اليوم نتفرّج وغدًا تُفرَج
ماذا فعلتِ يا كورونا؟
كم حلمًا حطّمتِ في حجركِ للبشر؟
كلُّ أحلام البشر ضَربَها فيروسُك فجَمّدها لموعدٍ غامض وأجَلٍ قلِقٍ. وكلُّ المشاريع والمخطّطات ضربَها فيروسُك، فضربتْ فراملَها بغتةً، وانكمشتْ مذعورةً. فأنتِ يا كورونا غصّة في القلب قبلَ أن يستوطنَ فيروسُك في الحلق!
فأيّ خيبة صنعْتِ على الحياة الاجتماعيّة؟ خيبة هبطتْ كالصاعقة على أزواج كانوا قد خطّطوا لزفاف سعيد، وبعدَه رحلة لشهرِ عسل جميل!
وأيّ غضبٍ سبّبتِ لأسرةٍ انتقلت للتوّ لبيتٍ جديد؟ دخلتْه مبتهجةً واستعدّت لاستقبال الأهل احتفالًا بافتتاحه، لكنّك حوّلتِ بيتَ السعدِ إلى حِجر منزليّ!
وأيّ إرباكٍ أصبتِ به طلّاب جامعات؟ طلّاب انتظروا أن يقدّموا آخر امتحانٍ وبعدَه يتخرّجون، فلغيتِ لهم حفلةً كانت حلمًا لبداية انطلاق حياتهم العمليّة!
وأيّ حرمانٍ جلبتِ لعازف أو رسّام أو رياضيّ؟ كان قد قضى أيّامًا تدريبيّة واصلَ بها ليله مع نهاره، كي يحلمَ بعرض أدائهِ الخاصّ أمامَ جمهورٍ يحيّيهِ بلهفةٍ، لكنك جئتِ يا كورونا وأغلقتِ له الستارَ قبلَ أن يُرفَع له!
حتّى الموتى، في الظروف المعهودة، قدْ حَرمتِهم من أن يَودّعَهم أحبابُهم كما يليقُ بهِم كغاليين، وسلبتِ حقَّ الأحياء بتقديم واجب العزاء لأحبابِهم الأحياءِ كما يليقُ بِهم...
هل جئتِ لتزعزعي يقينيّات المجتمعات التي تعجّ وتضجّ وتصخبُ؟ هل جئتِ لتذكّرينا بأنّ عالمنا مزيّف ويحتاجُ أن يتجدّد؟ هل جئتِ لتلقِنينا عبرًا؟ وأنّنا كلّنا "أمواج من ذات البحر"!
إذًا فما ذنبُ دور العبادة لتبعدي عنها مؤمنيها في أوج الطقوسِ الدينيّة والروحانيّات النورانيّة؟
وما ذنبُ أمّ تحترقُ شوقًا لمعانقة ابنِها المسافر الذي طال غيابُه؟ فعند وصوله عطّلتِ له خطواتِه وباعدتِه عن ضَمِّ حضنِ أمّهِ وشَمِّ عَبقِ أمومتِها...
وما ذنبُ ربيع جديد أطلّ بروعاتهِ لتحجبي جمالُه عن روّادهِ وعاشقيهِ وهم كثُرٌ؟ وما ذنب أزهاره لتتفتّح فلا تجد من يتغزّل برونقها، فتنتظرُ وتنتظرُ ولا أحدَ يطلّ عليها ويحيّيها لإطلالتها السنويّة البهيّة؟
وما ذنبُ ملاعب رياضيّة خلتْ من لاعبيها ومشاهديها فحلّ الهجرُ والحجرُ على محبّيها ومشجّعيها؟
وما ذنبُ مَن رقَدَ بالمستشفى لتمنعي عنه عيادةَ مَن انتظرهم ليخفّفوا عنه وطأة ألمه؟
ليس هذا فحسب، بل أوَصدْتِ أبوابَ المستشفيات لمَن كان بحاجة إليها لتحجريه، وفَتحتِ أبوابَكِ فقط لمَن أصيبَ بكِ ولطواقمَ طبّيّة أبيّة تتصدّى لك….
هذه الطواقم المخلصة، المؤمنة بعملها هي مَن ستدخلكِ أنتِ في حِجر أبديّ، حينها ستُفرَج فلا تعودين! ولا نعود نتفرّجُ على أفعالكِ! بل سنتفرّجُ فقط على نتائجك الجيّدة.
فرغم كلّ الغصّات والخيبات واللوعات والحسرات، فقد علّمتِنا يا كورونا أن نقدّرَ أكثر الأيّامَ التي كنّا نحيا بها قبلَ اجتياحكِ لها ولنا، نقدّرها رغم ما كانت تحمل من هموم ومتاعب إلّا أنّنا تمنّيناها واشتقنا لها. علّمتِنا، يا كورونا، أنّ الحياة تستحقُّ أن نحبَّها وأنّنا نستحقُّ الحياة...
رغم هذا وذاك كفى ارحلي عن كرتِنا يا كورونا، ولا تتكرّري وادخلي أنتِ في حِجرٍ أبديّ، انصرفي وفارقينا، فنحن نتوق لحياة أجملَ بعدَكِ...
حياةٌ تنتظرُ صانعيها الجدد…
بقلم: د. لبنى حديد