الحقيقة عن مهرجان الشباب الديمقراطي العالمي بقلم د. امين صفية ، القنصل الروسي في اسرائيل
23/10/2017 - 06:12:34 pm

الحقيقة عن مهرجان الشباب الديمقراطي العالمي..!

 

بقلم د. امين صفية ، القنصل الروسي في اسرائيل 

** لم يرتفع علم إسرائيل رسميا في مهرجان الافتتاح، لذلك لم يكن مبررا للمقاطعة. وارتفع العلم الفلسطيني في مقر المهرجان، بعد ان اعتذروا وتم تصحيح الخطأ. لم يقاطع الشباب العرب من إسرائيل الافتتاح أبدا.  

 

 

روي عن السياسي شفيق حمرا، وهو من ظرفاء المجتمع اللبناني، أن شركة بيروتية أرادت تعيين محام يمثلها أمام الشركات والمؤسسات. فاختارت محاميا عاديا براتب خيالي، بالقياس الى رواتب ذلك الزمان. فتساءل منافسوه لماذا وقع اختيار الشركة عليه، دون سواه، من كبار المحامين، علما بأنه ليس معروفا كمحام قدير بشكل خاص. بل كان منظره يوحي بأنه غبي صفيق. وراجت يومئذٍ حكاية عن المسؤولين في الشركة انهم زاروا- قبل توكيل هذا المحامي- بعض كبار المحامين في لبنان ووجهوا الى كل واحد منهم السؤال نفسه: كم يكون مجموع خمسة مع اربعة؟ وكان الجواب دائماً: تسعة. ولكن عندما زاروا هذا المحامي بالذات وسألوه السؤال نفسه، أجاب: مجموع خمسة ومع أربعة هو ما تقتضيه المصلحة. فقد يكون المجموع عشرة أو خمسين، او صفرا مدورا. فوقع اختيارهم عليه وجعلوه وكيلاً لشركتهم.

 

هذه الحكاية الطريفة، تلائم الكثير من المحترفين، الذين يخدمون في السياسة أو يخدمون الساسة اليوم، وابتلينا بهم وبأفعالهم. فهم لا يتورعون عن تشويه المعادلات الحسابية وتزوير الحقائق ونسج الحكايات الخيالية وإطلاق الأكاذيب، وكله في سبيل الشهرة لأنفسهم أو التشهير بغيرهم.

 

وهذا ما حصل في الأسابيع الأخيرة، خلال التعليقات على أخبار مهرجان الشباب الديمقراطي العالمي، الذي أقيم في منطقة مصايف سوتشي في روسيا، على ضفاف البحر الأسود، ما بين 14و22 الجاري.

 

والمهرجان، يعتبر أضخم تجمع شبابي في العالم. ينظمه الاتحاد العالمى الديمقراطى للشباب والمنظمات العالمية الطلابية، الذى يضم حوالى 150 منظمة شبابية من دول العالم. هذا الاتحاد أنشئ عام 1945 في لندن واستقر في المقر الدائم حاليا في بودابيست بالمجر (هنغاريا)، وهو ينظم المهرجان كل 4 سنوات. وكان أول مهرجان عام 1947 في براغ عاصمة التشيك وشاركت فيه 71 دولة وأكثر من 17 ألف شاب وفتاة، كما استضافته روسيا مرتين من قبل في موسكو عامي 1957 و1985. الهدف من المهرجان كان من البداية التصدي للفاشية التي تسببت في حرب عالمية دفعت البشرية 50 مليون ضحية فيها، واتسعت الأهداف لتوحيد المجتمع الشبابي الدولي حول فكرة العدل ومد جسور التواصل بين ثقافات العالم المختلفة لدعم التعاون الدولي وتوحيد الأجيال القادمة حول فكرة السلام والصداقة ونبذ العنف ضد التعصب الديني والتعصب القومي.

 

وقد قررت الحكومة الروسية، سوية مع إدارة المهرجان، إعطاء زخم جديد لهذا المهرجان، بسبب تراجع قوته بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية. لقد اتفقوا على إعادة مجده السابق العريق. ولأن أهداف الاتحاد التقت مع أداف الحكومة الروسية في إعلاء شأن الشباب في المجتمعات البشرية، تم تجنيد حوالي 20 ألف عضو مشارك من 180 دولة. والرسالة الأساسية تقول إن تعدد الألوان والثقافات والأديان والعادات والتقاليد للشعوب يزيد الرغبة في زيادة المعرفة عن بعضنا البعض، واتخاذ من هذا التنوع ثراء ورغبة في التكامل ودعم المعرفة ورفض العنف والحروب والصراعات والتطرف، ولاشك أن الحوار والتفاعل في نطاق العالم يساعد في مواجهة التحديات التي يواجها اليوم جيل الشباب.

 

ومن تابع نشاطات المهرجان، يدرك معنى هذه الكلمات ويلاحظ انها ليست مجرد شعارات.

 

لكن المواطن العربي في بلادنا، والشباب بشكل خاص، الذين اعتمدوا على ما نشرته بعض القوى المغرضة عن المهرجان، لم تأخذ فكرة صحيحة عنه. وكل ما عرفته هو ان "إدارة المهرجان قررت رفع علم إسرائيل في الافتتاح ومنعت رفع علم فلسطين ولذلك فإن المشاركين العرب من إسرائيل ووفود العالم العربي قاطعت الافتتاح وهددت بمقاطعة المهرجان كله".

 

بحكم عملي واهتماماتي، ولكوني ترأست المجموعة العربية الى المهرجان ، كنت مطلعا على الترتيبات ومتابعا لها منذ البداية قبل عشرة شهور وحتى اللحظة الأخيرة.  ولأن ما نشر من تشويهات أدى الى تكوين صورة مغلوطة عما جرى، ولأنني أحترم جماهيرنا العربية وشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية، أرغب في اطلاعكم على الحقائق، وذلك ليس دفاعا عن إدارة المهرجان بل دفاعا عن الحقيقة، وليس مناكفة لأحد، بل لكي يتعلم من يشوهون الحقائق ما تعلمه من قبلنا الأجداد وأجداد الأجداد ويرفض هؤلاء تعلمه، وهو، ان حبل الكذب قصير:

فأولا، لم يكن في مسيرة افتتاح المهرجان أو في ساحة الافتتاح الرحبة رفع أي علم لأية دولة، باستثناء علم روسيا بوصفها الدولة المضيفة وعلم اتحاد الشباب الديمقراطي. والأعلام التي رفعت كانت في المدرجات، بمبادرات فردية، وإدارة المهرجات لم تكن مسؤولة عنها. على سبيل المثال، قام أحد الشبان اليهود من الوفد الإسرائيلي برفع علم إسرائيل صغير، بشكل فردي. وقام أحد أعضاء الوفد الإسرائيلي العرب برفع علم فلسطين بشكل فردي.

وثانيا، الوفد الذي حضر من إسرائيل وضم 58 شخصا، 35 منهم عرب والبقية يهود، لم يقاطع المهرجان، لا في الافتتاح ولا في جلسات وندوات وحلقات الحوار. صحيح ان الأعضاء تناقشوا فيما بينهم حول الموضوع وساد بعض التوتر، لكن ذلك لم يتدهور الى صدام ولا الى مقاطعة.

 

وثالثا، في مقر المهرجان، حيث جرت في الأيام التالية جلسات الحوار، تم رفع أعلام جميع الدول، وبينها اسرائيل. ولم يرفع العلم الفلسطيني. وقد تهافتت الاحتجاجات على ذلك لدى إدارة المهرجان، من وفدنا ومن الوفد الفلسطيني بقيادة الأخ جبريل رجوب، ومن الوفود العربية. فردت إدارة المهرجان باستغراب، لأنها أكدت ان العلم الفلسطيني موجود ومحسوب حسابه. وعندما فحصوا الأمر وتبين لهم ان العلم الفلسطيني لم يرفع فعلا، اعتذروا. وسارع الروس الى جلب علم فلسطيني وارتفع في مقر المهرجان، سوية مع بقية الأعلام. وأتاحوا للوفود العربية أن تقيم مظاهرة تضامن مع الشعب الفلسطيني أمام المهرجان، وهو الأمر الذي أغضب الحكومة الإسرائيلية وصحافتها، فاحتجت عليه.

 

رابعا، في نقاش مع عدد من قادة وأعضاء الوفود العربية، وقسم كبير منهم أصدقاء لي، سألتهم: ألم يكن أفضل أن تحضروا مهرجان الافتتاح، وكل عضو وفد منكم يحمل علم فلسطين تضامنا مع القضية الفلسطينية؟ الوفود العربية تشكل حوالي ألف عضو، أوليس أفضل للقضية الفلسطينية أن يرتفع ألف علم فلسطيني في ستاد افتتاح المهرجان؟ ما الذي يخدم أكثر القضية الفلسطينية، أن تقاطعوا أو أن تحضروا وتحولوا مشاركتكم إلى تظاهرة تضامن مع القضية الفلسطينية؟ لن تفاجأوا بالطبع إن أخبرتكم بان العديدين وافقوا معي، لكن هذا كان متأخرا.

 

خامسا، أثارت الوفود العربية قضية مشاركة يهود من أحزاب اليمين الإسرائيلي في الوفد. وهذا صحيح. فالحكومة الروسية وإدارة المهرجان لم تغلق المهرجان أمام شباب بسبب أيديولوجيتهم. بل كان الاتجاه لديهم بأن يفتحوا التسجيل للمهرجان للشباب عموما، حتى يكون هناك حوار عالمي بين شباب العالم من اتجاهات مختلفة. فالمجتمع الدولي يشهد لقاءات كهذه بكثرة على مدار السنة. الفكرة بأن يتم الحوار بين شباب متفقين على موقف واحد في كل القضايا لم يعد مجديا. ومع ذلك فلا بد من التوضيح: أن الوفد الذي قدم من إسرائيل تألف بغالبيته من أعضاء عرب (35 عضوا) والبقية (23 عضوا) من اليهود. والقسم الأكبر من اليهود كانوا من اليسار والقوى اللبرالية ومن شباب سجلوا للمهرجان بجهودهم الفردية فقبلتهم إدارة المهرجان من دون تدخل منا. وبلغ عدد ممثلي اليمين 5 أعضاء، هم من حزب البيت اليهودي وحزب إسرائيل بيتنا. وغني عن البيان ان قلة عددهم عكست قلة تأثيرهم أيضا ومع ذلك فالحوار معهم ومناقشتهم كانت مهمة. وقد سمعوا آراء وقضايا وشكاوى ما كانوا لينصتوا اليها في إسرائيل. وبالمناسبة، هم الذين احتجوا على كونهم أقلية. وغضبوا عندما أوضحنا لهم ان هذا الوفد يمثل مختلف قطاعات الشعب في إسرائيل ولا يمثل الحكومة مؤسساتها.

 

سادسا، أولئك الذين يحتجون على تركيبة الوفد ويصدروا البيانات بشأنها، هم هم الذين يتحملون مسؤولية هذه التركيبة. فقد بدأ التحضير للوفد منذ مطلع السنة. وأنا شخصيا توجهت الى الحزب الشيوعي والشبيبة الشيوعية أدعوهما للمشاركة قبل أن أتوجه إلى أية جهة. ولكنهم رفضوا التجاوب. وأول مرة سمعت موقفهم، كانت في شهر أيلول، أي بعد تسعة أشهر، عندما أصدروا بيانا يدعو الى المقاطعة. وفي الواقع انهم لم يقاطعوا. بل انهم أرسلوا الى إدارة المهرجان قائمة بالمشاركين منهم، غالبيتهم من العرب الذين كنت قد اقترحتم أنا بنفسي من خلال اتصالاتي. ويوجد بينهم أعضاء في اللجنة المركزية للحزب والجبهة. وقد شاركوا في المهرجان، من الافتتاح وحتى الاختتام. 

 

من هنا، فإن التهجم على المهرجان ومنظميه وإطلاق بيانات مليئة بالتشويهات التي لا تمت للحقيقة بصلة هو ليس فقط تجني على الحقيقة، بل إنه نوع من تبرير التقصير والفوضى في اتخاذ القرارات والسطحية في تناول الأمور. وهذه صفات، لا تتلاءم مع ما يمثله هؤلاء الأخوة من تاريخ مشرف ومسؤولية وطنية.

 

والأنكى من ذلك، هو انهم  لم يروا من هذا المهرجان العملاق، الذي شارك فيه 20 ألفا من 180 دولة، سوى تلك التفاصيل الهامشية، التي ملأوها بالمغالطات. لم يفحصوا الحقائق ولم يصدقوا مع الناس. لم يكترثوا باللقاءات التي فتحت حوارا إنسانيا شاملا عن دور الشباب العالمي في العمل السياسي والوطني والعلمي والتكنولوجي والثقافي والفني والتراثي، وتشبثوا بأمور لم تشغل بال أحد من الشباب العالمي. وبدلا من أن يتوجهوا الى المهرجان بشكل منظم ومسؤول، كما كانت مشاركاتنا في 18 مهرجانا للشباب الدمقراطي العالمي عبر عشرات السنين، وبدلا من البحث والدراسة والخروج بأفكار إبداعية يساهم فيها شبابنا في أبحاث المهرجان، يختارون الانتقاد الغير مبرر والتحريض وتزيف الحقائق.

 

إن مثل هذه التصرفات تحزننا، على المهرجان، الذي كان عبارة عن مظاهرة عامية جبارة ضد الفاشية وضد الحروب والعدوان ومن أجل السلام، بل على ذلك التراث المجيد الذي تركه لنا القادة الأوائل، الذين اتسموا بالحكمة وبالمسؤولية وعرفوا كيف يخدمون قضايا السلام والدمقراطية ويمثلون بشكل مشرف هذه الجماهير.













































المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق