلة ونبذ الشر والرذيلة. وأخيرًا أتمنى للدكتور منير أياما سعيدة، وأعوامًا مديدة وأنت في تمام الصحة والعافية، ودوام العطاء الذي يجلب لنا السعادة والهناء. ألف مبروك لكل إصدار وإصدار، نترقّبه منك أيّها البار.