الدكتور مئير فرمان، اختصاصي أمراض الأنف، الأذن والحنجرة وجرّاح الرأس- العنق في مستشفى كابلان في رحوفوت، يوضّح أهمية تدفّق الهواء السّليم والجيّد من فتحتيّ الأنف، وماذا يحصل عندما يحدث تشويش في هذه الآلية، ولماذا علينا أن نتعامل بجدّية مع حالة الأنف المسدود، والرشح المتواصل والشعور بتراجع حاسّة الشمّ لدينا. لأنه أحيانًا، الموضوع يكون أكبر من مجرّد "رشح".
يقول د. فرمان إن عملية التنفّس عبر أنف معافى يجب أن تكون بطيئة حتى نضمن وصول الهواء الدافئ والرطب إلى مسالك التنفّس السفلية. ويضيف: "هذا مهم جدًا خاصةً في فترة الشتاء، عندما يكون الهواء باردًا في الخارج، علينا تسخينه قبل أن يصل إلى الرئتين".
أحيانًا، يتشوّش تدفّق الهواء الثابت، فتنتج استجابة التهابية في الأنف تُسمّى "التهاب من نوع 2". هذا الالتهاب يسبّب نتوءات في مبنى الغشاء المخاطي الذي يغلّف سطح الأنف، فتتطوّر إلى مبانٍ على شكل ثمرة البلّوط تسمّى "بوليبات".
وبحسب أقوال د. فرمان، هذا الالتهاب المزمن، والمعروف باسم التهاب الجيوب الأنفية المزمن أو "سينوسيتيس مزمن"، قد تكون له أسباب عديدة. ويضيف د. فرمان: "قد تكون الأسباب تشريحية - بنيويّة والتي تؤدّي إلى تلامس الأغشية المخاطية ببعضها، واذا تلامست فقد يسبّب ذلك الالتهاب. وهناك إمكانيّة ثانية وهي وجود البكتيريا التي تنشّط جهاز المناعة - وبالتالي تسبّب ردّة فعل التهابية في الجسم. أما السبب الثالث فهو تطوّر "البوليبات" نتيجة التهاب نوع 2. التهاب نوع 2 هو التهاب مزمن غير بكتيريّ يحصل في الجهاز التنفّسي، في الجلد، وأحيانًا في الجهاز الهضمي، ويتميّز بعدة حالات منها الحساسية التي قد تؤدي إلى تشوّش عمل جهاز المناعة، لسبب غير واضح بشكل كامل".
ما هي الإشارات التي قد تدلّ على أنّني أعاني من "البوليبات"؟
يقول الاختصاصي، د. فرمان إن الإشارات الأولية لوجود "البوليبات" هو ضعف حاسّة الشمّ، الشعور بانسداد الأنف وأحيانًا الرّشح. "هذه الإشارات الثلاث قد تكون مُهملة أحيانًا. ومن يعاني منها يقول: "حسنًا، أعاني من انسداد بالأنف، ربّما أصبت بالرشح قليلًا". إلّا أن هذا الرّشح يمتد على فترة أسبوع، أسبوعين وأحيانًا شهر أو حتى عام كامل. ولذلك اذا كنتم تشعرون بالرّشح لفترة معيّنة (شهرين أو ثلاثة أشهر) لا تسمّوا ذلك رشحًا. هذا ليس نزلة برد عادية. توجّهوا للطبيب المختصّ بالأنف، الأذن والحنجرة لإجراء فحص عميق بالمنظار للحصول على تشخيص دقيق".
وبحسب أقوال د. فرمان، المتعالجون الذين يعانون من التهاب الجيوب الأنفية المزمن أو "السينوسيتيس المزمن" مع "البوليبات" غالبًا سوف يعانون من الرشح المتواصل، ضعف حاسّة الشم والاحتقان. ويتابع: "الكثير من الأشخاص وحتى الأطباء لا يعرفون أسباب الاحتقان. وتعلّمت مع الوقت أن المعاناة من الاحتقان سببها تورّم داخلي، شعور بالتورّم الداخلي كما لو كنت تريد تنظيف الأنف ولكن لا يخرج شيء بالفعل".
لماذا من المهمّ تشخيص الحالة؟
"الأنف له علاقة بجودة الحياة، فالتنفس عن طريق الأنف هو أمر أساسي جدًا. وتثبت الأبحاث أن الأشخاص الذين يعانون من التهاب الجيوب الانفية المزمن "السينوسيتيس المزمن" تتراجع جودة حياتهم تقريبًا كما الأشخاص الذين يعانون من مشاكل قلبية مزمنة أو مشاكل رئوية مزمنة، أي ضرر كبير جدًا بجودة الحياة".
ويقول د. فرمان إن بعض المتعالجين لديه يعانون من ظاهرة توقّف التنفّس أثناء النوم (Sleep Apnea) والتي قد تكون متعلّقة بمشاكل تدفّق الهواء من الأنف. لدى الأشخاص الذين يعانون من هذه الظاهرة، في كل مرّة يدخلون في حالة نوم عميق، يكون تنفّسهم مضطربًا، والهواء النقي لا يصل للرئتين، ما يجعلهم يستيقظون من النوم. توقّف التنفّس أثناء النوم قد يسبب جلطات دماغية، عدم انتظام ضربات القلب، أمراض قلب، ضغط دم مرتفع وأيضًا حوادث طرق نتيجة الإحساس بالتعب المتراكم.
كيف نعالج "البوليبات"؟
"تشتمل عملية علاج "البوليبات" على ثلاث مراحل. في المرحلة الأولى يكون العلاج غير دوائي: الغسل بالماء والملح لفتح المناطق التي يتكدّس فيها الهواء والتي قد تحفّز تطوّر الالتهاب.
في المرحلة الثانية، إذا كانت عملية فتح المناطق المغلقة غير كافية، هناك أدوية مختلفة من شأنها أن تحدّ من تفاقم المرض وتقلّل من "البوليبات". هذه الأدوية يتم تقسيمها لمجموعتين- الستيرويدات أو أدوية الالتهاب التي هي ليست ستيرويدات (مثبّطات الليكوترين).
يمكن إعطاء الستيرويدات بطريقة شمولية - لكل الجسم - عن طريق الفم أو عن طريق حقنة، أو بطريقة موضعية للأنف بواسطة بخّاخ. ويشرح د. فرمان: "توجد للستيرويدات آثار جانبية ونحن غير معنيين بإعطائها للمتعالج لفترة طويلة. فهي تعمل بطريقة غير مراقبة على كل التهاب في الجسم. يشعر المتعالج بأنه يتنفّس، وأن حاسة الشمّ عادت إليه من جديد، ولكن هذه المتعة هي لفترة قصيرة". ويقول د. فرمان إن المتعالجين الذين يتعذّر عليهم أن يأخذوا علاج الستيرويدات الموضعي، بالإمكان علاجهم بمثبّطات الليكوترين (عن طريق البلع). الليكوترين هي ناقلات خلايا التهابية يتم إنتاجها عن طريق خلايا بيضاء وتشارك في أمراض التهابية مختلفة.
أما المرحلة الثالثة فتشمل العمليات الجراحية المعقّدة لإزالة "البوليبات" من الأنف ومن تجاويف الوجه. ويؤكّد د. فرمان: "يدور الحديث عن عملية جراحية نزيل بها "البوليبات" ونفتح "الطريق" لتسهيل عملية تدفّق الهواء. وتتطلّب هذه العملية الجراحية مهارات عالية، لا سيّما وأن المنطقة التي تتواجد فيها الجيوب الأنفية (السينوسيتيس) تقع تحت قاعدة الجمجمة- بالقرب من العينين، وفي بعض الأحيان على بعد ملليمترات قليلة. ولكي نضمن نجاح العملية الجراحية بدون التسبّب بضرر محيطي، نستعين بناظور ليتسنّى لنا رؤية ما في داخل الأنف- وهنالك أيضًا أجهزة "ناعمة" تساعدنا في إزالة وشفط "البوليبات" لكي نخلق أكبر مساحة ممكنة من جهة واحدة، وللحفاظ على المباني الهيكلية الهامّة داخل الأنف، من جهة أخرى".
لدى بعض المرضى، قد تعود "البوليبات" من جديد ويحتاجون لعميات جراحية مرة أخرى. لهؤلاء المرضى، الذين لا ينجحون بالوصول إلى التوازن المطلوب، هنالك أدوية بيولوجية من نوع جديد، وهي عبارة عن مواد تعمل على خلايا جهاز المناعة (ليست ستيرويدات) مثل السيتوكينات. ويقول د. فرمان: "هذه الأدوية مفيدة لبعض المتعالجين، فهي تساعد المسالك التنفّسية العلوية للأنف والجيوب الأنفية (السينوسيتيس) والمسالك التنفّسية السفلية. الخط العلاجي الأخير والأحدث اليوم في العالم هو "مضادات أحاديّة النسيلة" - وهي عبارة عن مضادات تم إنتاجها تحديدًا كي تعمل ضد خلايا التهابية محدّدة، فهي "تحتجز" مسبّب المشكلة الأساسي في الأنف وتضعه داخل "السجن" طوال الفترة التي يتناول فيها المتعالج المضادّ. هذه المضادّات تحسّن كثيرًا من جودة حياة الكثير من الأشخاص".