بقلم عنات دريال:
صحيح أن عام 2020 بات من ورائنا، لكن نسيانه لن يكون سهلًا. وسيبقى محفوًرا في ذاكرة كل واحد منا، بأنه العام الذي جلب معه وباءً عالميًا وهز العالم بصورة لم يكن أحد ليتخيلها.
في الجانب الاقتصادي، حمل العام المنصرم تذكيرًا مؤلمًا لنا جميعًا، بأن الاقتصاد المتنامي، فرص العمل الوفيرة، المجمعات التجارية (الكنيونات) التي تعج بالناس والعطلات العائلية خارج البلاد ليست أمرًا بديهيًا - وبالتأكيد ليست "دائمة".
وعمليًا جميعنا بتنا ندرك اليوم أنه يجب العمل من أجل الحفاظ على جميع هذه النِعَم، وان هنالك ايضًا فترات يتضرر فيها الدخل المادي، ولذلك فإنه حتى في فترات الرخاء، يجب الادّخار للأيام الأصعب ، فكما يقال "القرش الأبيض لليوم الأسود".
كشخص يتعامل يوميًا مع الناس ومع آلاف العائلات سنويًا، وكمتابعة للمحطات الاقتصادية الفارقة في حياتهم، فأنا أدرك أن هذه المفاهيم الجديدة - القديمة قد تم تذويتها جيدا، لا سيما لدى من تضرروا بشكل مباشر من الأزمة الاقتصادية، ومن المنتظر أن تؤثر على السلوك الاقتصادي للجمهور في البلاد في السنوات المقبلة.
لكن الوعي لأهمية التوفير ليس الأمر الوحيد الذي سيرافقنا، وإنما أيضًا المزيد من الأفكار والسلوكيات الجديدة التي جلبتها معها أزمة الكورونا، وليست كلها سلبية. بل أن بعضها قد يساعدنا في جهودنا من أجل تحسين الوضع الاقتصادي العائلة.
وفيما يلي، بعض الأفكار حول كيفية الاستفادة من "الحياة الجديدة" التي فرضتها أزمة الكورونا لتحسين أوضاعكم المالية:
- العمل من البيت – الوقت من ذهب: إمكانية العمل من البيت كانت قائمة قبل الكورونا، لكنها اتسعت بشكل ملحوظ في أعقاب الجائحة، وهي هنا لكي تستمر. وإلى جانب فوائدها الواضحة للحياة الأسرية، فإن العمل بشكل جزئي من البيت له أيضًا فوائد اقتصادية.
إذا أتيحت لكم إمكانية العمل من المنزل بشكل جزئي، فسيكون بإمكانكم توفير مئات الشواقل شهريًا - بهذه الطريقة - بمصاريف المواصلات (وقود ومواصلات عامة)، ومصاريف تناول الطعام والشراب خارج البيت. وإذا كان بإمكان الوالدين تقسيم أسبوع العمل، بحيث يعمل كل منهما من البيت في أيام مختلفة، فسيكون بالإمكان في بعض الحالات الاستغناء عن نويديات وأطر الظهيرة للأولاد، والتوفير بشكل ملحوظ في مصاريف التعليم، فضلًا عن الفوائد الأخرى لقضاء وقت مع الأولاد.
لكن فوائد العمل الجزئي من البيت تتجاوز التوفيّر المالي، إذ أنها توفّر علينا كل أسبوع عدة ساعات من السفر على الطرقات. ويمكن استثمار الوقت الذي نوفّره في تعلّم موضوعات جديدة تثري وتعزز قدراتنا المهنية، سواء في المجال الذي نعمل فيه أو في مجالات جديدة. في كلتا الحالتين، سنكتسب أدوات إضافية تجعلنا موظفين أفضل وتتيح لنا زيادة دخلنا على المدى المتوسط.
وبالمناسبة، حتى لأجل هذا الأمر لا داعي بالضرورة لمغادرة المنزل: التعلّم عن بعد، حتى في الجامعات بات خيارًا شائعًا. وبشكل عام، أصبح وقتنا جميعًا أكثر قيمة – نحن نحدد موعدًا مسبقًا بدلاً من الوصول تلقائيًا إلى مكان ما ونوفّر وقت الانتظار الثمين ونستمتع بالاهتمام الخاص من قبل مزود الخدمة، سواء كان ذلك في البنك أو في صالون الشعر.
- يمكننا جميعًا أيضًا أن نكون مبادرين: السنة الأخيرة، والتي فرضت علينا البقاء في منازلنا لشهور، وبعضنا بقي بدون عمل، أعادت الكثيرين للعمل في مجالات اهتماماتهم الشخصية، مثل: مجال الخبز، التصوير، صناعة الأثاث وما إلى ذلك - كل شخص حسب مهاراته وميوله. وتطورت بعض هذه الأعمال إلى مبيعات، أحيانًا على نطاق صغير ولكن على نحو يمكّنها من تحقيق دخل إضافي بالتوازي مع العمل المنتظم، وأحيانًا على نطاق واسع.
أي أنه جنبًا إلى جنب مع التطور الهائل في ثقافة التوصيل، البيع عن بعد والوقت الذي يتم توفيره نتيجة العمل من المنزل، ظهر لنا مصدر دخل إضافي للبيت من المفيد استغلاله، كل حسب قدراته.
- اقتصاد الـ "زوم" يعمل لأجلنا: قواعد التباعد الاجتماعي قادت مزودي الكثير من الخدمات لعرض خدماتهم عن بعد بواسطة "الزوم"، "سكايب" ووسائل تكنولوجية مشابهة – من معلمين خصوصيين، وصولا الى مدربي لياقة بدنية، مدربين لليوغا، أخصائيين نفسيين، مدربين وحتى خدمات طيبة خاصة - وتبين أن هذه الترتيبات لها فوائد اقتصادية لكلا الجانبين، ومن المتوقع أن تبقى ترافقنا في المستقبل. قد تكون الخدمات عبر "الزوم" أقل تكلفة لأنها توفر في نفقات مُقدّم الخدمة أيضًا (على سبيل المثال: يمكن لمدرس اليوغا إعطاء الدروس من المنزل بدلًا من الصالة، كما يمكن لأخصائية التغذية تقديم الارشادات من البيت).
ونحن لسنا ملزمين بالاكتفاء بالخيارات الموجودة بالقرب من المنزل، ولكن يمكننا الاختيار من جميع أرجاء البلاد، مما يوسّع المنافسة ويسمح بمقارنة الأسعار. من يدري، قد نجد مدرس رياضيات ممتازًا في حيفا على سبيل المثال ويتقاضى أجرًا أقل من المدرس القريب من المنزل في الناصرة.
صحيح أن التجربة مختلفة بعض الشيء، ولكن لا شك في أن نطاق خياراتنا اتّسع والآن لدينا الإمكانية للاختيار وتحديد أي منتجات أو خدمات نريد استهلاكها، وكيف نريد استهلاكها، وبالطبع بأي ثمن نريدها.
- المشتريات عبر الإنترنت أوفر: أحب المستهلكون في البلاد الشراء عبر الانترنت حتى قبل الكورونا، لكن لا شك انه خلال العام الأخير اتسع هذا التوجه ليشمل المزيد من الناس، كما اتسع ليشمل المزيد من المصالح والأعمال التي انضمت للبيع عبر الانترنت، وبتنا نجد اليوم بينها آلاف المصالح التجارية الصغيرة وحتى متناهية الصغر، والتي لم يكن لها أي حضور عبر شبكة الانترنت قبل سنة.
بطبيعة الحال المجمعات التجارية (الكنيونات) والمحلات المتواجدة في الشوارع، ستبقى، لأن متعة التسوق في هذه الأماكن لا يمكن لأي موقع إلكتروني ان يستبدلها، ولكن يبقى لعمليّة الشراء عبر الانترنت أفضليات خاصة بها: انها تتيح إمكانية أكبر للمقارنة بين الأسعار، وعادة ما تكون أكثر تخطيطًا وأقل اندفاعًا، كما أنها توفّر في مصاريف الوقود، في شراء الحلويات للأطفال وكذلك في زيارة مطاعم الوجبات السريعة، الأمر الذي لا يمكن تجنبه عادة.
من كان ليظن أن نجارًا في باقة الغربية مثلا، سيصنع لنا الأريكة التي كنّا نحلم بها، ويأتي بها إلينا في سخنين، فيما يكون السعر – شامل التوصيل – أوفر لنا. والمقصود هنا، ان خياراتنا ازدادت.
- لسنا مضطرين للسكن في مركز البلاد: العمل عن بُعد يوفرّ مرونة أكبر، دون حتى الحاجة للانتقال الى مركز البلاد من قبل من تتواجد أماكن عملهم هناك، وفي الكثير من المجالات. وهذا ينسحب على مختلف الأماكن، ويساهم في تقليل كبير في المصاريف الشاملة ويعزز إمكانية التوفير.
- يمكن العيش بمستوى ممتاز ومصاريف أقل: مع فتح الاقتصاد أكثر، "سنهجم" جميعًا على الرحلات إلى الخارج، على مراكز التسوق والمقاهي ودور السينما. كم نشتاق لهذه الأماكن، أليس كذلك؟ هذا أمر طبيعي وإيجابي، لأننا كلما عدنا إلى الحياة العادية بشكل أكبر، كلما تعافى الاقتصاد بشكل أسرع وسنستفيد جميعًا من ذلك.
لكن السنة الأخيرة علمتنا درسًا مهمًا، من الممتع أن تكون هذه الأمور في حياتنا، لكن يمكن أيضًا العيش بدونها. لا شيء يضاهي الجلوس في مطعم جيد إذا كانت لدينا الامكانية لذلك. لكن إذا كنا نواجه ضغوطا مادية، فإن الطهي في البيت يمكن أن يشكّل تجربة ممتعة للعائلة.
إذا رغبنا في السفر إلى تايلند ومعنا 30 ألف شيكل متاحة فلما لا؟ لكن إذا كان هذا المبلغ يشكّل عبئًا ثقيلًا علينا، فإن رحلة إلى هضبة الجولان أو الى أي مكان في البلاد يمكن ان تشكّل رحلة عائلية ممتعة لا تقل إثارة. يمكن أن نعيش حياة ممتعة وبمستوى جيد دون أن نزيد الانفاق في المصاريف الى الحد الأقصى المتاح أو الى حد يتجاوز امكانياتنا.
(الكاتبة هي رئيسة وحدة الخدمات المصرفية الخاصة في بنك لئومي)
في الصورة عنات دريال تصوير اورن داي