الطبيعة في رواية "الشيخ والبحر" - شعر: الدكتور منير توما
17/05/2024 - 05:50:18 am

الطبيعة في رواية "الشيخ والبحر"

للكاتب الأميركي إرنست همنغواي

شعر: الدكتور منير توما

كفرياسيف

إنّ الصراع المركزي في رواية "الشيخ والبحر" (The Old Man and the Sea) هو بين الإنسان والطبيعة. إنّ الرجل المُسِّن (الشيخ أو العجوز)، سانتياغو، يتحدّى الطبيعة عندما ينطلق بمفرده في مركبه الصغير ليصطاد سمكة كبيرة. في البحر، يقوم سانتياغو بالتغلب على عدة تجارب ومحن بفضل عزمه وتصميمه وعقله وذهنه الحاد. هذه الأصول في جوهرها إنسانية وهي أفضل سلاح للرجل العجوز ضد البحر الجامح الذي لا يمكن التنبؤ به. إنّ البحر، وكل ما في الطبيعة، يمكن أن يمنح كلًا من الحظ الجيد والحظ السيء. إنّه مصدر للثروة والجمال، وأيضًا قد يشكّل عدوًا مرعبًا. ولكن الطبيعة ليست فقط هي البحر، النجوم، وسمك القرش؛ الرجل العجوز هو أيضًا جزء من الطبيعة. إنّ ارتباطه بالطبيعة هو الأكثر وضوحًا في جسده وعلاقته مع السمكة الكبيرة (سمكة المارلين). في نهاية المطاف، على أية حال، إنّه الرجل العجوز، وليس السمكة الكبيرة. تلك، هو الذي عاد حيًا الى الشاطئ. حتى دون وجود حظ بالمرة، فإنَّ سانتياغو بقرارهِ القوي بما فيه الكفاية قد عاد الى بيتهِ حيًّا، مرهقًا وبطلًا.

إنّ الطبيعة لم تكن لطيفة ودودة للرجل العجوز. إنّ عمله كصيّاد قد كشفه لقسوة الطبيعة. وقد وسمت الشمس جلده بالسرطان. إنّه يعرف عن كثب سم قنديل البحر المحرِق. عندما بدأت الرواية كان سانتياغو قد أمضى أربعة وثمانين يومًا دون الإمساك بسمكة. وفي اليوم الخامس والثمانين يمسك بسمكة المارلين الضخمة التي تزن 1500 باوند.

وهنا تكافئ الطبيعة الرجل العجوز بسخائها، لكن حجم سخائها يكاد يكون اكبر من أن يتحمله رجل واحد ووحيد. وعندما قام الرجل العجوز أخيرًا بِسَوق ودفع سمكة المارلين الكبيرة، التي اصطادها، الى مركبة، فإنّ الطبيعة ترسل اتباعها: اسماك القرش، التي تبتلع وتلتهم معظم السمكة التي اصطادها.

إنّ سانتياغو يواجه كل محن وتجارب الطبيعة بعزم وتصميم. إنَّ سنواته في البحر قد علّمته الكثير من "الخدع" لمواجهة نزوات الطبيعة. وبعد ثلاثة أشهر تقريبًا من الحظ السيء، كان ما يزال يداوم على الصيد يوميًا. بينما تقطع الخطوط الثقيلة المشدودة عبر ظهره، في حين ينتظر سانتياغو ظهور سمكة المارلين، فإنّه يذكِّر نفسه بأن ميزته على السمكة في ذكائه وتصميمه الذي لا يلين.

في الواقع، أنَّ سانتياغو لم يقطع الخط. حتى عندما ظهرت البقع السوداء أمام عينيه واسماك القرش هاجمت خلال الليل، فإنّه يأمر نفسه أن يحافظ على صفاء ذهنه ولم يتخلَ عن صيدهِ.

ومع أنَّ الطبيعة غالبًا ما كانت قاسية على الرجل العجوز، فإنّه ما زال يحبها، خصوصًا البحر. على عكس بعض الصيادين الشباب المتهورين الذين يعتقدون أنّ البحر يعتبر في نظرهم كيانًا أو مفهومًا ذكوريًا ("el mar")، فإنَّ الخصم الذكوري العدائي، سانتياغو يعتقد أن البحر هو كيان أنثوي ("el mar"). إنّ البحر هو امرأة، وسانتياغو يشعر بأنّ البحر كامرأة، فإنه بطبيعتهِ متوحش. هذه الأشياء لا تجعله يحب البحر أقل. كما أنه يميل الى مخلوقات الطبيعة. إنه يشعر بالتعاطف مع طيور الخرشنه الهشّة التي تتميّز أصواتها بالرقة. فهو يقدّس السلاحف وطيور المنقار لأناقتها وخنازير البحر لخفّتها. حتى اسماك القرش جميلة بالنسبة لسانتياغو، مع أنه يكرهها. لا شيء في الطبيعة يخلو من بعض الصفات التي يمكن للرجل العجوز أن يعجب بها.

إنّ الرجل العجوز ذاته هو أحد مخلوقات الطبيعة. إذا كان الذهن انسانيًا بشريًا، لذا فإنّ الجسد هو طبيعي. الوصف الإفتتاحي للرجل العجوز يقارن ندوبه بالتآكل في الصحراء، وكأنّ الطبيعة قد كتبت نفسها في جلد الرجل العجوز. إن مدّ وجزر الحظ وهو مجال الطبيعة، يؤثر على جسده كله. الحظ السيء يضرب عندما تتشنج يده اليسرى.

وفجأة لم يعد لديه أي سلطة عليه. بنفس الطريقة التي ينتظر بها الرجل العجوز ظهور سمكة المارلين، يجب عليه أيضًا ان ينتظر حتى يزول تشنج يده. لكن ارتباط الرجل العجوز بالطبيعة هو أكثر من مجرد جسده المادي.

إنّ ابرز ارتباط لسانتياغو بالطبيعة هو سمك المارلين الذي تمَّ اصطياده بخطافهِ. يوجد في كل طرف من طرفي خط الصيد شخصية لن تتخلّى عن حياتها. فبينما يختصر الرجل العجوز الخط، تقصر المسافة الروحية بين الاثنين أيضًا. 

يتساءل الرجل العجوز عن سمكة المارلين ويشعر بالأسف عليها، حتى أنّه يتمنّى أن يكون السمكة في نقطة واحدة. كل من السمكة والرجل يتوازى كل منهما الآخر في التَحَمُّل والقوة. إنَّ تصميم سمكة المارلين يجرّ الرجل العجوز بعيدًا الى البحر.

الرجل العجوز يعيدهم. وعلى الرغم من أنّ الرجل العجوز لا يزال حيًّا، إلّا أنّ التوازي بين الإثنين لم ينقطع بموت سمكة المارلين وتشويهها – فبينما يقوم أهل البلدة بفحص وقياس هيكل السمكة على الشاطئ، فإنهم يقيسون أيضًا عظمة الرجل العجوز. وتكمن هذه العظمة في قوة ارادتِه، التي يمكنها مواجهة البحر وكل حِيَل الطبيعة، بالحظ أو بدونهِ.    

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق