معرض " منبوذ " – نظرة الى الروح للفنان التصويري وئام نجيدات
بقلم : الدكتور منير توما / كفرياسيف
افتتح يوم الثلاثاء 12/9/2017 معرض للصور تحت عنوان " منبوذ " – نظرة الى الروح للفنان التصويري وئام نجيدات ابن السابعة والعشرين ربيعاً وذلك في صالة العرض لجمعية
" ابداع " – رابطة الفنانين التشكيليين العرب – في كفرياسيف بتنظيم الفنان المعروف ايليا بعيني حيث قمت بزيارة هذا المعرض ولمست تلك الموهبة الفريدة المتميزة للفنان التصويري وئام نجيدات الذي جسّد في صور المعرض وجوه أشخاص ٍ متنوعة الإيحاءات الإنسانية من معاناة وبؤسٍ وألم بالإضافة الى ما في عددٍ من الوجوه من سمات ٍ وإمارات تدلّ وتوحي على انتماءات وقدرات فكرية ذهنية تعكس ما يجيش في قلوبهم وأدمغتهم من عواطف وأفكار تبلورت على مدى سني أعمارهم لاسيما وأن هذه السطور تعرض وجوهاً لكبيرين في السن أو ممن تجاوزا متوسط العمر . ولكن غالبية الوجوه في هذه الصور تنتمي لخلفيات تشير الى بيئات تعاني من الضائقة الاجتماعية والشقاء الإنساني والتي نراها ونستشعرها من تلك النظرات التي تحدّق بها هذه الوجوه معبّرة ً عن أمورٍ كامنة في نفوس أشخاصها وكأني بصمت هذه الوجوه إنما تريد أن تقول : إرأفوا بنا وتعاطفوا معنا , فنحن عاجزون عن مجاراة هذه الأوضاع الشائكة في حياتنا , وليس بمقدورنا أن نواجه ما لا طاقة لنا به ِ على تخطيه ِ , فهذه الوجوه تمثّل انتماءات لأشخاصٍ من قوميات , ديانات , وثقافات وحضارات مختلفة , فالصور تتضمّن وجوهاً لرجالٍ ونساءٍ من بلادنا ومن الشرق الأوسط والصين واليابان ودول جنوب شرق آسيا , علاوةً على وجوه أوروبية يغلب على ملامحها دلائل التفكير والتأمّل أكثر مما يبدو عليها الابتئاس والشقاء مع أننا لا ننفي على الإطلاق وجود بعض الألم والشجن والوجد في صورهم الفوتوغرافية المعروضة .
إنَّ معرض الأستاذ الفنان وئام نجيدات يتمحور في الأساس على تصوير مشاهد إنسانية من خلال تصوير وجوه أشخاص ينبثق منها المشاعر والأحاسيس الصامتة والساكنة التي تبعث في المشاهدين المتلقين نوعاً من اللمسات والنفحات العابرة المؤثرة دراماتيكياً التي تمر هادئة ً في النفس التّواقة المفعمة بالحنين الى ذكريات واقعٍ ماضٍ أو شبه حاضرٍ تداعب عاطفة الإنسان تجاه أحبائه ِ أو أقاربه ِ من مسنين عايشهم وعاصر آلامهم ومواقف وأيام من معاناتهم وبؤسهم .
إنَّ الصور في هذا المعرض تقودنا الى تكوين الانطباع بأنَّ الفنان وئام نجيدات هو إنسان مُرهَف الحس ذو نزعة إنسانية وموهبة فريدة ذات أبعاد عميقة في كيفية التصوير الفوتوغرافي لسبر غور ما في أعماق النفس البشرية مُركِزاً على قسمات وجوه الأشخاص البادية بكل شفافية لتجعل الرائي لهذه الوجوه قادراً على دراسة ما توحي به هذه الصور الفوتوغرافية أو ما يعرف بالبورتريه ( portrait ) في عالم التصوير , فصورة الوجه ولو كانت مأخوذة في لحظة ٍ معينة , إلّا أنها تشكِّل تجسيداً لثوابت دائمة في شخصية الإنسان من عدة مناحٍ وجوانب بشرية , فالوجه والعيون خاصة ً هي بمثابة سراج أو مرآة يفصح لمشاهد الصور كثيراً مما في داخل الشخصية . وبهذا يتّضح لنا أن الصور في هذا المعرض لم يلتقطها ويعرضها الأستاذ وئام نجيدات بشكلٍ اعتباطي , وإنما توخّى أن يأتي بإبداعٍ بصري ذهني باستخدامه كاميرته لينفذ من خلال عدستها وحسن تقديره واختياراتهِ الى إشعاعات من الطبيعة البشرية المنعكس منها الشيء الكثير في وجه كل إنسانٍ من الوجوه الظاهرة فوتوغرافياً في صور المعرض .
وأخيراً وليس آخراً , أجمل التحيات , وأصدق التمنيات للأستاذ الفنان التصويري الشاب وئام نجيدات الذي صوّر فأجاد , وعرض صوراً هادفة فأبدع في غايته ِ مجسِّداً لمحات من واقعٍ إنساني بشري ملموس في ظاهره ِ , محسوس في باطنه ِ , ليضيء جانباً فنيّاً مهماً فيه تنوير واستنارة تبنّى احتضانه ِ مشكورين جمعية ابداع بهيئتها الإدارية والفنية وبرئاسة الأستاذ جورج توما , الذين يعملون ويدأبون باستمرار على تشجيع كافة المواهب في إطار الفنون التشكيلية وجوانبها الثقافية .