منذ عهد نسينا بدايته، ضللنا درب الطمأنينة وفقدنا وجهة أمرنا،
وصرنا صبحًا وعشية نلوك عجزنا الممزوج بمرارة الشجن والغضب، حين غرق مجتمعنا بقاع العنف فبتنا نتوق لشم رائحة الفرح وتذوق طعم المسرة،ولكن قبيل أن نفارق السنة الحالية التي بدأت تخلع لباس الحياة،
أطلت نجمة من بوابة السماء ، ففاضت جيوب الأفق غبطة وبهجة وتصاعدت أبخرة الأصالة من أحياء كفرياسف العتيقة العريقة ...
ثلاث ليال بهية ،كانونية النسمات ،جافة من القطرات، جعلتنا على يقين أن هذه الكفرياسيف راضية مرضية من رب السماوات .
هذه البلدة الأبية أعادتنا لعهد حسبناه نسيًا منسيًا ، من خلال حدث راق موسوم بألق ،كان كفيلًا أن يخرجنا من بؤرة عجزنا وقهرنا ومأساتنا المجتمعية ..
"كريسماس ماركت" باسمه المعاصر، هو بعينه مهرجان الميلاد، ولا شك إنه يستحق حمل اسمه لأنه بشّر بميلاد عهد جديد، عهد الازدهار والرقي والتألق على الصعيد الإنساني والتربوي والثقافي والاجتماعي.
لذا يليق به أن نسمّيه "مهرجان إحياء السعادة، مهرجان عودة الأمل، مهرجان الانتماء، أو مهرجان الزمن الجميل "،
لقد شهدنا ولمسنا تخطيطًا عقلانيًا مدروسًا بحنكة وفطنة وذكاء، لجَني تأثير اجتماعي، اقتصادي وسياسي بمفهوم ايجابي بكل معنى الكلمة،
ثمة رسم أهداف واضحة وعمل دؤوب وروح تعاونية وحلم واحد معشش بمخيلة الجميع ،أن تعود كفرياسيف لذروتها.
بهذه الأيام المجيدة ،كانت تسمى كفرياسيف صارت تسمى كفرياسيفنا !!
بانت بشائر الإلفة من بين الزحام ، ترابُط وتلاحم إنساني لا شائبة تشوه روعته ولا سوءة تعكر صفوته ، قوس قزح بشري نقش ألوان المحبة والنقاء على تراب الوطن ، فتلاصقت الأكتاف وتساوت الصفوف ، الشيب قبل الشباب والنسوة من كل الأجيال ، فتية وشبان ، وصبايا لبسن أثواب العنفوان ،وأما الأطفال فكان حضورهم فائق العفوية والبراءة.
والفرح ، الفرح عاد من سباته فكان سيد الموقف ،ورفرف بين الناس بكل تجلياته، وطغت على الأجواء سمة عُليا من سمات الوطنية وحب البلد ،
ألا وهي الانتماء ، وكأن كفرياسيف الأم دعت فلذاتها لتضمهم بين أحضانها ، ونادت بكل جوارحها: أيها المارون بين المٍحن العابرة،
كلكم أبنائي وأحبابي، نبضي بكم ولكم لحين يُمحى اسمي من صفحات الزمن،
فجاءها الأحبة من كل حدب وصوب ملبين النداء، حاملين في جيوب روحهم أملًا أن تتبدل الأحوال ويزول عن مجتمعنا كل بلاء،
فلم يكن حدثًا عاديًا، كان مهرجانًا يشار له بالبنان ، تآلفت قلوب بنفس المكان والزمان وفاح رحيق المحبة بين الإنسان والإنسان، تعالت نغمات وتراتيل، وكانت أهازيج وزغاريد وتلتها أغنيات ورقصات تراثية أصيلة وعصرية جميلة ،عدة أيام وساعات كانت كفيلة أن تزيح غيوم الهم والغم وتمسح عن وجه كفرياسيفنا ظلمة وخزت شغاف قلبها ونخرت جدران روحها منذ سنوات ، ولكن على الرغم من الظروف الصعبة والآفات الفتاكة والحزن الموجع بين ثنايا مجتمعنا ، استطاعت هذه المتواضعة أن تكللنا بنورها وتوحدنا تحت كنفها وتخرجنا من بؤرة ضعفنا وعجزنا ، فلا شك أن أخواتها من بنات فلسطين أيضًا قادرات قادرات !!