كلمة وقصيدة رثاء في رحيل المطرب الكبير صباح فخري
بقلم : الدكتور منير توما- كفرياسيف
سمعنا قبل أيام في نشرات الأخبار عن رحيل المطرب السوري الكبير صباح فخري ، الذي عُرِف واشتهر بغناء القدود الحلبية ، وهو يعتبر علمًا من أعلام فن الموسيقى الشرقية . واطلاق اسم فخري عليهِ ليس لنسبهِ العائلي ، وانما تقديرًا لفخري البارودي الذي قام برعاية موهبته في الفن والموسيقى والغناء .
وُلِدَ صباح فخري بإسمه الحقيقي صباح الدين أبو قوس عام 1933 في مدينة حلب الشهباء في سوريا ، وهي المدينة التي تشكِّل أحد أهم مراكز الموسيقا الشرقية العربية حيث تمتاز حلب بالبيئة التي تجمع أصالة الغناء العربي . وقد ظهرت موهبة صباح فخري في العقد الأوّل مِن عمرهِ . وفي هذهِ السن المبكرة درس في معهدي حلب ودمشق ، وتخرّج من المعهد الموسيقي الشرقي عام 1947 بدمشق بعد دراسته الموشحات والإيقاعات ورقصة السماح والقصائد والأدوار والصولفيج والعزف على العود . ومن اساتذتهِ الشيخ علي الدرويش والشيخ عمر البطش ومجدي العقيلي ومحمد رجب . ولقد اشتهر صباح فخري في جميع أرجاء العالم العربي كأحد أهم مطربي الشرق ، واعتُبِر من أعلام الغناء العربي ، فقد عشقت فنه الجماهير الواسعة من محبي الغناء الأصيل والقدود الحلبية الذي امتاز بأدائها وتقديمها . وقد أحيا الحفلات الغنائية في البلاد العربية والأجنبية ، وضرب رقمًا قياسيًا في مدة الغناء في احدى حفلاتهِ ، إذا استمر بشكل متواصل في الغناء لمدة عشر ساعات ، وقد لاقى نجاحًا باهرًا في مهرجانات الموسيقا العربية بالقاهرة .
ومن الجدير الاشارة الى أن غناءه لمدة عشر ساعات متواصلة كان في فنزويلا عام 1968 ، وقام أيضًا عام 1998 بالغناء لمدة مماثلة في كركاس ، مما جعله يستحق أن يدخل موسوعة جينز للأرقام القياسية عرفانًا وتقديرًا لمقدرتهِ النادرة هذه .
ويُذكَر أن لصباح فخري ما يقرب 160 لحنًا تشمل الاغاني ، القصائد ، الأدوار ، الموشحات والمواويل . ومن أشهر الشعراء الذين غنّى لهم : أبو الطيب المتنبي ، أبو فراس الحمداني ، ابن زيدون ، ابن الفارض ، حسام الدين الخطيب . ومن الشعراء المحدثين فؤاد اليازجي وانطوان شعراوي . ومن اللافت أنه اشترك مع وردة الجزائرية بتقديم مسلسل «الوادي الكبير» ، وقدم كذلك مسلسل «نغم الأنس» . وكان عام 1975 قد قلّده الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وسام تونس الثقافي ، وحاز الميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية بدمشق عام 1978 . علاوةً على ذلك ، فقد حصل على العديد من الجوائز وشهادات التقدير العربية والدولية والعالمية . وقد تبوا صباح فخري عدة مناصب حيث فاز بمنصب نقيب الفنانين السوريين ، ولعب دورًا بارزًا في الحركة الفنية العربية . وكانت وفاته في الثاني من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2021 عن عمر ناهز 88 عامًا . وفي هذا الموقف الحزين كتبت قصيدةً في رثاء المطرب القدير صباح فخري على النحو التالي :
القصيدة :
يا أيًّها الصوتُ فيكَ الناسُ قد طَرِبوا
عندَ القدودِ ولكنْ لم يَعُدْ عُمُدُ
فيا لهُ طربًا ما كانَ أجْمَلَهُ
ويا لها رِحْلَةٌ ميلادُها البَلَدُ
قد التقى المجدُ و «الفخري» على هَدَفٍ
نحوَ العُلى فتنادى الروحُ والجَسَدُ
وليسَ يُسْأَمُ «صَبُوحٌ» ولا عَلَمٌ
فلم تكُنْ حِدَّةٌ فيهِ ولا عُقَدٌ
الناسُ في الذوقِ أجناسٌ قد اختَلَفتْ
والفنُّ في القلبِ إذ لا يُعْدَمُ الحَسَدُ
كُنا نرى ابنَ الشامِ بيننا قمرًا
لكنْ يضاهي نجومًا مالها عَدَدُ
كانَ النُهى والسنا والصوتُ مُكْتَمِلًا
في شَخْصِهِ واحتمالُ الوقتِ والرَشَدُ
فلم يكنْ حُسْنُ فنٍّ لا نراهُ بهِ
ولم يكنْ فيهِ نَقْدٌ حينَ يجتَهِدُ
قد كانَ مثلَ الندامى في خلائقِهِ
فلا يُسَرُّ لبُعْدِ الشاربِ الوِلِدُ
وكانَ عَهْدَ الهواةِ المُغرمينَ به
تُتلَى بُنى الغِنا إذ تمتدُ منهُ يَدُ
تباثُهُ كجُذُورِ الأرضِ حينَ بدا
وصفوةٌ فيهِ مثلَ الماءِ تُعْتَمَدُ
يُرضي سما اللهِ مُعْتَدًّا بطاقتِهِ
وفي فضائلِ حُبِّ اللهِ يَسْتَنِدُ
هذا «صباحٌ» قد مضى بعدَ طولِ رحلتِهِ
الى الخميلةِ فاستوى لهُ الأَبَدُ
هذا الهزارُ الذي لا بُدَّ يذكُرُهُ
جميعُ ما طَرِبتْ آذانٌ لَهُم تَرِدُ