خلال شهر رمضان، يصوم حوالي 80% من مرضى السكري من النوع 2 و43% من مرضى السكري من النوع 1. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث توجد أغلبية مسلمة كبيرة جدًا، معدّل الانتشار النسبي لمرض السكري هو الأعلى في العالم، وفقًا لجمعية السكري العالمية. في عام 2021، كان حوالي 73 مليون مريض بالسكري، أي واحد من كل ستة بالغين، ومن المتوقع أن يصل هذا العدد إلى 95 مليونًا بحلول عام 2030 وحتى 136 مليونًا بحلول عام 2045. كذلك واحد من بين كل ثلاثة بالغين مرضى بالسكري دون أي تشخيص رسمي له كمريض. الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة الإصابة بالسكري هي: السُمنة، قلّة النشاط البدني والشيخوخة، ولهذه المعطيات أهمية كبيرة خاصةً خلال شهر رمضان.
وقبل أن نبدأ في التطرّق إلى الطريقة الأنسب لتعامل مرضى السكري في البلاد مع هذا الشهر تحديدًا، ومع المخاطر الرئيسية للسكري، والإرشادات التي يوصي بها الأطباء للمرضى الصائمين، وما الذي يجب التشديد عليه في هذه الفترة، سنشرح لكم بإيجاز ما هو بالضبط مرض السكّري.
السكّري (Diabetes) هو عبارة عن مجموعة متنوعة من الأمراض التي القاسم المشترك بينها هو فرط سكّر الدم، أي مستويات عالية من السكر في الدم. الإنسولين هو هرمون يساعد، فيما يساعد، على التحكم بمستويات "المواد الغذائية" في الدم، بما في ذلك السكر. إذًا، ما العلاقة بين الاثنين؟ يساعد الإنسولين على نقل السكر من الدورة الدموية إلى خلايا الجسم لإنتاج الطاقة، وينشأ مرض السكري نتيجةً لاضطراب في إفراز الإنسولين، أي اضطراب في نشاط الإنسولين، مقاومة الإنسولين أو نتيجةً للحالات الثلاث. المشكلة الرئيسية والبارزة بمرض السكري هي كمية إنسولين غير كافية في الجسم نسبةً لاحتياج الجسم له.
هنالك نوعان شائعان من السكّري:
سكرّي من النوع 1: (المعروف باسم سكّري الأطفال) ينتج عن نقص كامل في الإنسولين نتيجة هدم خلايا البنكرياس المسؤولة عن إفراز الإنسولين. إنه أحد الأمراض المزمنة الأكثر شيوعًا عند الأطفال: يتم تشخيص ثلثي الحالات الجديدة من النوع 1 من مرض السكري حتّى سن الـ 19. ومع ذلك، فإن ظهور المرض في سنّ أكبر ليس نادر الحدوث: حتى 25% من الحالات الجديدة من مرض السكّري من النوع 1 يتم تشخيصها عند كبار السن.
سكّري من النوع 2: ينتج مرض السكري من النوع 2 في حين لا يزال البنكرياس ينتج الإنسولين، ولكن يكون الإنسولين غير قادر على أداء وظيفته: إيصال الجلوكوز إلى خلايا الجسم. ويمكن أن يظهر السكري من نوع 2 في أيّ عمر، ولكنه يظهر عادةً بعد سن الأربعين. ويرجع ذلك أساسًا للأسباب الوراثية، ولكنه يتأثر أيضًا بشكل كبير بنمط الحياة. في هذه المقالة سوف نركّز بشكل أساسي على مرض السكري من النوع 2.
مهلًا، نشعر بأن الموضوع جدّي، ما مدى انتشار مرض السكري؟
يشهد معدّل الاصابة بمرض السكري تصاعدًا ثابتًا، في جميع أنحاء العالم وفي البلاد. وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن مرض السكّري هو وباء القرن الحادي والعشرين. من المتوقّع أن يكون أعلى معدّل انتشار للمرض في الدول النامية. تبلغ نسبة انتشار مرض السكري في البلاد بين من هم في سن الـ 18 وما فوق حوالي 9.71%، حيث انتشار المرض يزداد مع التقدم في العمر. عند الحديث عن المجتمع العربي فيما يتعلق بمرض السكري، يوضّح الباحث أحمد الشيخ محمد، المدير العام لجمعية "الجليل": "مرض السكري هو وباء العصر، وخاصةً في المجتمع العربي في البلاد. يتطلب الوضع تدخلاً فوريًا وسريعًا على جميع المستويات، حيث كان هناك أكثر من 100,000 مريض في عام 2017، وبالإضافة إلى ذلك، تضاعف عدد المصابين بالمرض ثلاث مرات في الـ 15- عامًا الماضية. الأمر المقلق للغاية هو معدّل انتشار المرض بين الأعمار المبكرة، خاصةً في الفئة العمرية ما بين الـ 40-49 سنة، حيث وصل المعدّل إلى 15.1%، ما يعكس زيادة بأكثر من 120% مقارنةً بعام 2004، ما يشير إلى زيادة متوقعة ملحوظة في السنوات المقبلة".
وفقًا لتقديرات وزارة الصحة في البلاد، من المتوقّع أن يتضاعف عدد مرضى السكري في البلاد أو مرّتين وحتّى ثلاث مرات بحلول عام 2030. ويعاني 1 من كل 6 بالغين من السكّري، وشخص واحد من بين كل 3 مصابين بالمرض في البلاد غير مشخّص كمريض بشكل رسمي. وفقًا لهذه التقديرات، بحلول عام 2030 سيكون هناك حوالي 1,200,000 مريض بالسكري في البلاد، مما سيشكل حوالي 12.5% من إجمالي السكان.
إن المعطيات حول الإصابة بمرض السكري في البلاد هي معطيات تتعلّق فقط بالأطفال وهي مبنّية على السجّل الوطني لمرض سكري الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 0 و17 سنة. في عام 2015، تم الإبلاغ عن 415 حالة جديدة من مرض السكّري في السجّل، منها 383 حالة من النوع 1.
وبالتالي أصدقاءنا الكرام، رداً على السؤال أعلاه، نقول: نعم، الأمر جدّي، ومرض السكّري منتشر للغاية.
حسنًا، وكيف يرتبط الصيام بكل هذا؟
يتطلّب الصيام الإمتناع عن الشرب والأكل لساعات طويلة في اليوم، وتتراوح ساعات الصيام من 11 حتى 18 ساعة في اليوم، مما يشكّل تحدّيًا حقيقيًا للمرضى الذين يتناولون الأدوية وفق أنظمة الجرعات المعقّدة. وعند الإفطار، فإن تناول الوجبات الرئيسية (وجبة الإفطار) ووجبات السحور التي تهيّئ الجسم للصيام لليوم التالي، يمكن أن يؤدّي إلى تغيرات وتقلّبات في مستويات السكر عند مرضى السكّري الذين يقرّرون الصيام، علمًا أن معظم مرضى السكري يقرّرون الصيام مع أن حالتهم لا تلزمهم بذلك.
المخاطر خلال الصيام:
مرضى السكّري الذين يلتزمون بالصيام في رمضان معرضون بشكل كبير للإصابة بنقص السكر في الدم (انخفاض مستويات السكر في الدم) وفرط السكر في الدم (ارتفاع مستويات السكر في الدم) ومضاعفات أخرى يمكن أن تؤدّي إلى زيادة لزوجة الدم، تكوّن التجلّطات، الجفاف، انسداد الأوعية الدموية، زيادة الوزن والسُمنة.
إذًا، لا يُنصح مرضى السكري بالصيام؟
تنقسم الإجابة على هذا السؤال إلى قسمين، نعم ولا. بإمكان مرضى السكري من النوع 2 والذين يتوازنون بالنظام الغذائي والتمارين الرياضية، دون الحاجة إلى تناول دواء، أن يصوموا، لأن فقدان الوزن المتوقع بسبب الصيام قد يحسّن توازن السكر لديهم، إذا حافظوا على نظام غذائي سليم. وفي كل الأحوال، يجب مراجعة الطبيب المعالج أو اختصاصية التغذية العلاجية الخاصة بكم. أمّا الأشخاص الذين تزيد نسبة السكر لديهم عن 300 ملجم / ديسيلتر، أو أقل من 70 ملجم / ديسيلتر في بداية الصيام، وأقل من 60 ملجم / ديسيلتر خلال يوم الصيام، والذين يصابون بحالات الجفاف وهبوط في الضغط بوضعية الوقوف، فيُنصحون بالتوقف عن الصيام بحسب معطيات جمعية السكري في البلاد.
توصيّات الأطباء!
فيما يلي بعض التعليمات الهامّة لمرضى السكري الذين ينتمون للفئة التي بإمكانها الصيام. تم إعداد هذه التعليمات من قبل رئيس جمعية السكري في البلاد، البروفيسور نعيم شحادة- مدير معهد الغدد الصمّاء والسكري والتمثيل الغذائي، مستشفى رمبام، كلية الطب، التخنيون، حيفا، والدكتور رياض طاهر- محاميد، أخصائي باطني وغدد صمّاء، مستشفى رمبام، مركّز قسم "إندو" ومرض السكري، "كلاليت"، لواء "شارون شومرون":
1- يوصى بالالتزام بوجبة السحور (وجبة ما قبل الصوم) والإكثار من شرب السوائل.
2- يفضّل تجنب استهلاك الكربوهيدرات بكثرة في وجبات الإفطار.
3- يوصى بزيادة المراقبة الذاتية لمستويات السكر في الجسم.
4- من المهم جدًا استشارة الطبيب قبل الصيام.
5- يوصى بالتوقف عن الصيام عند ظهور أعراض الجفاف وانخفاض ضغط الدم الوضعي.
6- يوصى بالتوقف عن الصيام إذا ظهرت حمّى أو التهاب شديد.
بالإضافة إلى ذلك، تعتبر التمارين الرياضية جزءًا لا يتجزأ من علاج مرض السكري. أظهرت الدراسات أن التمارين المنتظمة يمكن أن تمنع أو تؤخّر مضاعفات مرض السكري عن طريق خفض نسبة السكر في الدم، وتحسين أداء الإنسولين، وبالتالي تقليل مخاطر الأمراض المرافقة. من المهم التذكّر أن التمارين الجسدية مفيدة حتى عندما لا تكون مصحوبة بفقدان الوزن. قد تؤدي التمارين الرياضية إلى خفض مستويات الهيموجلوبين المتراكم (المتسكّر).
من المهم جدًا أن نكون فعّالين ونشيطين قدر الإمكان خلال النهار بشكل عام ولمرضى السكري بشكل خاص.
-
مرضى السكري الذين يتناولون أدوية عن طريق الفم: لا تتطلب بعض الأدوية تغيير نظام الجرعات، أما المرضى الذين يتلقون أدوية تؤثّر على إفراز الإنسولين وقد تؤدي إلى حدوث حالات نقص السكر في الدم عليهم استشارة الطبيب المعالج حول كيفية تناولها.
-
المرضى الذين يتلقون العلاج بالإنسولين: على المريض استشارة الطبيب قبل الصيام، لأن ذلك قد يتطلب تغيير نظام الجرعات وكذلك بسبب وجود مجموعة متنوعة من أنواع الإنسولين، وخيارات عديدة تدمج بين الأنواع المختلفة.
* للمزيد من المعلومات حول صيام مرضى السكري، وفي حالة التردّد أو الشك، يُرجى التوجّه إلى الطبيب المعالج.