في كُلِّ مرّةٍ أَعزمُ فيها على الاعتراف لكَ يا سيّدي، يَخونُني الموقفُ وَتُربِكُني الكلماتُ.
وفي كلِّ مرّةٍ أُحاولُ الهربَ من أَمامِ وجهِكَ، أَجِدُ نَفسي ضَعيفةً كَوَرقةٍ يابسةٍ تُعاني التَّفتُّتَ وهي في سُكونِ الرّيحِ، فَأَعودُ أَدراجي مثلَ طِفلةٍ تائِهةٍ تبحثُ عن أَبيها في زِحام الحياة...
أَخْبِرني أَيّها الرّاعي الأَمينُ، كيفَ ضَللتُ الطّريقَ المُؤدِّيةَ إِليكَ وعنوانُكَ لا يزالُ مَنقوشًا في كَفّي؟! كيفَ أَجهلُ ما أبحثُ عنهُ وقد جئتُ أَتَتبّعُ أثَرَكَ؟!
حُججٌ، أَعذارٌ واعْتذاراتٌ...
آهٍ، ما أَكثرَ المرّاتِ الّتي فيها قدَّمتُ اعْتذاراتي!!! رُبَّما فاق عددُها العَشراتِ أَو آلاف المرّاتِ!
لقد حدّثْتُكَ بالْأَمسِ عن مدى حُبّي لكَ، وهو حُبٌّ يفيضُ بِالشُّكرِ والامتنانِ. هي حالةٌ منَ الحُبِّ تغمرُها حالةٌ من الخُشوعِ وَالْوَقارِ...هذا أَمرٌ قلَّما نجدهُ في هذه الأَيّام...وأَنتَ وحدكَ العليم بِقَساوةِ هذِهِ الأَيّامِ.
أَتسأَلُني عنِ الدَّليلِ والبُرهان؟!
في ليلةِ مولدِكَ اِحتفلتُ والنُّجوم تتَهلَّلُ في كلِّ مكانٍ، وأَنا كَعادتي تَردَّدْتُ ماذا أَجلبُ لكَ في عيدِ ميلادِكَ؟ أزهار السّوسن أَم عناقيد من الياسمين...؟
اِحْترتُ وكَم طالتْ حَيرتي!! فأَنتَ كاملٌ ونِعمَ الكمال. ويومَ دخلتَ مدينتَكَ اِسْتقبلتُكَ بِحفاوةٍ عربون حبٍّ وعِرفان.
أَلا يكفيكَ هذا الحبُّ يا سيِّدي؟ أَهناك حبٌّ أَعظم من هذا...؟!
لم يأْتِني الرَّدُّ ولا حتّى صَداه...
طالَ الحديثُ إليكَ حتّى بَدا لي بأَنَّ الكلمات أَصابَتْها الرَّتابةُ والتَّعبُ. وبينما كُنتُ في هذه الحالةِ، أُحدِّثُكَ عن معنى الحُبِّ أَيُّها البارُّ، كُنتَ أَنتَ منذُ الْأَزلِ تُحبُّني حُبًّا سَرمديًّا لا يَنضُبُ ...
وجدتُكَ هُناك عندَ الجُلجُلة تَرْنو إليَّ من بعيدٍ وأَنتَ مُعلّقٌ على عودِ الصَّليب...
هدوءٌ باردٌ حزينٌ سادَ المكان... ومع نَحيبِ الطُّيورِ وأَنينِ السّماءِ همَسْتَ لي: كيف يكونُ لِحُبِّكِ الكبيرِ وَجهان؟!
أَيُنْبَتُ من أزهارِكِ إِكليلٌ من الأشواكِ؟!
أَنَفدَ ماؤُكِ فَجِئتِ بِخَلٍّ عربونَ حبٍّ وَوفاء!!
خَذَلَتْني نَفسي وتَلَعْثَمَ لِساني الغشيمُ... بعدَ أَن تَمَلَّكَني شعورٌ بأَنَّني مجرَّدُ سَرابٍ يَتوق إِلى يَنبوع حكمةٍ وَحياةٍ.
عُدْتَ يا سيِّدي تَسأَلُني: أَعرفتِ حقيقةَ الحُبِّ؟!
اِنْعقدَ لساني لِلَحظةٍ وَسالتْ دمعةٌ خَجِلةٌ ساخنةٌ:
أَدركتُ الآنَ ما هو الحبّ أَيُّها الفادي...كيفَ لا... وَأَنتَ القيامةُ وَالْحَياة؟!
سُهير شحادة