زيدوا شمعة، يا أحبة!
24/10/2017 - 04:58:12 pm

زيدوا شمعة، يا أحبة!" بقلم اياد الحاج 

     يشرق على نفوسنا صباح الثّامن من تشرين الأوّل، ينشر شعاعه الذهبيّ، ويعطّر الأنفاس بيوم ميلاد الزّميل الجبهويّ الأصيل خليل إبراهيم كريني. فأيّ صباح سيكون أجمل من صباح يحمل هذا الشّعاع الذهبيّ المعطّر؟!

     خليل كريني، بطل العمل التبرعيّ، في كفرياسيف، من مؤسّسي جبهة كفرياسيف الديمقراطيّة ومن قادتها، ومن مؤسّسي "لجنة اليوبيل الأهليّة" التي وحدت شباب البلد الثّائرين على الوضع السياسيّ والاجتماعيّ المحليّ القائم، والطّامحين إلى تغيّيره. كانت لجنة اليوبيل، أواسط سبعينيّات القرن الماضي، عنوانًا لكل شباب القرية الواعين، من كل الفئات، فأصبحت تجسيدًا لوحدة القرية الاجتماعيّة التي غدت نواة جبهة كفرياسيف، عام ثمانية وسبعين وتسعمائة وألف، فتطوّرت هذه الوحدة الاجتماعيّة الثوريّة، إلى وحدة كفاحيّة.

     خليل كريني أحد الذين قادونا بحكمة ومسؤوليّة ووعي ونفس طويل وروح مكافحة. كانوا يعرفون احتياجات النّاس الأساسيّة فينشغلون بتوفيرها، وكانوا يعرفون مصالح الناس العامّة فيشغلون الناس في الدّفاع عنها. كانوا يعرفون ماذا يريدون من السّلطة، فيخوضون النّضال العادل من أجل تحصيل الحقوق، وكانوا يعرفون ماذا يريدون من مجتمعهم، فيدعون الناس للقيام بواجباتها، من أجل التّقدم بالمجتمع إلى الأمام. كانوا يعرفون فن بناء الوحدة، فيجمعون القوى المحلية التي يتّفقون معها في قضايا معينة، في برامج تعتمد، ولو الحد الأدنى من الاتفاق على مصلحة عامة، ممّا يعطي العمل المشترك فرصة صقل الحلفاء. كانوا مدرسة في السّياسة، في العمل الوطنيّ، في التّكافل الاجتماعيّ، في بناء الجسور السّياسيّة والاجتماعيّة والأمميّة، في حلّ التّناقضات الدّاخليّة لمجتمعنا، في توحيد النّاس حول النّضال من أجل حقوقها، في البذل والعطاء والتّضحية الفرديّة في سبيل المجموع.

     خليل كريني أحد الملامح التي تجعل هذه الحركة الاجتماعيّة والسّياسيّة والثقافيّة جميلة وحاضرة في العقل ونابضة في القلب، فالنّتائج الخيّرة والطّيّبة لهذه الحركة هي حصيلة جهد المجموعة الواعية المتجانسة التي انصهرت في بعضها، فأصبحت كلًا لا يتجزّأ، ولو قام كلّ فرد منها بنفس الجهد، في هذه الحركة، ولكن بشكل منفصل عن الآخر، لما وصلت الحركة إلى هذه النّتائج العميقة في تأثيرها والمشرّفة في سجل مسيرة البقاء والتطور للأقليّة العربيّة في هذه البلاد.

     سبعون عامًا، أيّها الزميل، تمضي على عجل غير آبهة بنداءاتنا لأن تتمهل، ولو قليلًا! هل تميّز هذه الأعوام بين الأشخاص الذين تمضي من عمرهم، أم أن لها وتيرة موحّدة ثابتة مع جميع الناس؟ أتدري، أيها الزميل، إن عدم تمييز الأعوام بين أعمار النّاس هو الأمر العادل الوحيد الذي صادفته في هذه الحياة التي تنضح ظلمًا وتمييزًا واضطهادًا، ولا أعلمُك إلا خاضعًا للحقّ، بل مطالبًا به لكل محروم منه، لكي تسود العدالة المفقودة والمنشودة.

     سبعون عامًا تمشي أمامنا بكل جلالها ووقارها ورزانتها ومهابتها وجمالها. تنشدّ إليها العيون لترى فيها جمال الماضي، وعيوب الحاضر، والأمل المتجدّد بمستقبل أفضل. آذاننا مصغية إلى تجربتك الرّائعة، يا أيا إبراهيم، أنت ومن بقي من الذين سبقوك، أنت ومن رافقك في مسيرتكم الوطنيّة التّقدميّة الأمميّة. تكلم يا صاحب التّجربة، انطق بحكمة الحياة، أنر درب من لم يعِ تجربتك الغنيّة، فعلّه يغذي وعيه بزوادة تعينه وهو يصنع تجربته. نعلم أنك سكبت خلاصة ماضيك المشرّف في كتابك عن العمل التبرعي في كفرياسيف، لكن الميدان يتّسع لخطواتك، والمنبر ينتظر وقفتك لإطلاق الصّوت الـــّرنــّان للتّجربة الفريدة.

     في الاحتفال بميلاد خليل كريني لا نحتفل بالشّخص، فقط، بل بما يمثّل هذا الشّخص، نحتفل بإنجازات المرحلة التي كان بطلها هو ورفاقه وزملاؤه وشركاؤه، نحتفل بتضحيات هؤلاء وعطائهم المتدفق، نحتفل بماض يدعونا إلى إبداع تجربتنا الجديدة الخاصّة في الحاضر، فتذكرنا الأجيال اللاحقة كما تذكر تجربة خليل كريني وجيله وجبهته وحزبه. 

     لقد تشرفت بأن كنت أحد الذين تتلمذوا على يدي أبناء هذه التّجربة وقادتها وأبطالها. وأنا أعتزّ بالأشخاص المضحّين وبدروس التّضحية وعبرها. وكثيرون مثلي يا أبا إبراهيم! سنصون هذا الاعتزاز تحت الجفون، ننقله لأبنائنا وأحفادنا، ونحميه من عبث مزوري التّاريخ والمغرضين والمشوِّهين، فالأمانة تقتضي أن تسجّل هذه التّجربة بأحرف من نور وذهب، في وجدان مكملي الطّريق، وفي ضمير المجتمع الذي حضن هذه التّجربة.

     أتمنى لك وافر الصّحة ومديد العمر ورغيد العيش. أتمنى أن تتيح لنا الأعوام المهرولة أن نضيء في كلّ عام شمعة جديدة احتفالًا بميلاد خليل كريني المتجدّد، وصولًا إلى العام المائة والعشرين. كلّ عام وإشراقة خليل كريني تنشر شعاعها على مهل رغم اندفاع الأعوام!



المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع المدار بفسح المجال أمام الكاتب لطرح افكاره االتي كتبت بقلمه ويقدم للجميع مساحة حرة للتعبير
الاسم الكامل :
مكان الاقامة :
التعليق :
هام جدا : أدارة الموقع لا تنشر اي تعقيب فيه تجاوز لقانون القذف والتشهير, وتقع المسؤلية على كاتب التعقيب
Copyright © almadar.co.il 2010-2024 | All Rights Reserved © جميع الحقوق محفوظة لموقع المدار الاول في الشمال
سيجما سبيس بناء مواقع انترنت
X أغلق
X أغلق